28 عاما، مرت على رحيل صاحب "الحنجرة الذهبية"، الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، 28 عاما مرت ولا يزال الرجل حاضرا في وجدان كل مصرى وعربى استمع إلى نبرات صوته، وهزه خشوعه وتلاوته العذبة، عبر الإذاعة المصرية والفضائيات القرآنية، لقب بالعديد من الألقاب منها "قارئ مكة"، كما عاصر العديد من الرؤساء وكان مقربا من عبد الناصر والسادات وزار جميع دول العالم عدا روسيا تلبية لدعوة الجاليات العربية بها، ولا يخلو بيت من البيوت من صوته الرنان الذي يحرص الجميع من عشاقه على سماعه. ولد الشيخ عبدالباسط عبدالصمد في قرية المراعزة التابعة لمركز أرمنت بمحافظة قنا عام 1927، ونشأ في بيئة تهتم بالقرآن الكريم حفظًا وتجويدا، فجده هو الشيخ عبد الصمد كان من الحفظة المشهود لهم بالتمكن من حفظ القرآن وتجويده بالأحكام، والوالد هو الشيخ محمد عبد الصمد، كان أحد المجودين المجيدين للقرآن حفظًا وتجويدًا، والشقيقان محمود وعبد الحميد كانا يحفظان القرآن بالكتاب فلحق بهما أخوهما الأصغر سنًا. عبد الباسط، وهو في السادسة من عمره. توفى الشيخ عبدالباسط يوم الأربعاء 30 نوفمبر 1988م، وحلت ذكرى وفاته ال28 مؤخرا وكانت جنازته وطنية ورسمية على المستويين المحلى والعالمي، فحضر تشييع الجثمان كثير من سفراء دول العالم نيابة عن شعوبهم وملوك ورؤساء دولهم تقديرًا لدوره في مجال الدعوة بكل أشكالها. وعن أبرز ذكريات الشيخ عبدالباسط طوال حياته، التقت "فيتو" نجله اللواء شرطة متقاعد طارق وكان لنا معه هذا الحوار: هل أسهم والدك في حل أي مشكلة طرأت على الصعيدين المحلى أو الدولى بما أنه كانت له شعبية؟ والدى كان بعيدا تماما عن الحياة السياسية، وكان يحدث تدخل منه في حالة وجود مشكلات بين عائلتين ويحرص على الصلح بينهما، وعلى مستوى الدول كان يُعد سفيرا ببركة القرآن الكريم، وأسلم الكثير على يديه، وتبرع المواطنون ببعض الدول التي يوجد فيها لبناء مراكز إسلامية ومعاهد تكريما له. هل تتذكر أعلى أجر تقاضاه؟ أعلى أجر حصل عليه خمسة آلاف جنيه وكان ذلك قبل 30 عاما، وكان يحصل على أجر 100 جنيه نظير القراءة بالإذاعة والتليفزيون، وسجل القرآن الكريم كاملا بالمجان، وكان لا يهتم بمسألة الأجر، وأحيا العديد من الأمسيات والليالى بالمجان. ما أبرز الدول التي زارها؟ زار معظم دول العالم ما عدا كوريا الشمالية وإيران وتركيا، وكان أول قارئ يسافر إلى جنوب أفريقيا في الستينيات، واستمع إليه ملك المغرب محمد الخامس خلال افتتاح السد العالى عام 62، وأتى إلى القاهرة مرة أخرى وطلب الاستماع إليه وأرسلت له رئاسة الجمهورية سيارة تقله إلى القصر، وعرض عليه ملك المغرب الجنسية المغربية والإقامة هناك هو وأسرته، فرفض والدى وشكره على ذلك، وحينما توفى الملك محمد الخامس، سافر والدى إلى هناك وسجل القرآن الكريم كاملا برواية ورش عن نافع دون الحصول على أجر تكريما لروح الملك. كيف كانت علاقته بالرؤساء الذين عاصرهم؟ كانت علاقته بعبدالناصر جيدة، ولكنه كان لا يهتم بالتقرب إلى الرؤساء، أو الدخول في السياسة وكانت له شعبية جارفة، لدرجة أن أهله بالصعيد عرضوا عليه ترشيح نفسه لمجلس الشعب، إلا أنه رفض ذلك، وأكد لهم أنه بعلاقاته الشخصية سيخدم أي فرد يطلب منه ذلك، وكذلك علاقاته بالسياسيين كانت محدودة، ولم يفرض نفسه على حد، وكان يكن لهم التقدير والاحترام، وكرمه الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وكان يكره الرسميات خاصة الحفلات التي بها رؤساء للجمهورية، بسبب حالة الطوارئ القصوى التي كانت تعلن آنذاك. هل تتذكر له موقفا معينا حدث مع أي من الرؤساء؟ أتذكر أن والدى سافر مرة لباكستان لإحياء بعض الليالى هناك، وحينما علم الرئيس الباكستانى ضياء الحق بذلك، ذهب إلى المطار لاستقباله بنفسه، فيما يعد مخالفة للبروتوكول، وقال الرئيس للمسئولين "إن البروتوكولات لا بد أن تتغير تكريما للشيخ عبدالباسط حامل القرآن"، وذهب إلى الهند ولم يجد المسئولين هناك مكانا يسع الحاضرين للاستماع إليه، وأخيرا تم تنظيم الحفل في أحد الاستادات، وحضرته رئيس الوزراء آنذاك انديرا غاندى واستمعت إليه على الرغم من انتمائها للديانة الهندوسية. هل كان له أي دور في الحروب التي عاصرها ؟ أثناء حرب 67 و73 طالبته الشئون المعنوية بالقوات المسلحة بشد أزر المجندين ورفع روحهم المعنوية على الجبهة عبر تلاوة القرآن الكريم. هل نال الشيخ عبدالباسط التكريم الذي يليق به ؟ لم ينتظر تكريما من أحد طوال حياته، إلا أنه لم يتم تكريمه من الدولة بالدرجة التي تليق به، في الوقت الذي تم فيه تكريمه من باكستانوالهندوجنوب أفريقيا عن طريق إنشاء مدارس ومعاهد باسمه، وبعدما انتقل إلى رحمة الله، أجرت الرئاسة الفلسطينية اتصالا بنا، وأبلغونا أنه سيتم تكريم اسم والدى، وأرسلوا لى دعوة وذهبت إلى هناك واستلمت الجائزة، ومنحه الرئيس الأسبق مبارك وسام الجمهورية من الطبقة الثانية، إلا أنه لا يليق به، وكان من المفترض أن يُكرم في ذكراه مثلما يكرم الفنانين ولاعبى الكرة، خاصة أننا في بلد الأزهر والقرآن. ما أبرز الأوسمة والجوائز التي حصل عليها ؟ عام 86 حصل على وسام الاستحقاق المصرى من الطبقة الثانية، وكان من المفترض أن يُمنح من الطبقة الأولى، وجوائز من ماليزياوباكستان ووسامين من سوريا ولبنان والكفاءة الفكرية من المغرب.