قانون الخدمة المدنية لن يقضى على تكدس الجهاز الإدارى بالدولة أوضاع العمال في مصر أصبحت أكثر سوءا عما كانت قبل ثورة يناير حجم فساد بيع القطاع العام كان ضخما وأرصدة بعض المسئولين تضخمت بعد بيع مصانع بنصف قيمتها خاض معارك من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، انحاز للفقراء ورفض كل أنواع المحسوبيات عندما تقلد منصب وزير القوى العاملة في أعقاب ثورة يناير في حكومة الدكتور عصام شرف، وضع العدالة نصب عينيه فاستطاع أن يوفر لميزانية الدولة مليونا ونصف المليون جنيه شهريا بعد أن استغنى عن المستشارين وعدد من سيارات الموكب الوزارى حتى أنه قلص من أعداد الجرائد في الوزارة واكتفى بنسخة من جرائد ثلاث فقط، اقترب من العمال وعمل على حل مشكلاتهم، وعندما تولى حقيبة التضامن الاجتماعى عمل لصالح الفقراء وحاول استرداد أموال المعاشات باللجوء للقضاء إلا أن خروجه من الوازرة لم يمهله لاستكمال مشروعاته. إنه الدكتور "أحمد البرعى"، وزير القوى العاملة والتضامن سابقا ونائب رئيس حزب الدستور والقيادى بالتحالف الديمقراطى الذي استضافته "فيتو" في حوار حول قراءته للأوضاع على الساحة السياسية الآن.... وإلى تفاصيل الحوار: ماذا قدمت للعمال فترة توليك وزارة القوى العاملة ؟ دعونى أقل إننى كنت من أوائل المتنبئين بثورة العمال منذ عام 2008، التي بدأت بانتفاضة عمال مصنع الغزل والنسيح بالمحلة الكبرى، والتي تعد الشرارة الأولى لثورة يناير، وفى أعقاب الثورة وجدوا فيها الفرصة لمطالبة بحقوقهم، وشهد 2011 كثرة الإضرابات، فقد عاصرت ثلاثة إضرابات ضخمة وهم "النقل العام، وقناة السويس، والمحلة الكبرى" وعند دخولى الوزارة اتبعت مع العمال سياسة التفاوض والحوار، وكانت قوات الأمن احتجزت عددًا من العمال ورفضت التفاوض قبل الإفراج عنهم وبالفعل تم إطلاق سراحهم بعد ساعات قليلة من احتجازهم عندما تقلدت المنصب كان برنامجى عبارة عن 4 مشروعات وأنا في فترتى الوزارية، وهى "إقرار الحد الأدنى للأجور ب750 جنيها، وتأكيد الحريات النقابية وتعزيز حق التفاوض، التأهيل من أجل التشغيل، الحوالة الصفراء للعمال المصريين الذين كانوا يعملون في العراق". ما ردك على الانتقاد الموجه لعمال مصر إنهم السبب وراء تراجع الإنتاج والتصدير ؟ الحكومة المصرية لديها مشكلة ضخمة في إدارة القطاع العام التي تبلغ أجور العاملين به 400 مليار جنيه شهريًا، في ظل الخسائر الفادحة رغم أنها كانت من الصناعات الرائدة والمتقدمة في مصر والتحول إلى 3 سياسات كانت سببا رئيسا في التضحية بالصناعات التي كانت تتميز بها مصر وبخاصة عقب اقتصاديات السوق الحرة والاتجاه نحو تصدير المواد الخام. ولماذا فشلت تجربة إحياء مصانع وشركات القطاع العام التي تم خصخصتها وعادت إلى الدولة ؟ لم تكن هناك رغبة حقيقية في إعادة تشغيل هذه المؤسسات الوطنية، وحجم الفساد في عمليات البيع كان ضخما وهذا ما كشفت عنه تفاصيل القضايا وهى منظورة أمام المحاكم، مصانع تم بيعها بنصف قيمتها والباقى دخل إلى أرصدة المسئولين الذين لعبوا دور الوسيط. ما هي أسباب محاربة الدولة للنقابات المستقلة ؟ النقابات المستقلة تُحارب في مصر وبشدة، وترجع طبيعة العلاقة بين الدولة والنقابات منذ عام 1957، عندما تشاور مجلس قيادة الثورة حول وضع النقابات ونشاطاتها، وبخاصة أنها كانت في أوج قوتها فترة ما قبل الثورة واستقر بهم الأمر في نهاية المطاف إلى تقييد وتقليص دور النقابات شأنها في ذلك شأن الأحزاب والعمل على إنشاء كيان يرتبط بالدولة ويعمل تحت سلطتها ومظلتها فيما عرف ب«اتحاد نقابات مصر»، منذ ذلك الحين اتحاد عمال مصر ارتبط هيكليًا بالدولة. كيف تقيم قانون الخدمة المدنية وهل يستطيع أن يتغلب على التكدس بالجهاز الإدارى بالدولة؟ القانون كان ضروريا، فهناك 7 ملايين موظف في الجهاز الحكومى ونحتاج إلى 2 مليون فقط، إذا هناك 5 ملايين موظف في الحكومة لا تحتاج لهم الدولة، فعندما اتخذنا قرار تأميم الشركات في فترة الستينيات توقفت الاستثمارات الخاصة بما ترتب عليها عدد من النتائج، أهمها أصبح القطاع الخاص لا يخلق فرص عمل، وكى نوفر فرص عمل لخريجى الجامعات والمعاهد المتوسط، اضطرت الحكومة أن تتخذ قرارًا للخريجين بأن كل من يحصل على شهادة التخرج يتوجه إلى مجمع التحرير وتسليم شهادته وطلب التحاق بالعمل وبعد أسبوعين أو ثلاثة يستلم قرارا بالتحاقه بوظيفة ب"إحدى الجهات الحكومية سواء كان يناسب شهادته أو لا ويتقاضى راتبا دخل وظل الأمر على هذا الحال وحدث تكدس في أعداد الخريجين وأعداد العاملين حتى أُصدر قرار بإيقاف العمل بالتعيين التلقائى بشهادة التخرج عام 1984، في عهد الرئيس أنور السادات الذي اتخذ سياسة "الاقتصاد المختلط"، وترتب عليه أن التكدس داخل الجهاز الحكومى قل تدريجيًا خاصة أن القطاع الخاص عاد للعمل. هل أسهم تعيين أبناء العاملين بالقطاع الحكومى في زيادة نسبة العاملين بالجهاز؟ بالتأكيد فعندما حدث التكدس في الجهاز الإدارى للحكومة، تم تخفيف بشكل تدريجى في أعداد الموظفين في فترة عام 1984 إلى 1992 عندما خلق القطاع الخاص فرص عمل، وبعد ذلك قلبنا الدفة وأصبحنا نعمل على سياسة اقتصاد السوق بدلا من الاقتصاد المختلط، وهو ما ترتب عليه البيع للقطاع الخاص واتجاه الموظفين إلى المعاش المبكر، كما لم يكن لدى الحكومة تخطيط للصناعات التي تحتاجها أو خطة موضوعة للمشروعات، وأتت في ذلك الوقت صناعات من الخارج مستغلة قوانين الاستثمار وانتشرت الصناعات الغذائية الخفيفة "البيبسى والشيبسى والكوكاكولا" وهى غير منتجة في اقتصاد قوى يقوم على الصناعات الثقيلة، كما لم يتم احتساب واستغلال الحكومة للقوة البشرية التي لديها. هل سينظم قانون الخدمة المدنية عملية التعيينات في الحكومة؟ الحقيقة القانون لن يستطع أن يغير أو يتغلب على المحسوبيات والواسطة إلا في حالة تغيير الضمير الإنساني، فمحاولة الإصلاح الخاصة بقانون الخدمة المدنية لم تكن المرة الأولى، ففى منتصف التسعينيات أوقفت الحكومة التعيين نهائيا وعدم اعتماد أي ميزانية جديدة والسماح بالمعاش المبكر بما أدى إلى ظهور قضية العاملين المؤقتين بنفس الدرجة الوظيفية، وتعيين موظف بصفة مؤقتة بعقد ويتم صرف مرتبه من أي مورد، حتى إحالة موظف للمعاش بنفس الدرجة وكانت النتيجة ظهور آفة أصعب منها وهى الصناديق الخاصة لمواجهة تلك التعيينات من غير ميزانية الدولة لتتجاوز أعداد العاملين المؤقتين مليونا ونصف المليون موظف، وإصلاح المواطنين يحتاج إلى شرح الإجراءات التي تتخذها الحكومة لهم، نحن في أزمة تراكمت منذ عام 1952،. كنت من أول الرافضين للأوضاع العمالية داخل مصر قبل 25 يناير.. هل تغيرت هذه الأوضاع؟ للأسف لا بل ساءت فعندما كنت وزيرا للقوى العاملة كنت كثير النزول للتجمعات العمالية، ومن خلال مناقشتى مع العمال أدركت أن لديهم وعيا بالمشكلات وكيفية وضع حلول لها أكثر من آخرين حاصلين على الدكتوراه، لكن الآن لا أحد يسمع للعمال أو يهتم بمشكلاتهم وهذا ما يتسبب في دعوات الإضراب عن العمل وغيرها. هيكلة الجهاز الإدارى من خلال خطة قانون الخدمة المدنية.. كيف تتم ؟ ما أستطيع تقديمه من نصائح في ذلك الشأن إننا سنجد إن أعداد السائقين والفراشين في أي جهاز كثيرة جدا لأنها وظائف لا تتطلب مهارات خاصة، كما نجد أن المبانى الحكومية في وضع أسوأ من ناحية الكهرباء والسباكة والحوائط، ما الذي يمنع أن نستخدم تلك العمالة الزائدة ونقوم بتدريبها لإصلاح مبانى الدولة فيجب تدريب عدد من الخريجين الذين لم يواكبوا الطفرة التكنولوجية الآن لتقديم نوعية خدمات أكثر أما فيما يتعلق بتحويل بعض الهيئات إلى شركات مملوكة للدولة فيجب أن يتم دراستها دراسة متعمقة وأعتقد أن الدكتور أحمد درويش، رئيس الهيئة الاقتصادية قد أعد دراسة في ذلك الشأن. قدمت قانون الجمعيات الأهلية وحاز على موافقة المجتمع المدنى وتم رفضه بعد ذلك دون أسباب.. تقييمك للقانون الحالى الذي أقر من قبل مجلس الشعب مؤخرا ؟ أكثر المشكلات التي نعانى منها أنه ليس هناك توجهات أساسية أو سياسات لأى حكومة، فمن المفترض أن تظل تلك السياسات موجودة رغم تغيير الوزير، وبمجرد خروجى من الوزارة قاموا بالإطاحة بمشروعى حول قانون الجمعيات الأهلية وأشياء أخرى كثير والفكرة الأساسية التي كانت لدى لقانون الجمعيات الأهلية أن الجهاز الإدارى للدولة في الوقت الحالى أصابه الوهن ولا يستطيع أن يقدم جميع الخدمات اللازمة لجميع المواطنين، خاصة أنه يحتاج خدمات في الصحة والتعليم وأحسن من يكمل هذا هو المجتمع المدنى ويجب أن ينظر إليه، فالحكومة يجب أن تفهم أن المجتمع المدنى ليس عدوا ولكنه مكمل وشريك لها، إذا تم فهم هذا اللغط أعتقد أننا سنكون قادرين على حل جميع التناقضات حول مشاريع القوانين المقدمة. ما تعليقك على الهجوم الذي شنه البرلمان على النائب محمد أنور السادات واتهامه بالعمالة لتعامله مع جهات أجنبية ؟ أثمن مساعى النائب محمد أنور السادات وتحركاته نحو تحسين حالة حقوق الإنسان في مصر، فهو رجل عاقل ولديه تجربة، فنحن في أمس الحالة إلى تحسين صورة مصر أمام العالم. ما حقيقة تورط يوسف بطرس غالى وزير المالية الأسبق في سرقة أموال المعاشات والتأمينات ؟ أموال المعاشات لم تُسرق ولكن أنا رفعت قضية أمام مجلس الدولة عام 2006 لاستردادها، والقصة تعود إلى عام 1981 عندما قررت الحكومة وضع فائض صناديق المعاشات والتأمينات في بنك الاستثمار القومى بفائدة 2 %، وفى عام 1986 ثار العاملون في الدولة لضعف الفائدة، وبناءً عليه اتخذت الحكومة قرارا أن تحدد الفائدة من خلال وزيرى المالية والتضامن بأقل فائدة من السعر التجاري، وفى عام 1990 تم إطلاق نسبة الفائدة شأنها في ذلك شأن باقى قروض البنوك حسب سعر السوق، وفى 2004 فكر يوسف بطرس غالي، وزير المالية الأسبق، في ضم أموال التأمينات إلى الخزانة العامة، وفى هذه الأثناء أخذت وزارة المالية 192 مليار جنيه من صناديق المعاشات والتأمينات، وأصبحت الخزانة العامة تصرف المعاشات للعاملين، ليصبح إجمالى الدين 612 مليار جنيه، في عهد حكومة الدكتور حازم الببلاوى تم الاتفاق مع الدكتور أحمد جلال، وزير المالية، على تشكيل لجنة وبالفعل تشكلت اللجنة وتوصلت إلى مخرجين أولهما، أما أن تعطى الدول أراضى للصناديق وتسدد منها المديونيات، وأما التنازل للتأمينات عن المصانع المشتركة فيها مع الحكومة كلية، ولكن لم تكتمل الخطة نظرًا لاستقالة حكومة الببلاوي.