بما أنني كنت أول من حذر صحفيا وإعلاميا من التمويل الأجنبي السري لمنظمات المجتمع المدني، فأعتقد أنه لن يفهم خطأ طلبي من البرلمان مراجعة قانون الجمعيات الأهلية لمراعاة قدر مناسب من التوافق المجتمعي عليه. أعرف أننا عانينا بشدة من هذا التمويل الأجنبي السري لبعض منظمات المجتمع المدني، لأن هذا التمويل سواء كان أمريكيا أو أوروبيا أو عربيا كانت له أهداف سياسية واضحة ومباشرة، وهو ما يتعارض ويتناقض مع مفهوم العمل الأهلي، ودور المجتمع المدني أساسا حتى في تلك البلاد التي تقدم هذا التمويل الأجنبي السري لبعض جمعياتنا ومنظماتنا، والتي تحاسب على كل سنت تحصل عليه منظمة لديها من الخارج. ولكنني أعرف أيضا أننا في حاجة للعمل الأهلي ولدور منظمات المجتمع المدني في العديد من المجالات، خاصة المجال التنموي وليس الخيري أو الانمائي فقط، وأيضا نحتاجها في المجال الحقوقي والقانوني، بشرط أن يكون تحويلها علنا وفي النور، وليس سرا كما حدث لعدد من هذه المنظمات. وأعرف أيضا أن وزارة التضامن الاجتماعي كانت قد أعدت مشروعا للجمعيات الأهلية بالتعاون مع وزارة العدل دار نقاش واسع حوله مع عدد كبير من الجمعيات الأهلية واتحاد تلك الجمعيات، وأثمر هذا النقاش عن تعديل وتنقيح بعض المواد، وروعي فيه حظر التمويل السري للجمعيات الأهلية، وضرورة موافقة الجهة المشرفة على هذه الجمعيات على أي تمويل أجنبي لأي جمعية أهلية.. وكان مشروع القانون هذا مقبولا من قطاع واسع من الجمعيات الأهلية، وحتى بعض المنظمات الحقوقية.. حتى التحفظات القليلة وعددها (ثلاثة)، لدى بعض العاملين في المجتمع المدني لا تعوق قبولهم هذا المشروع. لذلك أتمنى على نوابنا في البرلمان أن يعيدوا فتح باب المناقشة على مشروع قانون الجمعيات الأهلية الذي أعدوه بعد أن يعيده إليهم مجلس الدولة، ويراعون في هذه المراجعة ملاحظات الحكومة التي ستضمن قدرا أكبر من القبول لهذا القانون في أوساط المجتمع المدني وستتفادي أي اعتراضات عليه، مثل «عرقلة العمل الأهلي بالقانون» أو «مخالفة الدستور الذي يحمي العمل الأهلي»، أو «عسكرة العمل الأهلي» أو «خنق العمل الأهلي» بالتضييق عليه خاصة في التمويل. نعم التشريع هو حق واختصاص أصيل لأعضاء البرلمان.. ولا أحد ينازعهم هذا الحق.. وكما أن الحكومة تتقدم بمشروعات قوانين للبرلمان ليوافق عليها أو يرفضها أو يعدلها فإن نواب البرلمان لهم أن يتقدموا بمشروعات قوانين أيضا وإقرارها.. ولكنني هنا أتحدث عن ضرورة المواءمة السياسية، وأهمية القبول المجتمعي للقوانين التي يقرها البرلمان.. وبتحديد أكثر فإنني أتحدث عن حماية قانون الجمعيات الأهلية الجديد، حتى لا ترتفع أصوات فور إقراره تطالب بتعديله كما حدث مع قانون التظاهر.