120 ل 400 جنيه سعر الكيس في بنوك الدم وقدرة المتبرع على المساومة تحسم الأمر «هات متبرع وادفع وأنت ساكت».. جملة تتردد كثيرًا على ألسنة الممرضين والأطباء بمختلف المستشفيات الجامعية، فكل مستشفى يتمسك بضرورة توريد كيس دم لبنك الدم التابع له قبل إخراج كيس لأى مريض، وتتزايد المعاناة مع فصائل الدم النادرة.. طوابير طويلة ومواطنون يفترشون الأرض أمام جراج مستشفى الدمرداش، حيث منفذ توزيع الدم التابع لكلية طب عين شمس، والذي يعتمد عليه مرضى المستشفى بنسبة 100%، ويحصل المرضى على أكياس الدم طبقًا للشروط المعلنة وهى أن يتبرع أهل المريض بكيس دم مقابل الكيس الذي سيتسلمه أو شراؤه بمبلغ يتراوح ما بين 120 جنيها إلى 250 جنيها على حسب فصيلة الدم التي يحتاجها ومدى توافرها. داخل طرقة المبنى المتهالك، والتي تؤدى إلى غرفة تحتوى على عدد من كراسى متهالكة يجلس المتبرعون عليها، تتعالى صراخ إحدى الأمهات لعدم قدرتها على التبرع بالدم في حين تحتاج ثلاثة أكياس دم لتنقذ ابنها الذي لم يتجاوز السبع سنوات. جلست الأم تروى ل«فيتو» معاناتها التي بدأت منذ ولادة ابنها الأخير، حيث اكتشفت إصابته بمرض نادر في الدم ويحتاج إلى تغيير دم كل فترة، مؤكدة أنها باعت عفش منزلها بأكمله لكى تصرف على علاجه ولكن دون جدوى. «ساعات بتمنى الموت بدل الذل ده، أنا نفسى عزيزة عليا وما أرضاش أمد أيدي لحد بس ابنى بيموت ومش عارفة اتبرعله بدم ولا راضيين يدونى أكياس دم، بتبهدل بيه بين بنوك الدم في الدمرداش وقصر العينى لحد ما أصعب عليهم وأهل الخير يصرفولى أكياس الدم».. بكلمات تحاصرها الدموع واصلت الأم حديثها. في مكتب آخر بالمستشفى، أكدت إحدى الطبيبات ببنك الدم – رفضت ذكر اسمها - أنها تستقبل يوميًا ما يقرب من ألف حالة، ولصعوبة خروج أكياس الدم كلها مرة واحدة يشترط التبرع بكيس دم مقابل الكيس الذي يتسلمه أهل المريض بدون التقيد بنفس الفصيلة، مشيرة إلى أنه هناك أهالي لا يقدرون على التبرع بالدم ويلجئون إلى الجمعية الشرعية التابعة لمسجد النور المجاور لمستشفى الدمرداش للحصول على تبرع بالمبلغ المطلوب لشراء كيس الدم. وأضافت الطبيبة أن بنك الدم لديه نقص شديد في فصيلة «o+»، مؤكدة أنه لم يدخل كيس واحد من تلك الفصيلة بالبنك منذ ما يقرب من ثلاثة أسابيع، لندرتها حيث إنه يأتى إليها كيس واحد بتلك الفصيلة من بين 100 كيس دم، قائلة: «أهل المريض الذي يحتاج لفصيلة نادرة ما يسألش بكام ياخده بالتمن اللى نوفرهوله ولو ما أخدوش غيره هياخده.. بنك الدم السويسرى بيكون بديلنا لو مفيش دم عندنا». لا يختلف الوضع في مستشفى قصر العينى بل ربما تتزايد المأساة، فلا يقتصر الأمر على استغلال بعض العاملين والممرضين وحتى الأطباء حاجة المرضى للدم، بل يزداد الأمر تعقيدًا بوجود عشرات الأشخاص الذين يعرضون على أهالي المرضى التبرع لمرضاهم بمقابل مادى يحدده المتبرع، ويتواجد هؤلاء أمام مبنى بنك الدم ويتوافدون يوميًا للتبرع، وتتعدد أماكن تجمع هؤلاء المتبرعين فبعضهم يتواجد في المقاهى المحيطة بالمستشفى المعروفة ب«مقاهى العيانين»، وبعضهم يتواجد أمام العيادات الخارجية أو في ساحة بنك الدم. أحد العاملين ببنك الدم - رفض ذكر اسمه- أوضح أن المتبرعين الذين يعرضون على المرضى التبرع لهم بمقابل مادى بعضهم يمارسون أعمال النصب على أهالي المرضى، مستغلين حاجتهم للدم لإنقاذ ذويهم، إلا أن مدعى التبرع يتفقون مع ذوى المريض على مبالغ مالية تبدأ من 150 جنيها وحتى 400 جنيه بحسب قدرة مدعى التبرع على المساومة، ويقبضون الثمن مقدمًا، ولكنهم لا يعطون المرضى دمًا بالفعل وإنما يحتالون بأكثر من حيلة للهرب قبل التبرع. وأكد العامل ذاته أنه تم إلقاء القبض على أكثر من شخص من مدعى التبرع بالدم، بعد إبلاغ أهالي المرضى بسرقة هواتفهم المحمولة وأموالهم، لافتًا إلى أن أفضل مكان للحصول على متبرع فعلى بعيدًا عن أعمال النصب هو مسجد قصر العيني، مؤكدًا أن إمام المسجد يساعد الناس، ويطلب من المصلين أن يتبرعوا بالدم لإنقاذ المرضى. مصدر ب«قصر العيني» قال إن أهل المريض الذي يحتاج إلى الدم يكونون كالغريق الذي يتعلق بأى شيء أمامه ولذلك يصبحون فريسة سهلة للمحتالين، أو لمتعاطى المخدرات الذين يلجئون أحيانًا إلى التبرع بدمائهم من أجل الحصول على مقابل مادى لشراء المخدرات، ومثل هذه الدماء يتم تحليلها ورفضها بسبب نسب المخدرات بها، وبالتالى يكون أهل المريض قد خسروا أموالهم دون جدوى. وفى جولة ميدانية داخل بنك الدم بقصر العيني، رصدت «فيتو» العديد من المشاجرات أمام مركز نقل الدم التابع لجامعة القاهرة، واحدة من تلك المشاجرات نشبت بين رجل وامرأة، حيث وجهت السيدة اتهامات للرجل بأنه لص سرق أموالها وطالبته برد النقود التي حصل عليها منها، وقبل تطور الأمر إلى أبعد من ذلك تدخل أفراد الأمن الإدارى وزوار قصر العينى لفض النزاع بين الطرفين. معظم الحالات التي تحتاج إلى تبرع بالدم تتمركز في مبانى الجراحة والنساء والتوليد بقصر العيني، ولا يقبل المستشفى معالجة المريض قبل توفير الدم اللازم، ولذلك يلجأ أهالي المرضى للمتبرعين لاصطحابهم إلى مركز نقل الدم، ويرفض المركز أن يبيع الدماء إلى من يحتاجها، ويطلب منه إحضار متبرع بالدم لكى يتم التدخل لإنقاذ الحالة.. وإذا وجد أهالي المريض أن فصيلة دم المتبرع مختلفة عن فصيلة دم المريض، يحصلون على كيس دم من المتبرع مقابل توفير كيس دم للمريض من الفصيلة التي يحتاجها، ومن جانبه، قال «الدكتور ممدوح مهدى - عميد كلية الطب بجامعة حلوان» إن وحدة خاصة لبنك الدم بمستشفى بدر التابعة لجامعة حلوان، مجهزة على أعلى مستوى ومعمل خاص للتحاليل، موضحًا أن تكلفة الإثنين 5 ملايين جنيه. يتم تنظيم حملات للتبرع داخل الجامعة من خلال عمل بنوك مركزية تابعة لوزارة الصحة وتابعة للجامعات المصرية من خلال تواجد عربات تبرع الدم بالجامعات.