نحن جميعا وبدون شك أو اختلاف نهتم بالأرصدة وتشغلنا قضية «التحويش».. فجميعنا يحرص على أن يكون له رصيد فى البنك أو رصيد فى الموبايل أو رصيد فى الآخرة يساعده على دخول جنة الرضوان.. ولكن السؤال هنا: هل لديك رصيد فى بنك الدم؟ وكم هو رصيدك؟ للأسف التوعية بثقافة التبرع بالدم بدأت تختفى وتتلاشى وأصبح المتبرعون هم أهالى المريض، أما المتبرع الشرفى الذى يمر على عربات التبرع فتتم «شحاته» بمعنى الكلمة حتى يتبرع، الأغلب أدار ظهورهم لعربات التبرع بالدماء فأصبحنا فى عجز على أن يغطى الدماء جميع المصريين بكل الفصائل فنحن 29 مليونا تقريبا و«معندناش دم» وأقصدها فعليا وليس مجازياً فها نحن لا نملك احتياطى دم يكفى، إن حدثت كارثة لا قدر الله.. فلابد من تفعيل حملات مكثفة للتبرع بالدم واعتباره واجبا وطنيا لأنه جزء من التكافل الاجتماعى وهو التبرع عن رضا والوثوق بعربات التبرع التى فقدت متبرعيها بعدما اصابتها الشائعات..
تحدثنا مع مدراء بنوك الدم ليقدموا كشف حساب عن الودائع الدموية التى يحتفظون بها .. وفى المقابل ننقل لكم تجارب إنسانية لحالات بحثت عن أكياس دم فمنهم من تم شفاؤه ومنهم من لم يستطع أن يروى قصته بنفسه فرواها أهله لأنه ذهب إلى الرفيق الأعلى بعدما مات مرتين مرة من شدة الألم ومرة باحثا عن الأمل فى كيس دم!!
∎ التبرع واجب إنسانى
اعتدنا فى الصحافة أن نبحث وراء السطور ونمسك بجميع الخيوط.. لذلك تحدثنا مع مديرة بنك معهد ناصر الذى نوهنا عنه الأسبوع الماضى بأن هناك اتهامات للمسئولين عنه ببيع أكياس الدم للمستشفيات الاستثمارية حتى تفسر لنا ما يحدث فى بنك الدم وكيفية التعامل مع أكياس الدم من خلال حفظها أو بيعها.. الأستاذة الدكتورة سناء عبدالشافى أستاذة التحاليل الطبية وعضو الجمعية العالمية لنقل الدم وعضو الجمعية الأمريكية لبنوك الدم والجمعية المصرية لأمراض الدم والحاصلة على جائزة الدولة التشجيعية فى العلوم الطبية التكنولوجية المتقدمة قالت: التبرع بالدم واجب إنسانى علينا جميعا بمختلف أجناسنا وديانتنا وجميعنا نعى ونفهم أهمية وجود دم فى بنوك الدم ليغذى مرضى المستشفى والمستشفيات الخارجية بشقيها الحكومى والاستثمارى، ومن واجبنا أن نقدم أكياس الدم للمرضى ولا نمنعه عن أحد حتى وإن كانت حالته سيئة ماديا ولا يستطيع شراء كيس الدم نقوم بإعطائه مجانا مادمنا متأكدين من قلة حيلته، فنحن يوميا يدخل فى بنك الدم متوسط من أكياس الدم فصائل مختلفة بين 100 إلى 150 كيس، وبالطبع هذه التبرعات تخضع للعديد من عمليات الفحص المكثفة للتأكد من صحة الدم وخلوه من الفيروسات، خاصة أن ثلث الشعب مصاب بفيروسات سى وبى ومعرفة نوع فصيلة الدم الخاصة بالمتبرع وبالطبع كل هذه الفحوصات ثمنها مرتفع ولابد من تحقيقها وفعلها للتأكد من سلامة الدم حتى لا يموت أحد بسبب دم فاسد أو فصيلة مختلفة ترفضه جسمه.
أما بالنسبة للجزء المالى المختص ببنك الدم فمن يأتى إلينا من مستشفى حكومى ويحتاج إلى كيس دم يتم الصرف له مجانا لأنه يحضر من مستشفى حكومى ويملك استمارة الصرف بنوع الفصيلة فداخل المستشفى يتم صرف كيس الدم ب 741 جنيها وفى الخارج 180 جنيها للمستشفيات الاستثمارية.. أما بيننا وبين المستشفيات الحكومية فنتعامل باستمارة 111 وهى استمارة صرف كيس الدم.. وما يرفع من ثمن كيس الدم هى التحاليل التى تحدث لكيس الدم لمعرفة نوع الفصيلة والتأكد من خلوه من الفيروسات أو العدوى وهناك نسبة إهلاك أجهزة وكهرباء ومياه وأجرة العاملين، لذلك كيس الدم يكون سعره مرتفعا فيصرف على كيس الدم ما يعادل 310 جنيهات.. ف «إربة الدم» تكلفتها وحدها 22 جنيها بعد الدخول فى مناقصات حكومية... وأعتقد أن كيس الدم يرتفع سعره فى المستشفيات الاستثمارية ليس استغلالا للموقف وإنما تصورى أنه يتم عمل فحوصات لكيس الدم الذى نبيعه حتى يتأكدوا من سلامته فالمسألة خطيرة والكل أصبح يشك فى أصابع يده وبالطبع يرفع ثمن الفحوصات على سعر كيس الدم.
∎ احتياطى الدم أما إذا تحدثنا عن احتياطى أكياس الدم فخلال مدة صلاحيته يحتوى البنك من 1000 إلى1500 كيس وهى التى تساعدنا فى تخطى أى كارثة تحدث مثل حوادث القطارات، أما يوميا فيدخل إلى البنك من 100 إلى 150 كيسا، أما نسبة الاحتياج أو سحب أكياس الدم من البنك فمتغيرة وفقا لحالات الطوارئ والحوادث أو العمليات أن استقرت حالة المريض بعد العملية أو حدثت مضاعفات جعلته ينزف، فهناك حالات نزيف يحتاج فيها المريض إلى 03 كيس دم ولكن أقل يوم نسحب فيه من بنك الدم يكون حوالى 07 كيسا.. ونسبة الدم المعدم أو المهدر من 10 ٪ وتصل إلى 21٪ بسبب وجود فيروسات أو عدوى فى الدم.. وبالطبع لأننا فى المعهد لا نملك عربات للتبرع بالدم، فالمتبرعون الشرفيون يأتون إلينا بالصدفة إن كانوا من جمعيات مثل رسالة أو طلبة جامعات وتكن لفتة لطيفة منهم للتبرع وهذا ما حدث لى الأسبوع الماضى.
ولأننا نتحدث عن بنك الدم فلابد أن نتحدث عن المتبرعين الذين اختفوا بسبب الشائعات التى ضربت بنوك الدم فى مقتل وهى شائعات مميتة لأن إذا قل تواجد المتبرعين والدماء يعنى هذا بداية النهاية ومن ضمن هذه الشائعات التى تخرج على أن بنوك الدم تتاجر بدماء المصريين.. مثلما قيل على معهد ناصر فنحن أطباء وجميعنا مصريون لسنا إسرائيليين حتى نقوم ببيع الدم لمريض وحرمان آخر فجميعنا مسئول وكلنا سنحاسب فى الدنيا والآخرة على هذه المسئولية.. وعلى الرغم من وجود هدايا عينية تحفيزية مثل «كاب، مج أو تيشيرت» يكتب عليها خدمة نقل الدم إلا أن المتبرعين يقل عددهم يوميا، فثقافة تبرع الدم وتوعية الشعب المصرى قليلة جدا وناقصة، على الرغم من أن المتبرع تقوى مناعته وتنشط خلاياه ويتجدد دمه إلا أننا مازلنا تحت مستوى خط تغطية الدماء لكل المصريين.. ولذلك أود وضع آليات جديدة لزيادة عدد المتبرعين وهو انفراد «لمجلة صباح الخير» بأن يتم التبرع إجباريا عند تجديد البطاقة أو الرخصة أو عند دفع مصاريف الجامعة سنويا أو التبرع كجزء من الضرائب وهذه طرق مثلى للحصول على مخزون للدم، فللأسف الدم مدة صلاحيته بين 03 إلى 53 يوما فدائما نحن بحاجة إلى مخزون وتجديد يحل محل الإحلال.
∎ الدم عمره قصير!! اتجهنا بالحديث إلى دكتورة عفاف أحمد مدير المركز القومى لنقل الدم فقالت: الدم ليس سلعة معمرة وعمره قصير لا يتجاوز 53 يوما فلا يعتبر مخزونا استراتيجيا طويل المدى وإنما لابد من تجديده دائما واستخدام واستغلال الفصائل الأقل عمرا قبل الجديدة وإنما يتم تحديد المخزون على مستوى أسبوع وفقا لمعدل صرف البنك يوميا فيتم وضع كمية معينة فى عين الاعتبار لتغذية أسبوع مثلا ذلك يتوقف حسب 3 محاور الأول إن كان المستشفى فى مكان حيوى أو كان المستشفى به أقسام مختلفة تحتاج إلى نقل الدم أو كان المستشفى وحيداً فى المنطقة ولا يوجد مستشفى مجاور له فعليه تحدد كمية مخزونه على حسب كمية سحبها من بنك الدم.. فنحن مثلا فى مركز نقل الدم الصرف عندنا عالٍ جداً ولكن لنا أولويات نهتم بها أولها المستشفيات الحكومية التابعة لنا والحالات الطارئة الناجمة عن الحوادث والحالات «المستعجلة» التى لا ينفع تأجيل عملياتها هذه هى الأولويات التى تحدد لنا صرف أكياس الدم، فمثلا إذا حضر مريض بحاجة إلى فصيلة دم نادرة أو عادية وأراد أكياس دم أقوم بصرف كيسين وأطلب منه الحضور فى اليوم الثانى لصرف كيسين آخرين حتى أحافظ على مخزونى احتسابا لأى كارثة نكون فى وضع الاستعداد، أما إذا تحدثنا على مستوى مصر بالطبع البنك لا يوجد به ما يكفى كل المصريين، لذلك يحدث العجز أحيانا ليس تقصيرا منا أو إهمالاً وإنما لعدم وجود فصائل بعينها أو لقلة المخزون فى بنوك الدم... ففى الأيام العادية حجم دخول أكياس الدم إلى البنك تبدأ من 051 إلى 002 وفى يومى الخميس والجمعة من 06 كيسا إلى 89 كيسا تقريبا وحجم السحب من البنك يوميا تقريبا لأنه ليس ثابتا فى متوسط 021 كيسا.
ولأننا ننتقى المتبرع فنسبة الدم المهدر أو المعدوم قليلة جدا فهى ما بين 4٪-5,4٪ وذلك لأننا ننتقى المتبرعين بعناية ونستبعد كل الشباب الذى يخبرنا أو يكتب فى الاستمارة أنه تعاطى ترامادول أو مواد مخدرة، أما هذه النسبة التى ذكرتها فتعدم بسبب وجود فيروس كالإيدز أو الفيروسات الكبدية أو الزهرى.أما من يتحدثون على وجود كوبون أو إيصال تحفيزى حتى إذا واجه المتبرع أو أسرته حالة طارئة وهم بحاجة إلى الدم فيقدمون كوبون المتبرع لأخذ الكيس مجانا فلا يوجد صحة لهذا الكلام ولم يحدث من قبل لأنه مبدأ مرفوض، فالمتبرع مثله مثل المتصدق فلا يجوز إعطاء صدقة وكتابة إيصال لأخذها إذا مر المتصدق بظروف صعبة؟ فالمتبرع هنا ارتضى أن يتبرع بدون مقابل وهو جزء من التكافل الاجتماعى والمتبرع عندها لابد أن يعلم يقينا أن هناك من سيتبرع له أن احتاج إلى الدم.
أما بالنسبة إلى الأطفال أو الشباب الذين يقومون ببيع دمهم بمقابل مادى هو مرفوض وزير الصحة بالقرار الوزارى الصادر سنة 4991 والذى نص على إعطاء المتبرع مقابل مادى لا يتعدى 01 جنيهات وعندها تم الإمساك بأكثر من حاله كانت تتبرع يوميا أو مرتين فى اليوم لعربات مختلفة للكسب المادى فيقومون ببيع دمائهم وبالطبع كثرة التبرع مضر لأن مكونات الدم تبدأ بالانخفاض وعندها يقدم المتبرع مياهاً بلون أحمر ويصاب هو بالشحوب لذلك تم إلغاء التحفيز المالى لأنه بيع لدماء المواطنين ومن يفعل ذلك من الطرفين البائع والطبيب فهذا هو الإتجار بالدم.
∎ رحلة البحث الأليم
وبالطبع فى ظل تناقص مخزون الدم وفى ظل الكوارث المتوالية التى تسحب من بنوك الدم العديد من الأكياس التقينا بمن عانوا فى رحلة البحث عن فصيلة مناسبة من الدم منهم من نجا فى نهاية الرحلة ومنهم من كان نهايته... فقال أحمد: والدى بهنسى أحمد بركة توفاه الله بسبب حادث سيارة وحدوث نزيف داخلى وفى مستشفى دار الفؤاد لم يكن لديهم أكياس دم وللأسف لم أستطع الوقوف بجوار والدى رحمه الله حتى ألقنه الشهادة بسبب البحث عن أكياس دم ومتبرعين... أنا أسف ولكن للأسف لا يوجد فى مصر صحة أو علاج أو دم وحتى تتأكدوا بأنفسكم كلموا أرقام طوارئ وزارة الصحة أو العناية المركزة واطلبوا مثلا أكياس دم أو توفير غرف عناية مركزة وستجدون ما لا يسركم وهى الحقيقة والواقع الذى لا يعلمه إلا من مر بهذه التجربة الأليمة.. أما تجربة هيثم عزمى فكانت كالآتى: والدى فى مستشفى قصر العينى ويحتاج إلى عملية فورا لبتر فى الساق اليمنى التى تعلو الركبة وبعد دخوله العمليات اكتشف الأطباء عدم وجود دم كاف فى ثلاجة المستشفى وكانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وفصيلة الدم كانت A+ .
ذهبنا إلى جميع المستشفيات لشراء 4 أكياس لم نجد سوى كيسين فى مستشفى اللقاح ثمن الكيس الواحد003 جنيه لأن الفصيلة نادرة وكانت هذه الرحلة الأليمة فى مستشفيات القاهرة للبحث عن أكياس الدم التى تعدت الساعة ونصف ذهبت إلى المستشفى ومعى الكيسين وظل أخى يبحث عن دم فى باقى المستشفيات أعطيت الكيسين إلى الطبيب الجراح وقال لى الحمد لله إنك قد أحضرت الدم فى هذا الوقت.وأخبرته أن فصيلتى من نفس النوع ولكنه قال: مش هينفع لأن الدم يجب اختباره قبل نقله ولا توجد فى هذا الوقت إمكانية لأخذ الدم منك قلت له خذ الدم منى كما تريد فى أضيق الظروف لو احتاج أبى إلى دم قال سأفعل أن ضاقت بنا الحال.
وبالفعل تم نقل الدم منى إلى أبى دون تحليل وتم إنقاذه من الموت ومازال مريضا فأدعو له ولجميع المسلمين بالشفاء.. أما حامد أبوالخاطر من طنطا فلم يجد أكياس دم عندهم فانتقل بزوجته وهى على وشك الولادة وما أن استقر عند أخته فى القاهرة يوما فأوشكت زوجته على وضع المولود فذهب بها إلى مستشفى الجلاء التى صدمته بحدوث مضاعفات لزوجته بعد الولادة وإصابتها بنزيف حاد وحاجتها لكيسين دم فصيلة نادرة - ٓ وحكى رحلته قائلا: ذهبت إلى كل الأماكن إلى معهد ناصر وإلى مركز نقل الدم بالمصل واللقاح ولكن دون جدوى ولم نحصل سوى على كيس بعد الإذلال واستغلال الموقف وشراء الكيس ب 072 جنيهاً حتى أنقذ زوجتى التى بين الحياة والموت وعرضت عليهم أن يقوموا بإعطائى كيساً آخر مقابل أن أحضر لهم 4 متبرعين وعندها وافقوا بأن أحضر المتبرعين لأخذ كيس ثانٍ فيما عدا ذلك ستموت زوجتى!!
للأسف غياب الضمير ودخول الفلوس فى كل شىء أفسد قلوب الناس وجعل من كل شىء حولهم بيزنس ومن كل شىء أمامهم مصدر للدخل.. وياليت «الدم يبقى ميه» هيكون أرخص كتير وأسهل للمرضى.