البلطجية يفرضون سيطرتهم بمباركة رجال الشرطة الصيادون يصرخون بالإجماع: احمينا يا مرسى من لا يدرك ماضيه يفقد حاضره، فتش عن الماضي تجد عبق التاريخ يطل عبر نوافذ بحيرة المنزلة الواقعة علي الحدود الشمالية الشرقية لمحافظة الدقهلية، البحيرة لم يكن لها ذكر في القرن السادس بعد الميلاد, حيث كانت ارضا زراعية من اجود الاراضي الزراعية في مصر يسكنها الانسان وتعيش فيها الحيوانات الأليفة والمستأنسة والكاسرة و شاءت ارادة الله فى أواخر القرن قبل الماضي ان تتغير معالمها فأصابها بزلزال مدمر لتتفجر منه بحيرة المنزلة وتطوى فى أعماقها حقبات من تاريخ مصر. "فيتو" ذهبت في مغامرة للتعرف عن قرب على تاريخ البحيرة ومشاكل الصيادين بها وتعرضهم للقرصنة والبلطجة من جانب الخارجين علي القانون الذين يسكنون البحيرة, ناهيك عن تعدياتهم علي البحيرة عن طريق ردمها وزراعتها, وأثناء جولتنا رأينا كيف ينقلون مواشيهم عبر سفن مخصصة لذلك بالاضافة الي مواد البناء، حيث أنشأ المتعدون منازل لهم داخل الجزر التي تتوسط البحيرة ليراقبوا عن كثب مراعي مواشيهم، وهو ما يتسبب في غضب الصيادين الذين لم يعد لديهم مكان يصطادون فيه. علي ظهر المراكب تري عشرات الرجال الذين تشققت أياديهم لما يلاقونه من عناء الصيد ليقابلهم البلطجية فيحصلون علي حصيلة يومهم . بدأنا المغامرة وسط حراسة مراكب الصيادين لنا بالسلاح خوفا من تعرضنا لأي اذي من البلطجية، الذين راحوا يتصلون ببعضهم البعض بعد رؤيتهم لنا ونحن نقوم بتصوير التعديات من جانبهم علي البحيرة، وهو ما كان يزيد الاجواء اضطرابا. وما إن وصلنا الي ضريح الصحابى عبدالله ابن سلام بتل يتوسط البحيرة ويحمل اسمه، حتي بدأنا نستشعر خطرا ما بعد ان دخلنا فى «عش الدبابير», وما ان قمنا بتصوير الضريح والتعديات التي قام بها البلطجية بجواره وكذلك في البحيرة، حتى عرف البلطجية ما فعلناه, وبدأوا في الظهور واحدا تلو الآخر لكن الصيادين كانوا قد فطنوا لحدوث ذلك، وهو ما يفسر ملازمة لانش لنا على متنه شخصان يحملان السلاح ويشهرانه علانية خوفا من تعرضنا للأذى. محمد العاصي أحد الصيادين الذين قابلونا في وسط البحيرة عائدا من رحلة صيد هو وعدد من الصيادين. قال لنا: إن اخطر واكبر عصابة فى البحيرة هى «عصابة الدكش» الموجودة فى منطقة الجرابعة, مضيفا ان تلك العصابات تكونت عقب الثورة بعد هروب المساجين وانتشار البلطجية, حيث لم يجد الخارجون مكانا آمنا لهم اكثر من البحيرة للاختباء فيه, وتعرف السجناء الهاربون على البلطجية المستحوذين على البحيرة و تبادلوا معهم السلاح ونظموا عصابات معهم وزادوا من مساحات التعديات وبنوا منازل ليعيشوا فيها واستقلوا بحياتهم وأصبحت البحيرة تحتوى على ذخائر من مدافع وآر بى جى ورشاشات. ويكمل الصياد انه لم يعد ينقصهم سوى الطيارات والدبابات التي بإمكانهم شراءها, ولكن لكبر احجامها لا يشترونها حتى لا ينكشف امرهم مؤكدا انهم يستغلون البحر المتوسط لتهريب الاسلحة, قائلا: إن نقطة الحدود الفاصلة بين البحيرة والبحر المتوسط سهلة الاختراق ومن خلال محركاتهم الآلية التى تصل ل 115 حصانا لا يستطيع احد اللحاق بهم, و يقومون بنقل اسلحتهم داخل المحافظات والمدن وانشأوا مدارس تعليم البلطجة والسرقة ومصانع تسليح محلى داخل البحيرة و منازل لهم بالبحيرة محاطة بالغاب والارض الزراعية والمزارع ولا يعرف طريق الوصول اليها سواهم وكأنها غابات وادغال كما أنشأوا طرق ترابية داخل البحيرة يمكن للسيارات ان تسير عليها. داخل البحيرة يتواجد العديد من الصيادين الغلابة الذين لا يملكون حتي مراكب يصطادون بها, ويعملون كأجرية علي مراكب الصيد بيومية لا تتعدي ال 20 جنيها في اليوم، تقابلنا مع احدهم علي متن مركب في البحيرة اسمه «الغارب العايدي» الذي يتساءل: هل ذنبى انى غلبان اخرج من اجل 10 جنيهات لأولادى ولا اجدها فأعود ميتا على يد العصابات وليس معى ما أدافع به عن نفسى سوى مجموعة عصى من اجل التجديف والمنطقة الاكثر امانا هى «الجميل» ولكن المسطحات تمنعنا من الصيد فيها بحجة انها محمية طبيعية وتأتى شرطة المسطحات وتأخذ الصيادين وتصادر امتعتهم وفى كل الحالات الصياد فريسة للبلطجية والعصابات والحكومة والمسطحات . فيما طالب الجرايحي الساهي, احد الصيادين بالبحيرة بضرورة ان تقوم القوات المسلحة بالقضاء علي البلطجية وتطهير البواغيز، وفتحها وادخال المياه المالحة لها للقضاء علي الحشائش والتعديات وانشاء مصنعين على البحيرة احدهما للورق وآخر للطوب من منتجات البحيرة من غاب وطين وبذلك تحل كل المشاكل, قائلا: «لكن لا احد يسمعنا وحياتنا معرضة للخطر بسبب التسيب والاهمال» . «البحيرة اصبحت مستعمرة بعد احتلال العصابات والبلطجية لها الذين يقطون ارزاق الصيادين ويفرضون عليهم اتاوات ويستبيحون دماء الصيادين في غياب تام للأمن ودولة القانون», بتلك الكلمات المعبرة انهى الجرايحى حديثه معنا . محمد فتحي الهجرسي, صاحب اللانش الذي تطوع للقيام بهذه المغامرة معنا, قال: إن الصيادين يتعرضون للارهاب من جانب البلطجية ولمشاكل صحية, منها اصابتهم بالفشل الكلوي بسبب الصرف الصحي الذي يلقي في البحيرة من خلال بحر البقر ومصانع بورسعيد, مشيرا الي ان العديد من انواع الاسماك اندثرت بفعل هذه التعديات مثل انواع « اسماك لودر وجايس وحنجان وبوري والسمك الموس «, مطالبا بإصدار تراخيص للصيد بالبحر الابيض المتوسط اسوة بالمحافظات الاخري « مثل بورسعيد ودمياط ». كانت الأجواء بدأت تتوتر بعدما عرف كل البلطجية بالبحيرة عن امرنا وعن التحقيق الصحفي الذي نجريه لنبرز التعديات علي البحيرة وتوثيق ما يتعرض له الصيادون من بلطجة وسطو علي مراكبهم, فلا يمر يوم الا وتتم سرقة ثلاثة مراكب تكلفة الواحد منها تتراوح اثمانها ما بين 25 الفا و50 الف جنيه، وعندما يذهبون لتحرير محضر ضدهم يتنصل منهم رجال الشرطة ويتهربون منهم. واستشعر الصيادون الخطر الذى يحدق بنا فاتخذنا القرار بالعودة واستدار اللانش بأقصي سرعة وبدأنا في خط العودة تحت حماية السلاح مسرعين . بعض الصيادين الذين كانوا يقابلوننا كانوا يرفضون التصوير وإبلاغنا عن اسمائهم خوفا من بطش البلطجية وخوفا من غضبهم . الغريب والكارثي والمثيرهو ان مركز شرطة المطرية يقف موقف المتفرج على الاحداث دون ان يتدخل بها لنصرة المظلوم, وتحدث البعض عن دفع رشاوي من قبل البلطجية لرجال الشرطة حتي يتركونهم يمارسون البلطجة وإلا قتلوهم، وهو ما يؤكد غياب دولة الأمن والقانون في عهد الرئيس محمد مرسي. سامي غبن, المحامي والمتحدث الرسمي باسم الصيادين قال: إن البحيرة كانت مساحتها 750 ألف فدان, و الآن وبعد الانفلات الامنى اصبحت 100الف فدان بفضل التعديات واستحواذ البلطجية على البحيرة, بالاضافة للمشاكل التى تواجه البحيرة من تلوث بسبب مصرف «حدوث «وبحر البقر اكبر مصارف مصر, حيث يبلغ طوله 200 كيلو متر ويقوم بالصرف الصناعى والزراعى والصحى داخل بحيرة المنزلة وهو ما يتسبب فى اصابة الصيادين بالفشل الكلوى والبلهارسيا ولذلك نطالب بتحويل مصرف بحر البقر الى سيناء، وتطهير البواغيز لإدخال المياه المالحة إلى البحيرة لتطهيرها.