فى كفر الشيخ ولد... «حكواتى» الناس الرائع خيري شلبي ، و«صاحب القلم الرحيم»..عبدالوهاب مطاوع، وشاعر «الرومانسية والوطن»..فاروق جويدة، لينسجوا معا خيوط الإنسانية التى تمس المواطن، وتعبر عنه وتغنى لأجله، ولكل منهم بصماته الفريدة .. «أُنس الحبايب» ..هذا هو اسم الكتاب الذى سجل فيه الأديب الراحل خيري شلبي حياته، وهو أصدق تعبير لحياة رجل عاش 73 عاما – ولد 31 يناير 1938- مع الناس، وبينهم يتحدث بلسانهم فهو من قال: ما أنا إلا حكواتي سريح، اشتري الحكايات من منابتها، أجوب وراءها الأسواق والشوارع والحارات والمنعطفات، ناهيك عن القري والعزب والكفور، مهما كلفني السعي وراءها من بذل ومشقة وعناء، غير أنني لست أبيعها مطلقا، إنما أنا مولع بأسماء أصحابها وبأصواتهم، ليس افتتانا بهذه الألوان المختلفة من طرائق السرد الشعبي الساحر في تلقائيته غير المحتاجة إلي وسيط من لغة خارجية، وإنما إلي ذلك لأنهم أخبر مني بمكامن نفوسهم ومواطن أوجاعهم. لذا فهو من أوائل من كتبوا ما يسمى الآن ب «الواقعية السحرية»، ففى أدبه الروائى تتشخص المادة وتتحول إلى كائنات حية تعيش وتخضع لتغييرات وتؤثر وتتأثر، وتتحدث الأطيار والأشجار والحيوانات وكل ما يدب على الأرض، حيث يصل الواقع إلى مستوى الأسطورة، وتنزل الأسطورة إلى مستوى الواقع، ولكن القارئ يصدق مايقرأ ويتفاعل معه. على سبيل المثال روايته «السنيورة» وروايته «بغلة العرش» يصل الواقع فيهما إلى تخوم الأسطورة، وتصل الأسطورةإلى التحقق الواقعى الصرف، أما روايته «الشطار» فإنها غير مسبوقة , لأن الرواية التى تنشر فى خمسمائة صفحة يرويها كلب، يتعرف القارئ على شخصيته ويعايشه ويتابع رحلته الدرامية بشغف. وهو رائد الفانتازيا التاريخية في الرواية العربية المعاصرة، وتعد روايته «رحلات الطرشجى الحلوجى» عملا فريدا. و«شلبي» كانت مواهبه متنوعة، وبصماته على الكتابة كثيرة فى كل المجالات التى عمل بها، ففي فترة السبعينيات من القرن الماضى كان باحثا مسرحيا، اكتشف من خلال البحث الدءوب أكثر من مائتى مسرحية مطبوعة في القرن التاسع عشر، وأواسط القرن العشرين، بعضها تم تمثيله على المسرح بفرق شهيرة، وقد نشر أسماء الفرق والممثلين، وبعضها الآخر يدخل في أدب المسرح العصىّ على التنفيذ، وقد أدهشه أن هذه المسرحيات المكتشفة لم يرد لها ذكر في جميع الدراسات التاريخية والنقدية التي عنيت بالتاريخ للمسرح المصري، ومعظمها غير مدرج في «ريبروتوار» الفرقة التي مثلتها، وبعضها الآخر انقرضت الجوقات التي مثلتها. ومن ضمن هذه المجموعة من النصوص نص مسرحي من تأليف الزعيم الوطني مصطفى كامل بعنوان: «فتح الأندلس» , وقام بتحقيقه ونشره في كتاب مستقل بنفس العنوان صدر عن هيئة الكتاب في سبعينيات القرن الماضى، ومسرحية من تأليف الشيخ أمين الخولى. وفى سبتمبر 2011 رحل عن دنيانا الأديب الرائع خيري شلبي، بعد مشوار من العطاء حصل فيه على عدد من الجوائز, منها جائزة الدولة التشجيعية فى الاداب، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وجائزة أفضل رواية عربية عن رواية «وكالة عطية»، والجائزة الأولى لإتحاد الكتاب للتفوق, وجائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأمريكية , وعدد من الجوائز الأخري. عبدالوهاب مطاوع كانت كلماته تداوى القلوب..تعزف على أوتار المشاعر..تضمد الجراح..لم يذهب إليه سائل أو حائر وطرق بابه إلا ووجد الجواب عنده، لقب ب«صاحب القلم الرحيم»، أسعد ملايين القلوب وأدخل على قلوبهم البهجة, ليس بالمال وحده، ولكن بكلماته العذبة، إنه الكاتب الرائع عبدالوهاب مطاوع الذى ولد فى 11 نوفمبر عام 1940 . وكان باب «بريد الجمعة» الذى أشرف عليه لما يزيد على ربع قرن هو ملتقى الأحبة ..يشكون له أوجاعه، ويناقشونه فى مشكلاته، وهو ما جعله يحصل على جائزة أحسن صحفي يكتب فى الموضوعات الاجتماعية والإنسانية. تخرج «مطاوع « في قسم الصحافة بكلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1961، ثم التحق كمحرر صحفي بقسم التحقيقات بصحيفة الأهرام، وترقى حتى أصبح سكرتير التحرير عام 1982 ثم نائبا لرئيس التحرير عام 1984، ثم رئيسا لتحرير مجلة الشباب التي تصدرها جريدة الأهرام، ومديرا للتحرير والديسك المركزي بالجريدة. ألف فى مشواره الأدبي 27 كتابا، معظمها رسائل «بريد الأهرام»، والتى تصنف على أنها لون من ألوان «أدب الرسائل». وله إسهامات ملحوظة في أدب الرحلات، ومن أهم كتبه في هذا الباب سائح في دنيا الله «حول العالم في 30 سنة», وكتاب «قدمت أعذاري» و»يوميات طالب بعثة». وفى صباح الجمعة 6 أغسطس 2004 ذهب محبوه لقراءة عدد الجمعة للأهرام ليعلموا بخبر وفاة معشوقهم الأول «عبدالوهاب مطاوع» . فاروق جويدة أثرى الشعر العربي بكثير من القصائد الرائعة ما بين القصيدة الوطنية الثائرة وقصيدة الحب الحالم، فمن العزف على أنغام الرومانسية فى قصيدته الشهيرة «فى عينيك عنوانى», التى يقول فيها: « قالت : حبيبى..سوف تنسانى..وتنسي أننى يوما..وهبتك نبض وجدانى..وتعشق موجة أخرى..وتهجر دفء شطانى..وتجلس مثلما كنا..لتسمع بعض ألحانى» نراه يطير على غصن أخر وهو شعرغزل من نوع اخر فى حب مصر، مستخدما شعره فى وجه ظلم وبطش النظام السابق, فقال فى رائعة « هذه البلاد لم تعد كبلادى» التى أبكت الشعب حين القاها للمرة الأولى : وحبه للوطن كان سببا فى استقالته من منصب مستشار الرئيس محمد مرسي بعد إصداره إعلانه غير الدستوري , الذي أثار غضب كل القوى السياسية والشارع المصري. و«جويدة» من الكتاب الصحفيين الذين تعود المصريون على إطلالتهم دائما من خلال مقالته اليومية بجريدة الأهرام، تحت عنوان «هوامش حرة» , التي يصاحبها أحد قصائده الرائعة، ومثل مصر في اليوم العالمي للشعر بباريس عام 1999، وهو عضو مؤسس في الأكاديمية العالمية للشعر التي أنشأتها منظمة اليونسكو عام 2001 بمدينة فيرونا الإيطالية ضمن 15 شاعراً تم اختيارهم على مستوى العالم.