عبدالرحيم علي يهنئ اللواء زكي سلام بتجديد الثقة رئيسًا لحي العجوزة    وزير قطاع الأعمال يبحث مع نقيب أطباء الأسنان آليات تأمين احتياجات السوق من بنج الأسنان والمستلزمات الطبية    مصدر مسئول للقاهرة الإخبارية يؤكد استمرار سريان وقف إطلاق النار في غزة    صلاح خارج قائمة ليفربول لمواجهة كريستال بالاس    فرنسا والمكسيك تصعدان لدور الثمانية بكأس العالم للناشئات تحت 17 سنة    الداخلية تنفي تولي جهات أمنية طرق ومحاور بالتزامن مع افتتاح المتحف المصري الكبير    مدير الترميم بالمتحف الكبير: المشروع يعزز مكانة مصر على خريطة السياحة العالمية    أكاديمية الفنون تحقق إنجازًا جديدًا في ملف الجودة    اختيار عميد طب قصر العيني ضمن تشكيل اللجنة العليا للمسئولية الطبية    ضباب وأمطار.. حالة الطقس غدًا الخميس 30-10-2025 في السعودية    روسيا تعرب عن قلقها إزاء انتهاكات حقوق الإنسان في الفاشر بالسودان    رئيس جامعة القاهرة يهنئ أساتذتها بقرار رئيس الوزراء باللجنة العليا للمسئولية الطبية    وزير العمل: الدولة لا تتهاون في تطبيق الحد الأدنى للأجور وحماية الطرفين داخل منظومة العمل    اختتام دورة تدريبية بمركز بحوث الصحراء بمطروح حول الإدارة المستدامة للمياه والتربة بمشاركة دولية    ليلى علوي تتصدر فعاليات مهرجان الرباط.. ندوات ومؤتمرات تحتفي بالفن والإبداع    هل يجوز للزوجة التصدق من مال البيت دون علم زوجها؟.. أمين الفتوى يجيب    وزير خارجية الصين: مستعدون لتعزيز التعاون مع الجزائر    السفير الفرنسي بالقاهرة يثمن جهود مصر في وقف إطلاق النار بقطاع غزة    كيف أتخلص من التفكير الزائد قبل النوم؟.. أستاذ طب نفسي يُجيب    «الصحة» تعلن تحقيق إنجازات نوعية في تنفيذ توصية «تمكين المرأة» قبل انطلاق مؤتمر PHDC'25    افتتاح قصر ثقافة الطفل بسوهاج    وزير خارجية إستونيا: بوتين يختبر الناتو ولا نتوقع اجتياح ليتوانيا    الإمام الأكبر يخاطب المفكرين والقادة الدينيين فى مؤتمر السلام العالمى بروما    مجلس الزمالك.. لقد نفد رصيدكم!    الإسكندرية تستعد ب22 شاشة عملاقة لنقل احتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير    الشيخ خالد الجندي: الغني الحقيقي هو من يملك الرضا لا المال    وزيرة الخارجية الفلسطينية: الحراك الشعبي في إيطاليا لدعم فلسطين لم يأتِ من فراغ    مؤتمر إقليمى لتفعيل مبادرة تمكين بجامعة العريش    سقوط نصاب الشهادات المزيفة في القاهرة بعد الإيقاع بعشرات الضحايا    رئيس الوزراء القطري: نحاول الضغط على حماس للإقرار بضرورة نزع سلاحها    باسل عادل: المتحف المصرى الكبير نقطة تحول حضارية فى مسار الوعى الوطنى    شاشات بميادين كفر الشيخ لنقل حفل افتتاح المتحف المصري الكبير    عبد الحفيظ: تعاقد الأهلي مع محمد صلاح؟ فكرة بعيدة غير واقعية    آرسنال يخطط للتجديد مع ساكا ليصبح الأعلى أجرًا في تاريخ النادي    خلال ساعات.. موعد إلغاء التوقيت الصيفي 2025 في مصر وتأخير الساعة 60 دقيقة    لصالح ريال مدريد.. رفض الطعون المقدمة ضد دوري السوبر    انطلاق الاختبارات التمهيدية للمرشحين من الخارج في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    مصر تشارك في اجتماع مصايد الأسماك والاستزراع المائي بالاتحاد الإفريقي في أديس أبابا    محافظ الدقهلية يتابع من مركز سيطرة الشبكة الوطنية محاكاة التعامل مع مياه الأمطار وحركة المواقف ومستوى النظافة    هل يدخل فيلم فيها إيه يعنى بطولة ماجد الكدوانى نادى المائة مليون؟    محافظ شمال سيناء يستقبل عدداً من مواطني إزالات ميناء العريش    انتشال جثة شاب لقى مصرعه غرقا في بحر شبين بالمحلة    بعد تداول فيديو.. القبض على متهم بسرقة هاتف فتاة في الإسماعيلية    كليتى العلوم وتكنولوجيا التعليم ببنى سويف يحصلان على جائزة مصر للتميز الحكومى    المحكمة تقضي بعدم الاختصاص في قضية علياء قمرون    مصرع طفلة صدمتها سيارة أثناء عودتها من الحضانة فى البدرشين    حبس المتهم بقتل شاب بسبب معاكسة الفتيات ببنها في القليوبية    "أتوبيس الفن الجميل" يصطحب الأطفال في جولة تثقيفية داخل متحف جاير أندرسون    بينها «طبق الإخلاص» و«حلوى صانع السلام» مزينة بالذهب.. ماذا تناول ترامب في كوريا الجنوبية؟    "ADI Finance" توقع اتفاقية تمويل إسلامي بين البنك الأهلي لدعم أنشطة التأجير والتمويل العقاري    أسقفا الكنيسة الأنجليكانية يزوران قبرص لتعزيز التعاون الإنساني والحوار بين الكنائس    كيف تُعلّمين طفلك التعبير عن مشاعره بالكلمات؟    الدكتور أحمد نعينع يكتفى بكلمتين للرد على أزمة الخطأين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-10-2025 في محافظة الأقصر    كونسيساو يُكرّس «عقدة» الإقصائيات أمام جيسوس    مصر تتسلم رئاسة المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية «الإنتوساي» ل3 سنوات (تفاصيل)    الخارجية تشكر الرئيس السيسى على ضم شهدائها للمستفيدين من صندوق تكريم الشهداء    الكشف عن حكام مباريات الجولة ال 11 بدوري المحترفين المصري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف تصنع دولة فاسدة ؟!
نشر في فيتو يوم 11 - 10 - 2016

لم أستطع خلال الشهور الماضية أن أنسى العبارة القاتلة التي أطلقها الرئيس السيسي في مؤتمر الحصاد، الذي عقده في الفرافرة، والذي وصف فيه مصر بأنها "دولة هشة" أو شبه دولة.. الأمر الذي جعلنى أعود ثانية للغوص في دهاليز السياسة؛ أفتش عن إجابات لأسئلة ملحة، ظلت تراودنى كثيرًا بعد سماع تلك العبارة الصادمة لكل مصري غيور على وطنه. وتسألت مع واقعنا المرير هل نحن بالفعل دولة هشة؟ وإذا كانت هي كذلك.. فما الذي جعلها كذلك؟ وأثناء محاولتى للبحث عن تلك الإجابات؛ توقفت كثيرًا عند مفهوم الهشاشة، وخصائص البلدان الهشة، وتساءلت هل الفساد يعنى الهشاشة؟ أم أن كليهما ربما يدفع إلى الآخر؟!
ورغم أن معظم كتابات فلاسفة السياسة قد تحدثت عن مفهوم "الدولة الصالحة" التي أطلق عليها أفلاطون اسم "الجمهورية" بينما أطلق عليها الفارابى "المدينة الفاضلة".. فإن الكتابات التي تناولت مفهوم "الدولة الفاسدة" كانت ولا تزال نادرة!
ففى الوقت الذي سقطت فيه كثير من الدول في أتون الهشاشة والفساد.. كانت أصابع الاتهام دائما تتجه صوب "الحكام"؛ وتحملهم المسئولية الكاملة في إفساد بلدانهم.. وترى أن الخلاص من الهشاشة لن يحدث؛ سوى بالإطاحة بالنظم الفاسدة، واستبدالها بأخرى صالحة! فقد كانوا على قناعة بأن الدول ككيانات هي صالحة بطبيعتها، وأنها لا تفسد إلا بخطأ إنساني متعمد!
بمعنى أن الدول بطبيعتها مهيأة للنهضة والتقدم.. لكن ثمة أشخاص برتبة "حكام" عادة يحولون مسارها -عن عمدٍ-إلى طريق آخر غير مرغوب؛ مما يجعلنا نستنتج أنه ليست هناك دول فاسدة.. بينما هناك حكام فاسدون!
وإذا كانت الدولة الصالحة هي الدولة التي تدفع مواطنيها إلى التفكير كمواطنين أحرار، شركاء في الوطن الذي يعيشون فيه، وليس كإجراء أو مستأجرين، أو كضيوف ومتفرجين.. فقد استخدم فلاسفة السياسة مصطلح "ديستوبيا" أو عالم الواقع المرير، للإشارة إلى المدينة الفاسدة أو المكان الخبيث.. والتي يصفونها بأنها مجتمع خيالي فاسد أو مخيف أو غير مرغوب فيه..
وتتميز "الديستوبيات" أو المدن الفاسدة غالبًا بالتجرد من الإنسانية، وتتسم حكوماتها بالشمولية ويعانى سكانها من الكوارث البيئية وغيرها من الأزمات المرتبطة بانحطاطات كارثية في المجتمع.. لهذا فقد اتخذت "الديستوبيا" مجموعة من الخصائص، مثل تفشي الفقر والتلوث البيئى والتأخر في التعليم، بالإضافة إلى الانحطاط السلوكى والضعف الصحي والانهيار المجتمعي والقمع السياسي؛ ومن ثم تراجع معدلات الانتماء في تلك البلدان يومًا بعد الآخر!
وربما تثير تلك المناقشات "لغطًا" حول مفهومى الفساد والهشاشة؛ خاصة أن مصر قد تراجعت هذا العام 11 درجة لتحصل على المرتبة 38 عالميًا بالنسبة للهشاشة بعد أن كانت الدولة رقم 49 في عام 2010م.. رغم أنها قد حققت تقدما ملحوظا في التقليل من معدلات الفساد، لتحصل على المرتبة 88 عالميا بعد أن كانت الدولة رقم 114!
وعلى كل حال.. فعادة ما تقع الدولة الفاسدة بين هشاشتين: الأولى "هشاشة المجتمع" والتي تحدث حينما تدب فيه الانشقاقات والشروخ، وتأخذه ديناميات الانقسام إلى صدام مُعلَن أو دفين؛ حيث تتحول فيه الخلاقات الاجتماعية إلى صراع سياسي حاد.. كتلك الخلافات التي وقعت في مصر إبان ثورة 25 يناير 2011م، بين القوى المدنية والدينية.
والثانية "هشاشة الدولة" فبموجب هذا التصدع في بنية المجتمع، قد تفقد سلطانها السياسي، كما حدث في لبنان عام 1975.. أو ربما تفقد تماسكها ووظائفها، كما حدث في العراق عام 2003م، وربما تنهار، كما هو الحال في الصومال!
ومن ثم فإن فساد الأنظمة الحاكمة وكذلك فساد النخبة السياسية والمثقفة تعد جميعها عوامل أساسية للهدم؛ تدفع البلدان دائما نحو "مطحنة" الهشاشة.. تلك الهشاشة التي تتحول إلى شبح يهدد بقاء واستمرار تلك الأنظمة، حتى وإن كانت صالحة!
لم يخطئ الرئيس السيسي حينما قال إنه يحكم دولة هشة.. فقد سبقته تقارير دولية كثيرة، تؤكد مقولته بمؤشرات عشرة، تتعلق بأمن المواطنين وسلامة المجتمع، كمعدلات الجريمة و"النشاط الإرهابي"، والتظاهرات العنيفة، والعلاقات مع الدول المجاورة، واستقرار الوضع السياسي، فضلًا عن الإنفاق العسكري من الناتج المحلي الإجمالي، ومؤشرات أخرى تخص الوفيات الناتجة عن جرائم القتل والنزاعات المسلحة والنزاعات داخل الدولة.. وإذا كان الرئيس قد أدرك كل هذه المؤشرات، فإن عبارته لا تستدعى العبث ولا السخرية، وإنما تستدعى الانتباه، وإعادة التفكير في الحلول، والبحث عن مسار ساسي مختلف؛ للخروج من الأزمة، بعيدا عن العِند والمُكابرة! فرغم أن العالم يرانا هكذا.. فإننا مازلنا نرفض وصفنا بأننا دولة هشة أو فاسدة!
إذًا ليس بالضرورة أن نكون دولة فسادة حنى نصبح دولة هشة.. وليس بالضرورة أيضًا أن يكون النظام فاسدًا حتى نتحول إلى دولة هشة.. وإنما بالضرورة أن ندرك أننا دولة هشة، وأن لدينا معدلات مرتفعة من الفساد، وأن يدرك كل مواطن في مصر بأنه جزء من الحل.. وإن لم يكن جزءًا من الحل فهو جزء من المشكلة!
لم أطالب النظام في هذا المقال بما لا يستطيع.. ولا أُحَمِلُه بما لا يطيق.. ولكننى أترك أمامه ملف "التعليم" الذي إن تمكن من إصلاحه؛ فقد تمكن من إصلاح كل ملفات الفساد.. فيكفى النظام أن يدرك أن التعليم في مدارسنا.. لا يسهم في البناء المعرفى للطلاب.. فقط يعدهم لاجتياز أسئلة الامتحان!
إن معظم الدول التي تم تدميرها.. بدأت ب "تدمير" التعليم، وتكريس"الغش" كأداة أساسية لتجاوز المراحل التعليمية؛ فيتم علاجنا في مستشفيات أطباؤها نجحوا بالغش، ويتعلم أولادنا في مدارس نجح مدرسوها بالغش، ونسكن في أبراج بنيت على أيدي مهندسين نجحوا بالغش، ونأكل من مزارع أشرف عليها مهندسون نجحوا بالغش!
وعلى أي حال فلن تخرج مصر من كبوتها سوى ب "إلإيمان بالله" من خلال الاهتمام ببناء دولة القيِّم، وب "الإيمان بالوطن" من خلال بناء دولة السياسة.. في إطار من "إيمان الدولة" بأن الطعام حق لكل فَم.. و"إيمان الشعب" بأن العمل فرض على كل ساعد.. وإذا لم يساند الشعب النظام في صناعة التغيير؛ فقد أسهم عن عمدٍ في صناعة دولة هشة.. وإذا لم يؤمن النظام بقدرة الشعب على صناعة التغيير؛ فقد تورط عن عمدٍ في صناعة دولة فاسدة!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.