كان جنوب مصر هو المحرك الأول لمعظم المجاعات التى ضربت مصر عبر تاريخها بسبب تهميشه اقتصاديا واجتماعيا. وفى العصر الحديث تعرض الصعيد لحالات فقركبيرة نتيجة الأمية والإهمال وتركز الاهتمام على العاصمة وعلى المحافظات حولها, وتحظى محافظتا قناوسوهاج بالجرعة الأكبر من الفقر . لو نظرنا الى ثورات الجياع التى حدثت فى مصر منذ عهد سيدنا يوسف عليه السلام سنجد أن الصعيد وإقليم جنوب مصر هوالأكثر فقرا وتضررا حتى انه فى مجاعة المستنصر بالله فى العهد الفاطمى خرج اهالى الصعيد ونزحوا الى العاصمة، ولا تزال الهجرة قائمة من الصعيد الى العاصمة بدافع الفقر والتهميش والبحث عن حياة آدمية وكريمة والهروب من الفقر وعدم الاهتمام والاهمال من قرى الصعيد الأكثر فقرا فى مصر عن غيرها. وفى دراسة أعدتها المجالس القومية المتخصصة، يتبين ان نسبة الفقر فى مصر وصلت الى 46% قبل الثورة ولكن الرقم تضاعف بعد الثورة بسبب الازمات الاقتصادية وتزايد معدلات الجوع فى مصر وهو ماينذر بحدوث ثورة جياع مقبلة لامحالة, بحسب الدكتور محمد موسى عثمان رئيس قسم الاقتصاد بكلية التجارة بجامعة الازهر،الذى يرسم لنا خريطة القرى الأكثر فقرا فى الصعيد المصرى والتى حدثت بها بالفعل مجاعات وقابلة لأن تكون الشرارة الاولى لثورة الجياع المقبلة. يقول موسى:إن نسبة الفقر الأعلى تكمن فى محافظتى قناوسوهاج، ثم اسيوطوالمنيا, لافتا إلى ان فى قنا وحدها عشرات القرى التى يسكنها الفقر، تبدأ من اول مركز بمحافظة قنا من الجنوب وتشمل قرى مركز نقادة ومنها وسط قمولا والترامسة واسمنت وفى الجهة المقابلة قرى مركز قوص وفيها قرى حجازة قبلى وبحرى, وفى مركز قنا نفسه عشر قرى فقيرة، منها: الجزيرية والشيخ عيسى وأولاد عمرو، وفى مركز دشنا قرى: ابو مناع بكاملها حيث تعيش هذه القرى بجوار الجبال وفى الظهير الصحراوى وبها عصابات تهريب الاسلحة وتجارتها، وفى مركز نجع حمادى ايضا يقع منها جانب كبير من القرى الأكثر فقرا فى مصر تتجاوز المئة قرية لأنها تعد ذراعا فى الظهير الصحراوى وهذه القرى تصل نسبة الفقر فيها الى 98% بسبب وقوعها فى مناطق نائية وبعيدة عن اهتمامات المسئولين ولا تتمتع فيها برعاية كإنشاء وحدات صحية او تعليمية، وتعتمد هذه القرى إما على الزراعة او على العمل الوظيفى اذا كان بها موظفون ويعيش نصف الأهالى منها فى معاناة بسبب انقطاع الكهرباء والمياه وهناك قرى لم تدخلها الكهرباء بعد. الدكتور محمد موسى يشير الى ان نسبة كبيرة جدا من اهالى تلك القرى أميون ويعانون الأمراض الخطيرة ومنهم من لا يجد قوت يومه، ومعظم أهالى تلك القرى التى تقع فى الظهير الصحراوى يعانون من الفقر ومن البطالة، وتتفشى بها العصابات المنتشرة على طول الجبال التى تحد وادى النيل من الجنوب وحتى الشمال وضرب مثالا بأن قرى ابو مناع انتشرت فيها عصابات تجارة السلاح والخطف بشكل كبير ويعانى الاهالى فيها من الفقر وسوء الدعم فى البنية الاساسية لتلك القرى وبالأخص قرى نجع سعيد والجبل ونجع ابو حزام . وعن قرى محافظة سوهاج فقد احتلت النسبة الكبرى فى خريطة القرى الأكثر فقرا فى الصعيد حيث تتركز النسبة الأكثر من تلك القرى فى نطاق ضيق ومهمش اقتصاديا بجانب انها تفتقد اى رعاية من الدولة فيها وجميع الأسر التى تسكن فيها لها مساكن غير آدمية وتتركز هذه القرى فى مركزى البلينا ومن اهم تلك القرى قرى بنى حميل و بنى شوشة وقرى مركز جرجا مثل قرى ونجوع برديس وقرى بندار وكذلك بعض قرى مركزى العسيرات والمراغة وطهطا, وتعد تلك القرى من اكثر القرى الطاردة للسكان حيث إن اهالى تلك القرى يهاجرون إما للعاصمة او للخارج وتعيش تلك القرى بعيدة ونائية عن اهتمامات المسئولين فى الدولة فيتركز الفقر والجوع فيها، كما ترتكز الأمية وتسير معها جنبا بجنب ويقطن اهلها فى منازل عبارة عن عشش بجوار المصارف والترع، وقد احتلت محافظة سوهاج وبالأخص قرى طهطا والمراغة كقرية شطورة وقرية باصونا والسايح وأولاد نصير نصيب الاسد فى التهجير فقد تسبب الفقر فى تهجير80% من اهلها الى العاصمة منذ بداية الألفية الجديدة . وحدد الدكتور موسى فى الخريطة أن قرى محافظة سوهاج يذهب اهاليها الى العمل فى الخارج وفى محافظات الوجه البحرى وبالأخص القاهرة العاصمة وفيها احياء كاملة يسكنها السوهاجية وتسمى باسمهم ومعظم هؤلاء يسكنون فى العشوائيات ولا يجدون حياة كريمة حتى فى هجرتهم يسكنون فى عشوائيات ولا يلقون ما يكفيهم, وفى المقابل فى غرب النيل تكثر القرى المشتهرة بالعصابات المسلحة وتجارة الاسلحة فى كل من البدارى وابنوب والفتح . وعن قرى المنيا الفقيرة والتى وصفها موسى بأنها شرارة ثورة الجياع المقبلة وترتكز هذه القرى فى أنها تجمع ما بين ثالوث الموت من الفقر والاهمال والمرض فالثلاثة موجودون بالفعل فى قرى المنيا وتبدأ القرى الفقيرة فى المنيا من مركز دير مواس ومركز ملوى وتلك القرى جمعت بين فقر الصعيد وعدم الاهتمام من المسئولين والدولة وأصبح الفقر فيها يشكل نسبة تتجاوز 90% حتى ان بعض الأسر لا تجد ما يكفيها فى حياتها اليومية. أوضح الدكتور محمد موسى عثمان ان هذه هى الخريطة الحقيقية للقرى الأكثر فقرا للصعيد وسوف تكون الشرارة الاولى لثورة الجياع المقبلة, وأوضح ان اهم ما يجعل هذه القرى اكثر فقرا هو عدم الاهتمام بالبنية الاساسية لها وأن كل المبادرات الماضية كانت حبرا على ورق وقد سقطت اخر ورقة من ايدي المسئولين مع الازمة الاقتصادية الحالية التى من المحال ان تمر بسلام مع هذه القرى من مجاعتها المقبلة, وقال موسى انه قدم مشروعا بعد رؤيته السابقة عن خريطة مصر الأكثر فقرا وبخاصة مع تزايد البطالة بين نسبة الشباب فى تلك القرى بعد ان اصيبوا بمرض النهضة الاخوانية وقال إن الخطة الاقتصادية التى اعدها تتألف من انشاء سدين على فرعى دمياط ورشيد يمنعان تبديد مياه النيل فى البحر المتوسط والاستفادة من المياه بشكل كبير فى زراعة الاراضى فى الظهير الصحراوى للقرى والمدن وبخاصة وادى النيل فى الصعيد لأنها تعتمد على الزراعه بشكل كبير, وأكد ان المحور التالى يتمثل فى زراعة 50 مليون فدان واستصلاحه وتهيئته من جانب الدولة وتوزع على الاسر الفقيرة فى الصعيد وهى الفكرة التى تبناها من قبل الدكتور جمال حمدان المؤرخ المصرى الراحل وبخاصة فى محافظتى قناوسوهاج وفى الدلتا شمالا, والمحور الثالث فى إعادة تشغيل المصانع التى اوقفت فى عهد النظام السابق ودعم المناطق الصناعية وتوفير السبل المتاحة لاستثمارها خاصة من جانب المصريين من خلال المشروعات الصغيرة والحرفية والمصانع الكبرى, وشدد موسى على انه ينبغى على الدولة ان تولى اهتمامها بالاقتصاد بشكل كبير بدلا من الاهتمام بالدين لأن البطون الخاوية لا تصنع ايمانا .