أسعار الفراخ والبيض اليوم الجمعة 24 أكتوبر 2025 بأسواق الأقصر    الجدل يتجدد في أمريكا حول إلغاء التوقيت الصيفي واعتماد توقيت دائم    نائب أردني سابق: الخلافات الفلسطينية ليست جديدة لكنها اليوم أمام مفترق تاريخي حاسم    انتخابات مجلس النواب 2025.. تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين تعلن أسماء مرشحيها    انطلاق القافلة الدعوية المشتركة بين الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء المصرية إلى شمال سيناء    تباين طفيف في أسعار الدولار بين المواقع المصرفية يعكس استقرار السوق    تداول 13 ألف طن و604 شاحنات بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    انطلاق منتدى البرلمانيين العربى الآسيوى للسكان والتنمية برئاسة القصبى    "سنودس النيل الإنجيلي" في مؤتمر مجلس الكنائس العالمي: مصر أرض الإيمان والسلام    إسرائيل تستعد لاستقبال جثماني محتجزين قُتلا في غزة    قناة كان الإسرائيلية: الشرطة تستعد لاحتمال تسليم حماس جثتي أسرى إسرائيليين    الكرملين: تصريحات بوتين وترامب لا تنفي إمكانية عقدهما قمة ثانية    وزارة الخارجية تحتفل بالذكرى الثمانين لإنشاء الأمم المتحدة    توروب: انتظروا أداء عالمي المستوى من الأهلي    سلوت عن تراجع أداء محمد صلاح: فترة صعبة علينا جميعًا    سيدات طائرة الأهلي يواجهن المقاولون في افتتاح بطولة دوري المرتبط    محافظ أسيوط يشدد على إزالة الإشغالات والتعديات لتحقيق الانضباط    المرور يضبط 100 ألف مخالفة و93 متعاطيا للمخدرات خلال 24 ساعة    جمارك مطار أسيوط تضبط تهريب كمية من مستحضرات التجميل    أمن القاهرة يوجه ضربات حاسمة لعصابات السرقة    "الداخلية" ضبط 13 شركة ببني سويف للنصب علي راغبي السفر إلي الخارج    فيلم "فيها إيه يعني" يتراجع ويحتل المركز الثاني في شباك التذاكر    «عام أم كلثوم».. شعار يضىء فعاليات مهرجان الموسيقى العربية فى نسخته ال33    هدية مصر للعالم.. «المتحف الكبير» أيقونة تروي مجد الحضارة المصرية    صحة سيناء: تشكيل لجنه لمراجعة آليات الجرد وإعادة تخزين الأدوية    وزارة الصحة تعلن محاور المؤتمر العالمي للسكان والتنمية البشرية    نائب وزير الصحة يوجه بإحالة مدير مستشفى حلوان العام إلى الشئون القانونية    «التأمين الشامل» يواصل تسجيل وتحديث بيانات المواطنين في أسوان لضمان وصول الخدمات لكافة الأسر    من العدم إلى الخلود.. الداعية مصطفى حسني من جامعة القاهرة: الإنسان يمر ب4 مراحل (تفاصيل)    جذوره تعود لآل البيت.. من هو إبراهيم الدسوقي بعد تعليق الدراسة أسبوعًا بسبب مولده؟    عالم أزهري: أكثر اسمين من أسماء الله الحسنى تكرارًا في القرآن هما الرحمن والرحيم    مصر تؤكد التزامها الكامل بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة فى ذكرى تأسيسها ال80    إعدام 187 كيلو مواد غذائية غير صالحة للاستهلاك خلال حملات تموينية في أسوان    إصابة شاب في تصادم سيارة بسور استراحة محافظ مطروح    وزير التعليم العالي: انضمام مصر إلى "هورايزون أوروبا" يعزز موقعها الدولي في منظومة البحث    بعثات أثرية فرنسية وإيطالية تواصل أعمالها فى مناطق آثار الفيوم    أبراج تشارك حياتها الخاصة مع متابعيها على السوشيال ميديا.. أبرزهم برج الحمل    قاذفات بي-1 الأمريكية الأسرع من الصوت تحلق قرب ساحل فنزويلا    فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة.. وحكم الاستماع إليها من الهاتف    سر ساعة الإجابة يوم الجمعة وفضل الدعاء في هذا الوقت المبارك    أفضل الأدعية والأذكار المستحبة في يوم الجمعة وفضائل هذا اليوم المبارك    أشعل سيجارة أثناء تفريغ البنزين.. حريق ورشة بالعجوزة يودي بحياة سيدة وابنتها ويصيب الزوج بحروق    أوسكار رويز يطير للإمارات 4 نوفمبر لحضور مباريات السوبر المصرى    وزيرة التنمية المحلية: إزالة أدوار مخالفة في حي الزيتون بالقاهرة واتخاذ إجراءات قانونية حازمة تجاه المخالفين    الوزير: افتتاح مصنع جديد في صناعة الضفائر الكهربائية للمركبات قريبا    مجلة فوربس: رئيس الرعاية الصحية ضمن أبرز 10 قادة حكوميين بالشرق الأوسط لعام 2025    وزير الدفاع ورئيس الأركان يلتقيان رئيس أركان القوات البرية الباكستانية    قبل مواجهة إيجل البوروندي.. توروب يعالج الثغرات الدفاعية للأهلي    «النيابة الإدارية» تشرف على انتخابات «الزهور» بالتصويت الإلكتروني    هل تم دعوة محمد سلام لمهرجان الجونة؟.. نجيب ساويرس يحسم الجدل    الأزهر يجيب.. ما حكم صلاة المرأة بالبنطلون ؟    آخر فرصة للتقديم لوظائف بشركة في السويس برواتب تصل ل 17 ألف جنيه    هنادي مهنا: «أوسكار عودة الماموث» يصعب تصنيفه وصورناه خلال 3 سنوات بنفس الملابس    فردوس عبدالحميد: كنت خجولة طول عمري والقدر قادني لدخول عالم التمثيل    قيادي بتيار الإصلاح الديمقراطي الفلسطيني: الحضور الدولي في شرم الشيخ يعزز فرص الاستقرار    «مبحبش أشوف الكبير يستدرج للحتة دي».. شريف إكرامي يفاجئ مسؤولي الأهلي برسائل خاصة    التجربة المغربية الأولى.. زياش إلى الوداد    مدرب بيراميدز يتغنى بحسام حسن ويرشح 3 نجوم للاحتراف في أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كليلة ودمنة.. «باب البُوم والغربان»
نشر في فيتو يوم 25 - 10 - 2016


قال دبشليم الملك لبيدبا الفيلسوف:
قد سمعت مثل إخوان الصفاء وتعاونهم، فاضرب لي مثل العدوّ الذي لا ينبغي أن يغتر به، وإن أظهر تضرعاً وملقاً، قال الفيلسوف: من اغتر بالعدو الذي لم يزل عدواً، أصابه ما أصاب البوم من الغربان. قال الملك وكيف كان ذلك؟
قال بيدبا:
زعموا أنه كان في جبل في الجبال شجرة من شجر الدوح، فيها وكر ألف غراب، وعليهن والٍ من أنفسهن، وكان عند هذه الشجرة كهف فيه ألف بوم، وعليهن والٍ منهن. فخرج ملك البوم لبعض غدواته وروحاته، وفي نفسه العداوة لملك الغربان، وفي نفس الغربان وملكها مثل ذلك للبوم، فأغار ملك البوم في أصحابه على الغربان في أوكارها، فقتل وسبى منها خلقاً كثيراُ، وكانت الغارة ليلاً، فلما أصبحت الغربان اجتمعت إلى ملكها فقلن له: قد علمت ما لقينا الليلة من ملك البوم، وما منّا إلا أصبح قتيلاً أو جريحاً أو مكسور الجناح أو منتوف الريش أو مقطوف الذنب وأشد مما أصابنا ضراً علينا جراءتهن علينا، وعلمهن بمكاننا، وهنّ عائدات إلينا غير منقطعات عنّا: لعلمهنّ بمكاننا: فإنما نحن لك، ولك الرأي، أيها الملك، فانظر لنا ولنفسك، وكان في الغربان خمسة معترف لهن بحسن الرأي، يسند إليهنّ في الأمور، ويلقى عليهن أزمة الأحوال. وكان الملك كثيراً ما يشاورهن في الأمور، ويأخذ آراءهن في الحوادث والنوازل. فقال الملك للأول من الخمسة: ما رأيك في هذا الأمر؟ قال: رأي قد سبقتنا إليه العلماء، وذلك أنهم قالوا: ليس للعدو الحنق إلا الهرب منه. قال الملك للثاني: ما رأيك في هذا الأمر؟ قال: رأي ما رأى هذا من الهرب.
قال الملك: لا أرى لكما ذلك رأياً، أن نرحل عن أوطاننا ونخليها لعدونا من أول نكبة أصابتنا منه ولا ينبغي لنا ذلك ولكن نجمع أمرنا ونستعد لعدونا ونذكي نار الحرب فيما بيننا وبين عدونا ونحترس من الغرة إذا أقبل إلينا فنلقاه مستعدين ونقاتله قتالاً غير مراجعين فيه، ولا مقصرين عنه وتلقى أطرافنا أطراف العدو ونتحرز بحصوننا وندافع عدونّا: بالأناة مرة وبالجلاد أخرى حيث نصيب فرصتنا وبغيتنا، وقد ثنينا عدونا عنّا. ثم قال الملك للثالث: ما رأيك أنت؟ قال: ما أرى ما قالا رأياً.
ولكن نبث العيون ونبعث الجواسيس ونرسل الطلائع بيننا وبين عدونا فنعلم أيريد صلحنا أم يريد حربنا أم يريد الفدية؟ فإن رأينا أمره أمر طامع في مال، لم نكره الصلح على خراجٍ نؤديه إليه كل سنة، ندفع به عن أنفسنا ونطمئن في أوطاننا: فغن من أراء الملوك إذا أشتدت شوكة عدوهم، فخافوه على أنفسهم وبلادهم، أن يجعلوا الأموال جنة البلاد والملك والرعية. قال الملك للرابع: فما رأيك في هذا الصلح؟ قال لا أراه رأياً بل أن نفارق أوطاننا ونصبر على الغربة وشدة المعيشة خيرٌ من أن نضيع أحسابنا ونخضع للعدو الذي نحن أشرف منه مع أن البوم لو عرضنا ذلك عليهن لما رضين منّا إلا بالشَّطط. ويقال في الأمثال: قارب عدوك بعض المقاربة: لتنال حاجتك.
ولا تقاربه كل المقاربة: فيتجرىء عليك ويضعف جندك وتذلَّ نفسك. ومثل ذلك مثل الخشبة المنصوبة في الشمس: إذا أملتها قليلاً زاد ظلها، وإذا جاوزت بها الحد في إمالتها نقص الظلُّ. وليس عدونا راضياً منّا بالدون في المقاربة، فالرأي لنا ولك المحاربة. قال الملك للخامس: ما تقول أنت؟ وماذا ترى: القتال أم الصلح أم الجلاء عن الوطن؟ قال: أما القتال فلا سبيل للمرء إلى قتال من لا يقوى عليه وقد يقال: إنه من لا يعرف نفسه وعدوه وقاتل من لا يقوى عليه، حمل نفسه على حتفها مع أن العاقل لا يستصغر عدواً: فإن من استصغر عدوه اغتر به ومن اغتر بعدوه لم يسلم منه. وأنا للبوم شديد الهيبة وإن أضربن عن قتالنا وقد كنت أهابها قبل ذلك، فإن الحازم لا يأمن عدوه على كل حال فإن كان بعيداً لم يأمن سطوته، وإن كان مكثباً لم يأمن من وثبته، وإن كان وحيداً لم يأمن من مكره.
وأحزم الأقوام وأكسيهم من كره القتال لجل النفقة فيه: فإن ما دون القتال النفقة فيه من الأموال والقول والعمل، والقتال النفقة فيه من الأنفس والأبدان. فلا يكونن القتال للبوم من رأيك، أيها الملك: فإن من قاتل من لا يقوى عليه فقد غرر بنفسه. فإذا كان الملك محصناً للأسرار، متخيراً للوزراء، مهيباً في أعين الناس، بعيداً من أن يقدر عليه، كان خليقاً ألا يسلب صحيح ما أوتى من الخير. وأنت، أيها الملك، كذلك.
وقد استشرتني في أمر جوابك منّي عنه، في بعضه علانية، وفي بعضه سرٌ وللأسرار منازل: منها ما يدخل فيه الرهط، ومنها ما يستعان فيه بالقوم، ومنها ما يدخل فيه الرجلان. ولست أرى لهذا السر على قدر منزلته أن يشارك فيه إلا أربع آذانٍ ولسانان. فنهض الملك من ساعته، وخلا به، فاستشاره، فكان أول ما سأله عنه الملك أنه قال: هل يعلم ابتداء عداوة ما بيننا وبين البوم؟ قال: نعم: كلمة تكلم بها غراب.
قال الملك: وكيف كان ذلك؟ قال الغراب: زعموا أن جماعة من الكراكي لم يكن لها ملك، فأجمعت أمرها على أن يملكن عليهن ملك البوم فبينما هي في مجمعها إذ وقع لها غراب، فقالت: لو جاءنا هذا الغراب. لاستشرناه؛ فلم يلبثن دون أن جاءهن الغراب. فاستشرنه، فقال: لو أن الطير بادت من الأقاليم، وفقد الطاوس والبط والنعام والحمار من العالم لما اضطررتن إلى أن تملّكن عليكنّ البوم التي هي أقبح الطير منظراً، وأسوؤها خلقاً، وأقلها عقلاً، وأشدها غضباً وأبعدها من كل رحمة، مع عماها وما بها من العشا بالنهار، وأشد من ذلك وأقبح أمورها سفهها وسوء أخلاقها، إلا أن ترين أن تملكنها وتكن أنتن تدبرن الأمور دونها برأيكن وعقولكن، كما فعلت الأرنب التي زعمت أن القمر ملكها، ثم عملت برأيها، قال الطير: وكيف كان ذلك؟
قال الغراب: زعموا أن أرضاً من أراضي الفيلة تتابعت عليها السنون، وأجدبت، وقل ماؤها، وغارت عيونها، وذوى نبتها، ويبس شجرها، فأصاب الفيلة عطش شديد: فشكون ذلك إلى ملكهن، فأرسل الملك رسوله ورواده في طلب الماء، في كل ناحية. فرجع إليه بعض الرسل، فأخبره إني قد وجدت بمكان كذا عيناً يقال لها عين القمر، كثيرة الماء. فتوجه ملك الفيلة بأصحابه إلى تلك العين ليشرب منها هو وفيلته. وكانت العين في أرض للأرانب، فوطئن الأرانب في أجحارهن، فأهلكن منهن كثيراً، فاجتمعت الأرانب إلى ملكها فقلن له: قد علمت ما أصابنا من الفيلة فقال: ليحضرن منكن كل ذي رأي رأيه. فتقدمت أرنبٌ من الأرانب يقال لها فيروز.
وكان الملك يعرفها بحسن الرأي والأدب، فقالت: إن رأى الملك أن يبعثني إلى الفيلة ويرسل معي أميناً، ليرى ويسمع ما أقول، ويرفعه إلى الملك، فقال لها الملك: أنت أمينة، ونرضى بقولك، فانطلقي إلى الفيلة، وبلغي عني ما تريدين. واعلمي أن الرسول برأيه وعقله، ولينه وفضله، يخبر عن عقل المرسل. فعليك باللين والرفق والحلم والتأني: فإن الرسول هو الذي يلين الصدور إذا رفق، ويخشن الصدور إذا خرق. ثم إن الأرنب انطلقت في ليلة قمراء، حتى انتهت إلى الفيلة، وكرهت أن تدنو منهن: مخافة أن يطأنها بأرجلهن، فيقتلنها، وإن كنّ غير متعمدات.
ثم أشرفت على الجبل ونادت ملك الفيلة وقالت له: إن القمر أرسلني إليك، والرسول غير ملوم فيما يبلغ، وإن أغلظ في القول. قال ملك الفيلة: فما الرسالة؟ قالت: يقول لك: إن من عرف فضل قوته على الضعفاء، فاغتر بذلك في شأن الأقوياء، قياساً لهم على الضعفاء، كانت قوته وبالاً عليه. وأنت قد عرفت فضل قوتك على الدواب، فغرّك ذلك، فعمدت إلى العين التي تسمى باسمي، فشربت منها، وكدّرتها. فأرسلني إليك: فأنذرك ألا تعود إلى مثل ذلك. وإنك إن فعلت أُغشِّ بصرك، وأتلف نفسك.
وإن كنت في شكٍّ من رسالتي، فهلم إلى العين من ساعتك: فإني موافيك بها. فعجب ملك الفيلة من قول الأرنب، فانطلق إلى العين مع فيروز الرسول. فلما نظر إليها، رأى ضوء القمر فيها. فقالت له فيروز الرسول: خذ بخرطومك من الماء فاغسل به وجهك، واسجد للقمر. فأدخل الفيل خرطومه في الماء، فتحرك فخيل للفيل أن القمر ارتعد. فقال: ما شأن القمر ارتعد؟ أتراه غضب من إدخالي الخرطوم في الماء؟ قالت فيروز الأرنب: نعم. فسجد الفيل للقمر مرة أخرى، وتاب إليه مما صنع، وشرط ألا يعود إلى مثل ذلك هو ولا أحد من فيلته. قال الغراب: ومع ما ذكرت من أمر البوم إن فيها الخبَّ والمكر والخديعة، وشر الملوك الخادع، ومن ابتلى بسلان مخادع، وخدمه، أصاب ما أصاب الأرنب والفرد حين احتكما إلى السنور.
قالت الكراكي: وكيف كان ذلك؟ قال الغراب: كان لي جاراً من االصفاردة في أصل شجرة قريبة من وكرى وكان يكثر مواصلتي ثم فقدته فلم أعلم أين غاب وطالت غيبته عني. فجاءت أرنب إلى مكان الصفرد فسكنته فكرهت أن أخاصم الأرنب فلبثت فيه زماناً. ثم إن الصفرد غاد بعد زمان فأتى منزله فوجد فيه الأرنب. فقال لها : هذا المكان لي ، فانتقلي عنه. قالت الأرنب: المسكن لي، وتحت يدي؛ وأنت مدّع له. فإن كان لك حقٌ فاستعد بإثباته عليّ.
قال الصفرد: القاضي منا قريب: فهلمي بنا إليه. قالت الأرنب: ومن القاضي؟ قال الصفرد: إن بساحل البحر سنوراً متعبداً، يصوم النهار، ويقوم الليل كله؛ ولا يؤذي دابةٍ، ولا يهرق دماً، عيشه من الحشيش ومما يقذفه إليه البحر. فإن أحببت تحاكمنا إليه، ورضينا به. قالت الأرنب: المسكن لي، وتحت يدي، وأنت مدع له. فإن كان لك حق فاستعد بإثباته عليّ.
قال الصفرد: القاضي؟ منا قريب: إن بساحل البحر سنوراًمعبداً، يصوم النهار، ويقوم الليل كله، ولايؤذى دابة، ولا يهريق دماً، عيشه من الحشيش ومما يقذفه إليه البحر. فإن أحببت تحاكما إليه، ورضينا به. قالت الأرنب: ما أرضاني به إذا كان كما وصفت. فانطلقا إليه فتبعهما لأنظر إلى حكومة الصوام القوام ثم إنهما ذهبا إليه فلما بصر النور بالأرنب والصفرد مقبيلين نحوه، انتصب قائماً يصلي، وأظهر الخشوع والتنسك. فعجبا لما رأيا من حاله ودنوا منه هائبين له، وسلما عليه وسألاه أن يقضي بينهما. فأمر هما أن يقصا عليه القصة ففعلا. فقال لهما: قد بلغني الكبر وثقلت أذناي: فادنوا مني فاسمعانى ما تقولان.
فدنوا منه، وأعادا عليه القصة وسألاه الحكم فقال قد فهمت ما قلتما، وأنا مبتدئكما بالنصيحة قبل الحكومة بينكما: فأنا آمركما بتقوى الله وألاتطلبا إلا الحق هو الذي يفلح، وأن قضى عليه وطالب الحق هو الذي يفلح وإن قضى عليه وطالب الباطل مخصوم وإن قضى له. وليس لصاحب الدنيا من دنياه شئ لا مال ولا صديق سوى العمل الصالح يقدمه فذو العقل حقيق أن يكون سعيه في طلب ما يبقى وعود نفعه عليه غداً، وأن يمقت بسعيه فيما سوى ذلك من أمور الدنيا: فإن منزلة المال عند العاقل بمنزلة المدر، ومنزلة الناس عنده فيما يحب أهم من الخير ويكره من الشر بمنزلة نفسه. ثم إن السّنّور لم يزل يقصّ عليهما من جنس هذا وأشباهه، حتى أنسا إليه، وأقبلا عليه، ودنوا منه، ثم وثب عليهما فقتلهما.
قال الغراب: ثم إن البوم تجمع مع ما وصفت لكن من الشؤم سائر العيوب: فلا يكونن تمليك البوم من رأ يكن. فلما سمع الكراكى ذلك من كلام الغراب أضربن عن تمليك البوم. زكان هناك بوم حاضر قد سمع ما قالوا، فقال الغراب: لقد وترتني أعظم الترة، ولا أعلم أنه سلف مني إليك سوءٌ أوجب هذا. وبعد فاعلم أن الفأس يقطع به الشجر فيعود ينبت السيف يقطع اللحم ثم يعود فيندمل واللسان لا يندمل جرحه ولا تؤسى مقاطعه. والنصل من السهم يغيب في اللحم ثم ينزع فيخرج، وأشباه النصل من الكلام إذا وصلت إلى القلب لم تنزع ولم تستخرج. ولكل حريق مطفئٌ: فللنار الماء، وللسم الدواء وللحزن الصبر ونلر الحقد لا تخبو أبداً. وقد غرستم معاشر الغربان بيننا وبينكم شجر الحقد والعداوة والبغضاء.
فلما قضى البوم مقالته، ولىّ مغضباً، فأخبر ملك البوم بما جرى وبكل ما كان منقول الغراب، ثم إن الغراب ندم على ما فرط منه، وقال: والله لقد خرقت في قولي الذي جلبت به العداوة والبغضاء على نفسي وقومي! وليتني لم أخبر الكراكي بهذه الحال! ولا أعلمتها بهذا الأمر! ولعل أكثر الطير قد رأى أكثر مما رأيت، وعلم أضعاف ما علمت، فمنعها من الكلام بمثل ما اتقاء ما لم أتق، والنظر فيما لم أنظر فيه من حذار العواقب، لا سيما إذا كان الكلام أفظع كلام، يلقى منه سامعه وقائله المكروه مما يورث الحقد والضغينة، فلا ينبغي لأشباه هذا الكلام، أن تسمى كلاماً، ولكن سهاماً. والعاقل، وإن كان واثقاً بقوته وفضله، لا ينبغي أن يحمل ذلك على أن يجلب العداوة على نفسه اتكالاً على ما عنده من الرأي والقوة، كما أنه وإن كان عنده الترياق لا ينبغي له أن يشرب السم اتكالاً على ما عنده.
وصاحب حسن العمل، وإن قصر به القول في مستقبل الأمر، كان فضله بيّناً واضحاً في العاقبة والاختار، وصاحب حسن القول، وإن أعجب الناس منه حسن صفته للأمور لم تحمد عاقبة أمره. وأنا صاحب القول الذي لا عاقبة له محمودة. أليس من سفهي اجترائي على التكلم في الأمر الجسيم لا أستشير فيه أحداً، ولم أعمل فيه رأياً؟ ومن لم يستشر النصاء الأولياء، وعمل برأيه من غير تكرار النظر والروية، لم يغتبط بمواقع رأيه. فما كان أغناني عما كسبت يومي هذا، وما وقعت فيه من الهم! وعاتب الغراب نفسه بهذا الكلام وأشباهه وذهب. فهذا ما سألتني عنه من ابتداء العداوة بيننا وبين البوم.
وأما القتال فقد علمت رأيي فيه، وكراهتي له، ولكن عندي من الرأي والحيلة غير القتال ما يكون فيه الفرج إن شاء الله تعالى: فإنه ربَّ قوم قد احتالوا بآرائهم حتى ظفروا بما أرادوا. ومن ذلك حديث الجماعة الذين ظفروا بالناسك، وأخذوا عريضه قال الملك: وكيف كان ذلك؟
قال الغراب: زعموا ان ناسكاً اشتى عريضاً ضخماً ليجعله قرباناً، فانطلق به يقوده فبصر به قوم من المكرة، فأتمروا بينهم أن يأخذوه من الناسك. فعرض له أحدهم فقال له: أيها الناسك، ما هذا الكلب الذي معك؟ ثم عرض له الآخر فقال لصاحبه: ما هذا الناسك، لأن الناسك لا يقود كلباً. فلم يزالو مع الناسك على هذا ومثله حتى لم يشك أنَّ الذي يقوده كلبٌ، وأن الذي باعه إياه سحر عينه، فأطلقه من يده، فأخذه الجماعة المحتالون ومضوا به. وإنما ضربت لك هذا المثل لما أرجو أن نصيب من حاجتنا بالرفق والحيلة. وإني أريد من الملك أن ينقرني على رؤوس الأشهاد، وينتف ريشي وذنبي، ثم يطرحني في أصل هذه الشجرة، ويرتحل الملك هو وجنوده إلى مكان كذا. فأرجو أنّي أصبر وأطلع على أحوالهم، ومواضع تحصينهم وأبوابهم، فأخادعهم وآتي إليكم لنهجم عليهم، وننا منهم غرضنا إن شاء الله تعالى.
يتبع...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.