قال الدكتور عبد الله النجار- أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر- إنه قبل الحديث عن تطبيق الشريعة الإسلامية لابد أن تتم إقامة العدل والمساواة وإعطاء الحقوق للجميع ثم بعدها يأتى الحديث عن تطبيق الحدود فى المجتمع، معتبراً إن الإسلاميين يلعبون بهذا الأمر من أجل منافع سياسية وليس من أجل الشريعة الإسلامية. ولفت النجار إلى أن حد السرقة لم ينفذ فى عهد الرسول «صلي الله عليه وسلم» والخلفاء سوى ست مرات فقط، موضحاً أن الشريعة وضعت شروطا لتطبيق الحدود يصعب التحقق منها والمزيد فى هذا الحوار ... هل يمكن تطبيق الحدود فى مصر الآن؟ - المجتمع المصري غير مهيأ لتطبيق الشريعة الاسلامية وإذا تم تطبيقها فلابد من تقنينها بأن يتم سن القوانين التى تنظم تطبيق الحدود الشرعية كحد الحرابة وحدود السرقة والزني والقذف وأن يتم تطبيقها بناء على شروطها التى وضعتها الشريعة الإسلامية ولابد للقضاء أن يقول كلمته فيها بأن تحل محل الأحكام الحالية بدلا من السجن لكني أرى من يثيرون قضية تطبيق الحدود فى الوقت الحالى يسعون لتحقيق منافع سياسية لحشد الناس فى صفوفهم. ما فلسفة تطبيق الحدود في الشريعة الإسلامية؟ - الإسلام فرض تلك العقوبات للردع وليس للعقاب بأن تطبق على الناس بدون شروط فالإسلام لا يقرر العقوبات بشكل جزافى وللشريعة الاسلامية نظرة تختلف عن أوجه النظر الأخرى فى مسألة تطبيق الحدود وعاش فيها المجتمع الإسلامى فى عهد الرسول والخلفاء الراشدين والتابعين وكانت نسبة الجريمة من سرقة وزني وشرب خمر قليلة ليست كما يحدث الآن وعندما يقرر الاسلام تطبيق حد على أحد بسبب جريمة ارتكبها إنما هى للردع ولكنه لا يطبقها إلا بعد أن يتم التأكد من أنه ارتكبها وإلا لما كان عمر بن الخطاب أوقف حد السرقة فى عام الرمادة. وحتى إقامة الحد فقد فرض فيها حد معين للقطع ولم يترك المشرع تطبيق الحدود بدون شروط طبقا للأهواء وهذا ينطبق علي جميع الحدود الأخرى كالزني والحرابة وغيرها. علي من تطبق الحدود؟ - تقام الحدود على الجميع بلا استثناء سواء كان حاكما او محكوما رجلا او امرأة وإلا لما كان الرسول وقعها على المرأة المخزومية ،ثم إن عقاب الحاكم يكون أشد من عقاب عامة الناس فالشريعة الإسلامية لاتفرق بين الحاكم او المحكوم الناس سواسية والرسول صلي الله عليه وسلم قال في حد السرقة: «والذى نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها»، وفاطمة «رضى الله عنها» حب قلب النبى صلى الله عليه وسلم. ما الشروط التى وضعتها الشريعة لتطبيق الحدود؟ - لكل حد من الحدود شروط ففي الزني مثلا وضعت الشريعة شروط رحمة بالناس وأهمها أن يرى اربعة شهود الواقعة رؤية «المرود فى المكحلة» وهذا بالطبع يستحيل كما أن هؤلاء الشهداء لابد أن تتوفر فيهم ايضا شروط , كما انه جعل عقوبة الزانى مشروطة بكونه محصنا او غير محصن وفى حد السرقة وضعت الشريعة شروطاً فلو كان جائعا وسرق ما يسد جوعه لا يقام عليه الحد ولذلك اقول إنه قبل المطالبة بتطبيق الحدود لابد من تحقيق العدل فى المجتمع ولابد -بالمعنى الفقهى- من سد الذرائع التى تؤدى للجريمة والاسلام ولابد من أن يعم العدل الجميع ثم نطبق الحدود ولو نظرنا لتلك الشروط لوجدنا أن كلها شروطا يصعب التحقق منها رحمة بالعباد ولذلك فإن الاحكام التعذيرية الأخرى كالسجن هى الملاذ الوحيد للحاكم فى عدم توافر الشروط. هل يسقط الحد بإنكار مرتكب الجريمة؟ - الشريعة تسقط الحد بالشبهة فلو انكر السارق السرقة سقط الحد أو وجد مبررا من المبررات يسقط الحد وللحاكم أو القاضى أن يحكم إما بالبراءة او عقوبة تعذيرية كالسجن، ولمعرفة أن الحدود وضعت للوقاية لابد أن نعرف أن حد السرقة على مدى عهد الرسول والخلفاء الراشدين والتابعين لم يطبق سوى ست مرات فقط . لكن لماذا جعل الإسلام حدود الزني والخمر والسرقة من الحدود القاسية ولم تعوض بالعقوبات التعذيرية؟ - لأن هذه أموراً فيها مخالفة صريحة لأمر الله تعالى فلو عرف من يقوم بمثل هذه المخالفات أن مصيره الرجم او القطع لما أقدم على فعلها فهذه الحدود وضعت لوقاية المجتمع من تلك الجرائم ولو اقيم الحد على أحد، فإن من حوله سوف يرتدعون عندما يرون عقوبته لكن كل تلك الأمور لابد أن تسير طبقا للشريعة ولا تترك للأهواء. هل تختلف المذاهب الاربعة على الحدود فى الشريعة الاسلامية؟ - أصحاب المذاهب الأربعة بالإجماع اتفقوا على تطبيق الحدود وكان هناك اجماع على ذلك لكن الاختلاف كان فى الشروط والمقدار ومدى التطبيق فى العقوبة كقطع يد السارق او رجم الزانى او جلد الشارب. هل تسقط الحدود بالتوبة ؟ - الحقيقة أن هناك اختلافاً فى ذلك الاول أنه تسقط طبقا لما قاله ابن تيمية وابن القيم بأن توبة الرجل أمام القاضى تسقط الحد مستدلين بحديث الالبانى أن كل حق لله تعالى يسقط بالتوبة قياسا على آية «الحرابة» وهناك واقعة حدثت لامرأة كانت تسير للصلاة الى المسجد فاعترضها رجل واغتصبها ولكن اتهم رجل كان يغيثها بأنه هو من اغتصبها فأمر الرسول برجمه، فقام الرجل الذى اغتصبها فقال أنا من اغتصبها فقال عمر بن الخطاب للنبى ارجم المعترف فقال لا لقد تاب توبة نصوحا , والرأى الآخر يقول إنه لايسقط الحد مستدلين بحديث ماعز الذى اقام عليه الرسول الحد حتى بعد توبته.