يري أهل العلم إلى أن الحدود سميت كذلك، لأنها أحكام الله التى وضعها وحددها، وقدرها، وهى العقوبات المقدرة شرعا سواء، كانت حقاً للعبد أم لله تعالى، ويجمع الفقهاء على أن الحدود تطبق في «الردة، والحرابة، والخمر، والزني، والسرقة، والقذف، والبغى»، ولا يعتبر العلماء القتل حدا ولكن قصاصا، والتعذير ليس حدا لعدم النص على تقدير العقوبة، موضحين أن القيِّم على الحدود هو الإمام أو من ينوب عنه، ويشترط فيمن يقام عليه الحد صحة العقل وسلامة البدن، وأن يكون ممن يعتبر، وممن سبق إنذارهم، ولا يقام على المجنون والسكران والمريض وضعيف الخلقة إلا بعد الصحة والإفاقة. الدكتور إبراهيم بن ناصر الحمود- أستاذ الشريعة بجامعة الرياض- يعطى الحق للإمام في إسقاط الحد إذا كان حقاً لله تعالى، أو ما يغلب فيه حق الله، كحد الزني والسرقة والخمر والحرابة، أما ما هو حق للعبد، أو يغلب فيه حق العبد فليس للإمام إسقاطه، ويكون الإسقاط من صاحب الحق، ويستند فى ذلك إلى رأى جمهور الفقهاء الذي يؤكد أن حقوق الله تعالى الأصل فيها التسامح والعفو، فإذا وجد ما يسقطها، فللإمام الحق فى إسقاطها. أما حقوق العباد، فالأصل فيها البخل وضيق النفوس، ويحتاج العبد دائما إلى استيفاء حقه، ويتوقف الحد على رغبة العبد. أما الدكتور محمد عبد الرحيم -عميد كلية دار العلوم السابق بجامعة المنيا فأكد أن الحدود مقدرة من قبل الله تعالى كعقوبة الزني المقدرة بالجلد 100 جلدة أو الرجم، ومثلها عقوبة قذف المحصنات 80 جلدة، والسرقة قطع اليد، وليس لولى الأمر أن يتدخل فى هذه العقوبة، لأنها مقدرة من قبل الله تعالى. وقال إن الفقهاء أجمعوا على ضرورة تطبيقها فى كل زمان ومكان، وأنها ليست مرتبطة بزمن دون آخر، لكن هناك شروطاً لتطبيق هذه العقوبة، وليس كل عقوبة من هذه الأنواع يقام فيها الحد؛ فلو أن شخصا سرق 100 جنيه مثلا، فلا يقام عليه الحد، لأن هناك نصاباً معينًآ لابد أن يسرقه السارق حتى تقام عليه العقوبة، كما ورد فى بعض الأحاديث «لا قطع إلا فى ربع دينار» والدينار يعادل أربعة جرامات وربع الجرام ذهبا، فعند التطبيق إذا أخذنا بهذا الحديث فإنه لا يجوز قطع يد من يسرق مبلغا أقل من ثمن جرام ذهب، أما إذا أخذنا بحديث آخر «لاقطع إلا فى دينار»، وهذا يعنى أن من يسرق مبلغا أقل من 1400 جنيه مثلا، لا تقطع يده، وهذه العقوبة لا تطبق على المحتاج الذى يسرق ليطعم أسرته لأن شروط تطبيق العقوبة على الأفراد، فعقوبة السرقة قد تطبق على شخص ولا تطبق على آخر مع أن الاثنين قد سرقا، لكن الفارق أن أحدهما سرق لأنه محتاج، والثانى سرق دون حاجة. وأوضح عبدالرحيم أن الشريعة الإسلامية مطبقة بالفعل، ولا ينقصها سوى الحدود، وأن ما يثار الآن حول ضرورة تطبيق الحدود يخدم فصيلاً بعينه، مؤكدا أنه من الصعوبة بمكان أن نأتى فى يوم وليلة، لنقول لابد من تطبيق الشريعة بالحدود، مضيفاً: إن المجتمع يحتاج إلى توعية استعداد، وإلى فترة زمنية، ثم نقول بتطبيق الحدود، لكن لا يأتى الآن فصيل معين يطالب بتطبيق الحدود. الدكتور أحمد كريمة- أستاذ الشريعة الإسلامية- يؤكد أن الحدود لا تمثل أكثر من 5% من شريعة الإسلام، ولا يجب اختزال الدين الإسلامي في الحدود، لأنها تستخدم بشكل مستفز وغير صحيح، من قبل أنصار الفوضى وتستند إلى الاختلافات الاجتهادية للأئمة الأربعة أبي حنيفة، والشافعي، ومالك، وابن حنبل، فما لم يثبت بالقران، كان حاضرا بشكل ثابت في السنة النبوية. وقال: لقد حرم الله الخمر في كتابه، لكن لم ينص علي عقوبة شرب الخمر، مما أسفر عن اختلاف الأئمة فيها، فقد قالت الشافعية: يجب جلده 40 جلدة، بينما تحدثت المالكية عن 80 جلدة، وكذلك اختلفوا حول عقوبة الردة، فمنهم من رأي أنه يجب إعدام المرتد، باعتباره خارجا عن الملة، ومنهم من رأي أنه لا عقوبة عليه، مستندين إلى نصوص حرية العقيدة، ومستشهدين بكلام الرسول «صلي الله عليه وسلم» للكفار، بأن من سيدخل الإسلام من الكفارسيرفضه، ومن يدخل في الكفر من المسلمين سيتركه، يفعل ما يشاء. من جهته قال الدكتور حامد أبوطالب- أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر-: إن مفهوم الحدود في الإسلام، يعنى الإطار الذي أمرنا به الله عز وجل بعدم الاقتراب منه، انطلاقا من قول الله تعالي «تلك حدود الله فلا تقربوها»، مؤكداً أن القتل يخرج من جملة الحدود، باعتباره قصاصا، لأن الله حرم القتل عندما نزلت الآية القرآنية «ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق»، فمن يقتل يتعرض للقتل قصاصا لا حدا، أما الحدود فهى مثل الزني، وينص القرآن الكريم على عقوبة الزني بالجلد 100 جلدة، أما باقي الحدود والتي لم يرد فيها حكم بنص قرآني، فإن أحكامها موجودة في السنة النبوية، وشدد على أنه لا يوجد خلاف بين الفقهاء حول ضرورة تطبيق الحدود، لكن الاختلاف حول درجة العقوبة فى الحدود التى لم ينص القرآن على عقوبتها. وأوضح ان الله شرَّع الحد لحماية عباده من الوقوع في الأخطاء والمحرمات التي تضر بهم، في الدنيا والآخرة، وليس المقصود بالحد هو الوصول إليه، واقتراف المعصية كما يزعم البعض، لأن من يتعدي حدود الله فأولئك هم الخاسرون، واستند فى رأيه إلى حديث الرسول «صلي الله عليه وسلم» إن الله أرحم بعبده من رحمة الأم بطفلها، وان الله شرَّع هذه الحدود في كتبه السماوية.