سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«الفجالة» من صناعة الثقافة إلى بيع مستلزمات مدرسية.. «محفوظ» و«العقاد» أشهر رواده.. زراعة الفجل وراء التسمية.. حقبة «إسماعيل» نقطة تحول للشارع.. الأحفاد باعوا تاريح الأجداد.. ومكتبة مصر الأشهر
ضجيج، وزحام حول أتلال مرتصة بشكل منظم من الدفاتر والأقلام وأدوات الكتابة خارج مكتبات عمرها يربو على قرن من الزمان، وباعة يتقنون التسويق لبضاعتهم الراجئة، أطفال فرحة رغم عناء الزحام وإنهاك أجسادهم اللينة من تلاطم المارة، إلا أن في أعينهم نشوة الحصول على ما طاب له وما تمنوه من مستلزمات دراسية بألوانها المزرجشة لاستقبال العام الدراسي الجديد، في الخلفية أغنية كلاسيكية تنبعث من راديو قديم يعود لخمسينيات القرن المنقضي، موضوع في مدخل مقهى صغير جاء ميلاده بميلاد أعرق شوارع القاهرة شهرة الشارع شارع كامل صدقي الشهير ب«الفجالة» أحد أهم الشوارع المتاخمة لميدان رمسيس بوسط القاهرة، الشاهد على حقبة ثرية في تاريخ التراث الثقافي المصري والعربي، وطأ أرضه رواد الثقافة والأدب العربي على رأسهم طه حسين ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف السباعي ومحمد عبد الحليم عبد الله وعلي أحمد باكثير، الذين ارتبط وجودهم بوجود أعرق دور النشر التي يقصدوها لطباعة ونشر مؤلفاتهم مكتبة مصر انتشرت المكتبات في الشارع مع نهايات القرن الماضى، فظهرت أول مكتبة عام 1889، وكانت تسمى الهلال لصاحبها إبراهيم زيدان ابن عم الكاتب التاريخي المعروف «جورجي زيدان» وظلت تعمل 90 عاما حتى باعها الأحفاد أخيرا، ومع مطلع القرن العشرين، ذاع صيت مكتبة مصر التي أسسها سعيد جودة السحار عام 1932، نشرت هذه المكتبة أشهر أعمال كبار الكتاب في مصر في ذلك الوقت تعمير المنطقة وتذكر كتب التاريخ، أن هذه المنطقة كان تسمى قرية «أم دنين»، وعندما تولى الأمير أبو بكر محمد بن طغج الإخشيدي رأس الدولة الاخشيدية حكم مصر عام 935م قام بتعمير أرضها وأنشأ بستانا سمي «البستان الكافوري»، أما الخلفاء الفاطميون فاتخذوا من الفجالة مقرا للهو، فبنوا فيها المناظر وغرسوا البساتين، بل أنشأوا السراديب تحت الأرض تصل من الأزهر حتى الفجالة، كي لا يراهم عامة الشعب عند ذهابهم للهو، ويعتبر الأمير المملوكي سيف الدين المهراني، أول من بنى جامعًا وعمارة ودارا ومسكنا بالقرب من الفجالة وسماها منشأة المهراني، ولا تزال أحد حارات الفجالة تحمل اسمه. سبب التسمية أطلق اسم الفجالة الحديثة على هذه المنطقة منذ نحو مائتي عام؛ لشهرة أرضها بزراعة الفجل، وكانت إلى عهد قريب من أكثر المناطق ازدحاما بالمسيحيين، ويرجع ذلك إلى عائلة قطاوي اليهودية التي كانت تمتلك أرضا هناك فباعوها لبعض أعيان الاقباط، ثم جاء بعد ذلك قرار الخديو إسماعيل بإنشاء سكة الفجالة لتكون نقطة تحول في تاريخ المنطقة وينتقل إلى عصر جديد ومكانه جديدة ويمتد الشارع الآن من ميدان رمسيس إلى شارع بورسعيد. تراجع ثقافي ومع مرور السنون، شهد الشارع تحول دراماتيكي، ربما كشف عن تحولات سياسية واجتماعية خطيرة حاقت بتفكير تجار الفجالة، فالشارع الذي كان ممتلئا بباعة الكتب لم يعد فيه سوى أربع مكتبات فقط تقف في استحياء على رأس الشارع، تتحول تدريجيا من بيع الكتب إلى بيع ملخصات المواد المدرسية والأقلام والكشاكيل والكراريس والأدوات المدرسية الاخرى، لتطوى معها تاريخ شارع كان أحد أهم صناع النهضة الثقافية في مصر.