القاضي والسلطة ..خطان متوازيان لايلتقيان إلا إذا استطاع احدهما إخضاع الآخر والسيطرة عليه ..حالة خطيرة تلك التي تقف فيها السلطة القضائية علي حافة الجبل، ويكون مطلوبا ان تبقي احدي السلطتين . قاض وسلطان وبينهما شعب حائر يعلم انه اذا انحاز للسلطان وترك القضاة يذبحون سيكون هو الضحية القادمة ..ويعلم ايضا انه اذا انحاز للقضاة وخاصم السلطان فإنه لن يفلت من ظلمه الذي سيكون بلا رادع مشهد عبثي يحاول فيه تيار سياسي ان يلغي آلاف السنين من استقرار نظام العدالة في مصر حتي لو كان هناك نماذج شوهت هذا الاستقرار .. اتي الاخوان الي السلطة وهم يعلمون ان هناك مؤسسة قضائية راسخة منذ ايام الفراعنة .. تميزفيها النظام القضائي بعدة خصائص تدل بوضوح علي تقديس المصريين لفكرة العدالة ، ذلك لأن المصريين القدماء كانوا يقدسون العدالة بل جسدوها كإله أسموه «ماعت «كان له فعل السحر علي القضاة . ولذلك وضعوا شروطا صارمة فيمن يتولي القضاء .وكان القضاء مجانيا وذلك لأن العدالة في مصر الفرعونية كانت واجبا علي الدولة يجب عليها ان توفره دون أي مقابل ودون أن يتكلف المتقاضون أي أعباء مالية. ومع ان مصر الفرعونية كانت تقدس الملك وتعتبره إلها ..إلا ان القضاء لم يصطبغ أبدا بالصبغة الدينية، وكان ايضا القضاء موحدا لجميع المصريين فقد كانوا أمام القانون سواء . قدست مصر القضاء ودفع قضاتها علي مر العصور ثمنا غاليا لاستقلال هذة الهيئة ..التي كانت أول خطوط المواجهة اذا تعرض النظام لازمة داخلية ..ولعل ابرز هذة النماذج هو ماحدث للقضاة بعد هزيمة يونيو 1967 ..هذه المذبحة التي نفذت في 31 أغسطس 1969 وتم خلالها عزل رئيس محكمة النقض، وأكثر من نصف مستشاريها وكان عدد القضاة المعزولين مائتي قاضٍ من القضاة المتمتعين بحصانة عدم القابلية للعزل، بغير الطريق التأديبي طبقاً للقانون، وكان السبب وراءها هو هزيمة يونيو 1967 وما تبعها من آثار نفسية وعصبية علي القيادة السياسية، وعلي من كانوا علي صلة بها من أعضاء التنظيم السري الطليعي في الاتحاد الاشتراكي، و كان بعض رجال القضاء ومجلس الدولة منخرطين في هذا التنظيم، وبدأوا في إثارة غضب الرئيس جمال عبدالناصر ضد القضاة. وفي الوقت ذاته كان الرئيس عبدالناصر يلح علي المستشار عصام حسونة وزير العدل أن يشكل تنظيماً سرياً من القضاة!! وكان الوزير غير مقتنع بهذه الفكرة لتعارضها مع أخلاق القضاة، فكلف عبدالناصر وزير الداخلية شعراوي جمعة بتشكيل جماعة قيادية لهذا التنظيم، فشكلها من عدد من رجال القضاء ومجلس الدولة وإدارة قضايا الحكومة والنيابة الإدارية، واسماهم هيئات قضائية، وهي واقعة حدثت لأول مرة في تاريخ القضاء المصري منذ نشأته وحتي وقعت هذه الكارثة التي أطلق عليها مذبحة القضاة. والمواجهة التي تصاعدت مؤخرا وارتفع دخانها في الافق بين الرئيس الذي تعهد باحترام القضاء ومؤسساته وبين النائب العام والتي انتهت –مؤقتا بالترضية – لن تنتهي ولكن ماحدث هو بداية لمعركة قادمة كانت الجماعة ترتب لها منذ فترة ..بدأت منذ ان فرضت الجماعة منطق الجلسات العرفية لمعالجة كوارث الهجوم علي الكنائس وتهجير الأسر المسيحية في الصعيد والاسكندرية وسيناء ..وتكشفت بصورة واضحة ما أعده مجلس شعب الإخوان المنحل من مشروع قانون يلغي المحكمة الدستورية العليا لتنفرد الجماعة بالبلاد دون وجود اي هيئة ترد طغيانها المرشد يريدها فوضي ...ويريدها ايضا «عرفية» فقد شهد محمد بديع المرشد العام ل «الإخوان المسلمين» منذ شهور حفل تخريج دفعة جديدة من مدرسة «الصلح» التابعة لقسم البر» بالجماعة حيث تم تخريج 110 قضاة عرفيين من محافظتي الشرقية وكفر الشيخ. ودعا بديع في كلمته وقتها القضاة الجدد إلى الصلح والإصلاح بين الناس، وخاطبهم قائلاً «إن المهمة التي أنتم مكلفون بها هي أغلى ما في الأرض» وقال ان شعار «الإسلام هو الحل» كفيل بحل جميع القضايا والمشاكل التي تعاني منها البشرية، وشدد على أن القرآن الكريم والشريعة الإسلامية وضعا ضوابط وحلولا لجميع المشكلات والقضايا التي يواجهها الناس، وحمل بديع النظام السابق المسئولية في ازدحام المحاكم بملايين القضايا المتراكمة. ولم يكن عبد الرحمن البر عضو مكتب الإرشاد والمشرف على قسم «البر « بالجماعة بعيدا عن مرشده، فقد انتقد وضع قوانين قال إنها تدمر الحياة الاجتماعية وعلى رأسها قوانين الأسرة والطفل وقوانين الأحوال الشخصية، موضحا أن الحكم الشرعي والعرفي هو الذي يتحرى الحق ويريح كل المتخاصمين. مدارس «الصلح» التي تجهزها الجماعة ليست وليدة اليوم بل أنشأها «الإخوان» منذ اكثر من عشر سنوات، ويزعم الاخوان في كل محفل ان هذه المدارس تطبق شرع الله وأن القضاة الذين يتخرجون فيها يعملون وفقا لشرع الله القاضي والديكتاتور ..مشهد ربما حسمه الصلح المؤقت ..ولكن مافي القلب سيظل في القلب ..فالجماعة لن تتنازل عن مخططها لاخونة القضاء..ثم تحويله الي قضاء شرعي يحكم باموال النفط وتعليمات مولانا المرشد .