يبقى العامل دائما وأبدا هو "الحلقة الأضعف" في مصر، إذا تعثر صاحب المصنع، أو ساءت علاقته بالحكومة، لا يتوانى عن طرده إلى الشارع، يواجه مع أسرته "ضياعا محتوما"، وينتقل تلقائيا إلى قوائم المتعطلين عن العمل، وإلى طابور الفقراء، الذي يفوق نهر النيل طولا، بحسب أحدث تقارير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، والذي كشف عن زيادة جديدة في عدد من يقبعون تحت خط الفقر. مصر تعانى من أزمة اقتصادية خانقة، لها أسبابها المعروفة للقاصى والدانى، ولا يخطئها كل ذى عينين، تنعكس آثارها السلبية، على فئات وقطاعات كبيرة، ما يتسبب في إغلاق مئات المصانع، وتشريد آلاف العمال، في وقت لا تملك فيه الحكومة رفاهية مد يد العون لهؤلاء المغضوب عليهم من العمال المشردين، كما لا يمكنها مساعدة أصحاب هذه المصانع، بالشكل الذي يمكنهم من إعادة الحياة إليها، واستعادة العمال مرة أخرى، فضلا عن "فخ الابتزاز" الذي يقع فيع نفر من المستثمرين، الذين يتعاملون مع العمال باعتبارهم "ورقة ضغط" على الحكومة لابتزازها والحصول على أكبر قدر من الاستفادة غير المستحقة. قد لا تبدو المعلومات المتوافرة عن رقم المصانع التي أوصدت أبوابها منذ ثورة 25 يناير 2011 حتى الآن، ولا عدد العمال التي لفظتهم، دقيقة، حتى أن الجهات الحكومية التي خاطبناها للحصول على الأرقام الصحيحة، قدمت لنا تقارير متضاربة وأرقاما متفاوتة، ولكن الذي لا شك فيه، ولا يحتمل اختلافا أن هناك أزمة حقيقية، تضرب بقوة في جسد وطن منهك اقتصاديا، لم يعد أمامه وسيلة لتدبير احتياجاته الأساسية، سوى اللجوء لصندوق النقد الدولى مقترضا، في ظل الموت الإكلينيكى لقطاع السياحة، وجنون الدولار، وأسباب أخرى لا تعلمونها، الله يعلمها. بعض الإحصاءات تشير إلى أن عدد هذه المصانع يقترب من 4500 مصنع في 74 منطقة صناعية، في حين يقدرها تقرير لاتحاد العمال ب8222 مصنعًا، فيما ترى دراسة أعدها اتحاد المستثمرين أنها 1500 مصنع، يتركز 40% منها في قطاع الغزل والنسيج والملابس الجاهزة،أما اتحاد الصناعات فيقدر عدد المصانع المتعثرة في بر مصر بنحو 7 آلاف مصنع كان يعمل بها قرابة مليونى عامل، توقفت حياتهم تمامًا، بعد أن فقدوا مصدر رزقهم الأساسى والوحيد، وضاعت استثمارات تبلغ قيمتها 35 مليار جنيه، بحسب تقرير صادر عن الاتحاد. اتحاد الصناعات اتفق في تقريره مع الاقتصاديين والمراقبين، بشأن أسباب هذا التعثر والتي تشمل: الركود الاقتصادى الشديد خلال السنوات الماضية، والإغراق المتعمد من الأسواق الخارجية بمنتجات منخفضة الأسعار رديئة المواصفات، وارتفاع أسعار الخامات، فضلا عن الشروط المتعسفة التي تضعها البنوك لتمويل أصحاب هذه المصانع، وغياب الدور الحكومى في حماية هذه المصانع، والعاملين فيها من خلال تيسير الإجراءات والقروض وجدولة الديون، كما أوصى الاتحاد في تقريره بضرورة إنشاء صندوق يتم تمويله ب 3 مليارات دولار من المنح والمساعدات الأجنبية لإقالة هذه المصانع من عثرتها، عبر آليات متنوعة، وحتى لا تتسع رقعة المصانع المغلقة، ومن ثم تزداد وتيرة تشريد العمال الذين لا يشعر بهم أحد، على كثرة أعدادهم، رغم أنه من السذاجة أن تتجاهل الحكومة ردود الفعل التي قد يقدمون عليها من الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات، سواء التي يتم دفعم إليها دفعا من خلال أصحاب المصانع، أو التي قد تدفعهم ظروفهم الصعبة إليها لإثارة الانتباه إليهم، والخياران كلاهما مُرّ.