غارات وقصف مدفعي إسرائيلي على جنوبي وشرقي غزة    التعليم: عقد اختبار تجريبي لطلاب الصف الأول الثانوي في مادة البرمجة عبر منصة كيريو    الحكم على 10 متهمين بخلية هيكل الإخوان الإداري بالتجمع اليوم    بدون محمد صلاح، ليفربول ضيفا ثقيلا أمام إنتر في دوري الأبطال    وزراء الصناعة والتموين والاستثمار يفتتحون الدورة العاشرة لمعرض "فوود أفريكا" اليوم الثلاثاء    أسعار الذهب في محافظة أسوان اليوم الثلاثاء 9 ديسمبر 2025    مواعيد القطارات المتّجهة من أسوان إلى الوجهين القبلي والبحري الثلاثاء 9 ديسمبر 2025    خلال 24 ساعة.. ما هى تفاصيل اقتراب العاصفة "بايرون" من الشرق الأوسط؟    لقاءات دينية تعزّز الإيمان وتدعم الدعوة للسلام في الأراضي الفلسطينية    تحت شعار لا بديل عن الفوز.. اليوم منتخب مصر يواجه الأردن في ختام مباريات المجموعة    طقس اليوم الثلاثاء.. اضطرابات جوية حادة تعطل الدراسة    وزير المالية الأسبق: لا خلاص لهذا البلد إلا بالتصنيع.. ولا يُعقل أن نستورد 50 ل 70% من مكونات صادراتنا    للعلماء وحدهم    العطس المتكرر قد يخفي مشاكل صحية.. متى يجب مراجعة الطبيب؟    المصريون بالخارج يواصلون التصويت في ثاني وآخر أيام الاقتراع بالدوائر الملغاة    الخشيني: جماهير ليفربول تقف خلف محمد صلاح وتستنكر قرارات سلوت    برلمانيون ليبيون يستنكرون تصريحات مجلس النواب اليوناني    أسعار الأسماك والخضروات والدواجن اليوم 9 ديسمبر    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 في القاهرة والمحافظات    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    فلوريدا تصنف الإخوان وكير كمنظمتين إرهابيتين أجنبيتين    عوض تاج الدين: المتحور البريطاني الأطول مدة والأكثر شدة.. ولم ترصد وفيات بسبب الإنفلونزا    محمد أبو داوود: عبد الناصر من سمح بعرض «شيء من الخوف».. والفيلم لم يكن إسقاطا عليه    الرياضة عن واقعة الطفل يوسف: رئيس اتحاد السباحة قدم مستندات التزامه بالأكواد.. والوزير يملك صلاحية الحل والتجميد    أحمديات: مصر جميلة    من تجارة الخردة لتجارة السموم.. حكم مشدد بحق المتهم وإصابة طفل بري    تعرف على عقوبة تزوير بطاقة ذوي الهمم وفقًا للقانون    أونروا: اقتحام مقرنا بالقدس تصعيد خطير ولن ينهي قضية اللاجئين    بفستان مثير.. غادة عبدالرازق تخطف الأنظار.. شاهد    خيوط تحكى تاريخًا |كيف وثّق المصريون ثقافتهم وخصوصية بيئتهم بالحلى والأزياء؟    "محاربة الصحراء" يحقق نجاحًا جماهيريًا وينال استحسان النقاد في عرضه الأول بالشرق الأوسط    الأهلي والنعيمات.. تكليف الخطيب ونفي قطري يربك المشهد    هل يجوز إعطاء المتطوعين لدى الجمعيات الخيرية وجبات غذائية من أموال الصدقات أوالزكاة؟    كرامة المعلم خط أحمر |ممر شرفى لمدرس عين شمس المعتدى عليه    الصيدلانية المتمردة |مها تحصد جوائز بمنتجات طبية صديقة للبيئة    المستشار القانوني للزمالك: سحب الأرض جاء قبل انتهاء موعد المدة الإضافية    حذف الأصفار.. إندونيسيا تطلق إصلاحا نقديا لتعزيز الكفاءة الاقتصادية    الصحة: جراحة نادرة بمستشفى دمياط العام تنقذ حياة رضيعة وتعالج نزيفا خطيرا بالمخ    طليقته مازلت في عصمته.. تطور جديد في واقعة مقتل الفنان سعيد مختار    حظك اليوم وتوقعات الأبراج.. الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 مهنيًا وماليًا وعاطفيًا واجتماعيًا    جريمة مروعة بالسودان |مقتل 63 طفلاً على يد «الدعم السريع»    رئيسة القومي للمرأة تُشارك في فعاليات "المساهمة في بناء المستقبل للفتيات والنساء"    نائب وزير الإسكان يلتقي وفد مؤسسة اليابان للاستثمار الخارجي في البنية التحتية لبحث أوجه التعاون    رئيس مصلحة الجمارك: انتهى تماما زمن السلع الرديئة.. ونتأكد من خلو المنتجات الغذائية من المواد المسرطنة    إحالة أوراق قاتل زوجين بالمنوفية لفضيلة المفتي    أفضل أطعمة بروتينية لصحة كبار السن    تحرير 97 محضر إشغال و88 إزالة فورية فى حملة مكبرة بالمنوفية    مراد عمار الشريعي: والدى رفض إجراء عملية لاستعادة جزء من بصره    جوتيريش يدعو إلى ضبط النفس والعودة للحوار بعد تجدد الاشتباكات بين كمبوديا وتايلاند    وزير الاستثمار يبحث مع مجموعة "أبو غالي موتورز" خطط توطين صناعة الدراجات النارية في مصر    محافظ سوهاج بعد واقعة طلب التصالح المتوقف منذ 4 سنوات: لن نسمح بتعطيل مصالح المواطنين    علي الحبسي: محمد صلاح رفع اسم العرب عالميا.. والحضري أفضل حراس مصر    إبراهيم صلاح: جيلي مختلف عن جيل الزمالك الحالي.. وكنا نمتلك أكثر من قائد    مجلس الكنائس العالمي يصدر "إعلان جاكرتا 2025" تأكيدًا لالتزامه بالعدالة الجندرية    أفضل أطعمة تحسن الحالة النفسية في الأيام الباردة    كيف تحمي الباقيات الصالحات القلب من وساوس الشيطان؟.. دينا أبو الخير تجيب    إمام الجامع الأزهر محكمًا.. بورسعيد الدولية تختبر 73 متسابقة في حفظ القرآن للإناث الكبار    لليوم الثالث على التوالي.. استمرار فعاليات التصفيات النهائية للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة فلاحى.. وتحدي

«البركة فى البكور» .. ليس مثلا يقال بل هو نظام حياة، وقانون يحكم واقع الفلاح المصرى؛ فالرحلة إلى الأرض المروية بدماء الجهد وعرق التعب تبدأ فى الخامسة صباحا، وتنتهى مع مغيب الشمس، وما بين الشروق والغروب عمل متواصل تعلن عنه سواعد أضناها الكلل، وأكل منها الفأس أكثر مما أكلت منه.
فى قرية «تونا الجبل» إحدى قرى الجنوب بمحافظة المنيا، قضت « فيتو» يوما مع الفلاحين. بدأ فى الخامسة صباحا وفقا لقانون عائلة «الصباروة» وانتهى فى السابعة من مساء نفس اليوم، وهم يرفعون شعار « فى الصيف الكل يعمل» فالأطفال يستيقظون فى نفس التوقيت تماما من أجل مساعدة آبائهم فى مهام الزراعة ورعاية الأرض والمواشى.
مع الخامسة والنصف صباحا، وبعد تناول إفطار خفيف عادة لا يتغير، اتجه الجميع إلى الأرض يقطفون ثمار الطماطم ليعبئوها فى أقفاص ويبيعوها لتجار الجملة،أما الابن الأصغر رضا وهو طفل لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره فكانت مهمته رعاية المواشى ونقلها من مكان مبيتها إلى مكان مخصص لها فى الغيط لتتعرض للشمس والهواء النظيف حتى لا يصيبها المرض،، ثم تقديم الأكل لها والمكون من «الجراوى» وهى من نباتات الذرة الشامية فى الصيف، ومن البرسيم فى الشتاء.
بعد متابعتى لعمل رضا قررت أن أرصد عمل باقى أفراد العائلة وهم يقومون بجمع الطماطم، الكل يعمل دون كلل وظهورهم فى انحناء مستمر حتى يخيل إليك أن تلك هى أوضاعهم الطبيعية، يمر العمل بطيئا رغم نشاطهم، يحاولون كسر الملل بالقفشات والضحك المستمر، أثناء العمل تطرقنا إلى الحديث عن مشكلة الأسمدة والكيماوى الذى تحتاجه الأرض، بدت على الجميع علامات الحزن الممزوجة بالسخرية عند ذكر الأسمدة الكيماوية، وبدا أنها واحدة من المشاكل الكبرى التى يواجهونها، فبحسب المعلومات التى تدفقت من أفواه الجميع؛ فإن الفدان يحتاج إلى 10 «شكاير» كيماوى , فى حين أن بنك التنمية والائتمان الزراعى بالقرية يوفر لكل صاحب حيازة 5 «شكارات» فقط، وعلى كل فلاح أن يؤمن الباقى من السوق السوداء التى يصل فيها سعر «الشكارة الواحدة إلى 170 جنيها مع أن سعرها فى بنك التنمية لا يتجاوز 75 جنيها.
الحديث مع عائلة الصباروة تطرق إلى الغش فى التقاوى الذى يؤدى إلى ضعف المحصول ويخفض من إنتاجية الفدان خاصة فى السلع الأساسية مثل القمح والذرة الشامية، وأشاروا إلى أن بعض العاملين بالجمعية الزراعية وبنك التنمية والائتمان الزراعى يقومون بتعبئة أكياس التقاوى فى الذرة الشامية بذرة عادية ويبيعونها على أنها من إنتاج وزارة الزراعة، مستغلين فى ذلك امتلاكهم لأكياس مشابهة لأكياس التقاوى المنتجة من قبل وزارة الزراعة، ويبيعونها بأغلى الأسعار، حتى إن كيس التقاوى للذرة الشامية يصل سعرها إلى 275 جنيها ويحتاج الفدان فى زراعته من 2-3 أكياس، وتقاوى القمح يتراوح الكيس بين 180- 200 جنيه ويحتاج الفدان إلى ثلاثة أكياس لزراعته.
فى العاشرة والنصف صباحا جلسنا للراحة وتناول وجبة الإفطار والتى يطلقون عليها «شاى الضحى» وتتكون عادة من العيش البلدى والطعمية بجانب الشاى، أثناء الإفطار خطر على ذهنى سؤال فبادرت به وقلت: ما تأثير نقص كمية السولار عليهم كمزارعين؟ الجميع أظهر أسفا بالغا وقالوا «من غير المعقول أن تكون قرية بحجم قريتنا فى حيازتها آلاف الأفدنة ولا تكون لها حصة ثابتة من السولار الذى نعتمد عليه فى تشغيل ماكينات الرى الأمر الذى يجعلهم يلجأون إلى شراء السولار من السوق السوداء والتى يصل سعر الصفيحة بها إلى 50 جنيها، ويحتاج الفدان إلى صفيحة فى كل مرة وهو يروى كل 10 أيام، ومن لا يملك ماكينة رى يروى الفدان بالإيجار ويتكلف عليه فى كل مرة 75 جنيها بواقع 3 جنيهات عن القيراط الواحد، وهذا يزيد من تكلفة إنتاج الفدان ويزيد من أعباء المزارع الصغير.
مع العودة إلى العمل تساءلت عن السبب وراء تقلص المساحات المزروعة بالذرة الشامية فى مقابل المساحات المزروعة بالخضراوات كالطماطم والخيار والفلفل والشطة والباذنجان، والشهد والسمسم أكدوا لى أن الحكومة السبب فى ذلك، لأنها لا ترعى مثل تلك المحاصيل، فلا يوجد إشراف نهائى من قبل وزارة الزراعة على تلك المحاصيل، كما أن ارتفاع أسعار السولار والنقص فى السماد الكيماوى، وارتفاع القيمة الإيجارية للأرض والتى وصلت إلى خمسة آلاف جنيه للفدان، فضلا عن تباطؤ بنك التنمية والائتمان الزراعى «الجهة الحكومية» فى شراء محصول القمح من الفلاحين بأسعار تعوض الإنفاق، وإصرار الحكومة على شراء القمح بثمن بخس، وعدم رغبة البنك فى شراء الذرة الشامية إلا من كبار المزارعين المتعاقدين مع المطاحن، أدى ذلك إلى إحجام الفلاحين عن زراعة القمح والذرة الشامية إلا بكميات تكفي حاجاتهم السنوية، واتجهوا إلى زراعة المحاصيل الثانوية على اعتبار أنها أكثر ربحية.
مع الظهيرة توقف الجميع عن العمل، لأنهم كانوا قد انتهوا من جمع محصول الطماطم، وأيضا لحلول وقت الغداء، جلسنا جميعا فى ظلال شجرة الجميز لتناول وجبة الغداء التى كانت تتكون من الجبن الفلاحى ، مع العيش « البتاو» والباذنجان المشوى على نيران البوص والفلفل الأخضر والطماطم والخيار الطازج، تناول الجميع غداءه، ثم شربنا الشاى، وبعدها أخذ كل واحد منا جانبا ليرتاح قليلا وقت القيلولة.
قبل آذان العصر يستيقظ الجميع ويوقد أحدهم النار ليسوى شاى العصارى، بعدها انتقلنا إلى مكان البرسيم الذى تم حصده منذ فترة طويلة، حتى جفت سيقانه و أوراقه تمهيدا لدراسة واستخراج حبات التقاوى التى ستتحول فى الشتاء القادم إلى برسيم أخضر، وبعد انتهاء الامر مع آخر شعاع للشمس، انتقل الجميع إلى «الحوش» حيث تقبع البهائم فى المنزل، إيذانا بانتهاء يوم شاق من عمر فلاح مكافح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.