أم كلثوم أحيت ليالى رمضان فى بيوت الأثرياء هو رائد الدراما التاريخية فى العالم العربى, كتب أول أعماله التاريخية عن المناضل سليمان الحلبى، وقيل وقتها إن النضال العربى بدأ بسليمان الحلبى، وكذلك الدراما التاريخية بدأت به.. إنه الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن الذي التقت به «فيتو» فراح يحكى ذكرياته حول الشهر الكريم وتحدث عن عادات المصريين قبل ثورة يوليو وخصنا بأسرار تنشر لأول مرة عن مسلسل بوابة الحلوانى فإلى الحوار . هل لديك تفسير لتميز رمضان فى مصر عن كل الدول الأخرى؟ سافرت لبلاد كثيرة خلال شهر رمضان، ولم اجد مظاهر احتفال بالشهر الكريم مثل الموجودة فى مصر ، فهى وبحق لا مثيل لها فى اى دولة فى العالم وهذه الاحتفالات احد الجينات المصرية المتوارثة منذ ايام الفراعنة، فهى بالفعل سمة فرعونية قديمة، وعندما دخل الاسلام مصر واقبل عليه المصريون بدأت الاحتفالات تتجه للمظاهر الاسلامية، وخاصة فى رمضان، ووصلت الى ذروتها مع الدولة الفاطمية التى سمحت بها، واطلقت لها العنان فأعادت ما هو اصيل فى المصريين ولم تكن خاصة بالخلفاء وقادة الدولة الفاطمية . وماهى ذكرياتك مع الشهر الكريم ؟ .. هى ذكريات عديدة ويعود بعضها لايام الطفولة حيث كنا نستقبل هذه المظاهر لاول مرة واذكر ونحن فى مدينة الفيوم وكان عمرى وقتها خمس سنوات وكان والدى ضابط شرطة وبحكم مهنته كنا نتنقل بين محافظات مصر وهو ما اتاح لى رؤية مصر من شمالها لجنوبها فى سن مبكرة والمهم اننى صادفت اطرف شحات فى حياتى وكان يمر يوميا فى شهر رمضان قبل مدفع الافطار بساعة تقريبا وينشد قائلا «لله يا محسنين لله طبق ملوخية لله وحتة لحمة لله» وكنت اعشقه وبمجرد سماع صوته اجرى لكى اراه وكنت احمل اليه طبق الملوخية واللحمة قبل اذان المغرب وكنت اطلب من والدى ان يطبخ كل يوم ملوخية لكى احمل الى صديقى الشحات ما يطلبه . وهل هناك ذكرى اخرى مازالت ماثلة فى ذهنك للآن ؟ .. نعم وهى خاصة بالمسحراتى فنحن تنقلنا لكل المحافظات ورأينا كل المسحراتية ولفت انتباهى انهم يعرفون كل اسماء الناس وكنا شغوفين لسماع طبلة المسحراتى وهى توقظنا من احلى نومة لكى نتناول السحور حتى نكون قادرين على الصيام وما يسترعى انتباهى هو ان الانسان يكون سعيدا بالمسحراتى الذى يدق على الطبلة حتى يوقظه من نومه فى ليل رمضان ولا يتقبل ان يوقظه احد من نومه فى الشهور الاخرى مهما كان السبب . وماهى عادات المصريين فى رمضان فى بداية القرن العشرين؟ .. فى حقيقة الامر المصريون هم الشعب الوحيد الذى يتجمع فيه الجميع على مائدة الافطار والسحور ونحن الشعب الوحيد الذى يتسحر معا وكانت الطبقة المتوسطة والعليا فى مصر قديما تتفق مع احد المقرئين لإحياء ليالى رمضان بقراءة القرآن حيث لم تكن الاذاعة قد بدأت ولم يكن هناك تليفزيون ولا مسلسلات او فوازير كما يحدث الآن وكان المقرئ يبدأ قبل أذان المغرب ويتوقف مع الاذان ليتناول الجميع الافطار وبعد ذلك يبدأ فى قراءة القرآن مرة اخرى وعند الساعة الحادية عشرة ليلا يبدأ فى انشاد التواشيح الدينية والمدائح النبوية ومع الساعة الثانية صباحا يبدأ فى غناء الاغانى العاطفية حتى السحور وكانت البيوت الكبيرة تخصص غرفة للمقرئ خلال شهر رمضان ليقيم فيها اقامة دائمة طوال الشهر الكريم . وهل تتذكر أهم الذين كانوا يقومون باحياء هذه الليالى الرمضانية ؟ .. نعم فاشهر من كان يقوم بها الشيخ زكريا احمد واسماعيل سكر وكانت ام كلثوم تقوم باحيائها فى بدايتها وكان محمد عبد الوهاب يحيى ليالى الامراء فى الشهر الكريم وخاصة فى قصر الامير محمد على بالمنيل وقصر الامير يوسف كمال وهو القصر الذى تحول الى كلية الفنون الجميلة فيما بعد وهكذا كانت بيوت الامراء والبشوات فى رمضان وخاصة فيلا النحاس باشا ومحمد محمود باشا وغيرهم . وكيف اصبح الحال بعد ظهور الاذاعة ؟ .. الاذاعة فى بدايتها كانت محدودة ولم يكن كل المصريين يعرفونها ولم تنتشر الراديوهات فى بيوت الطبقة المتوسطة الا فى بداية الاربعينيات وفى هذا الوقت عرف المصريون المسلسلات الاذاعية خاصة فى رمضان ومن بينها مسلسل الف ليلة وليلة وكان يكتبها الشاعر طاهر ابو فاشا وكانت الاذاعة تطلق الخيال لعنان المستمعين ليعيشوا جو الف ليلة وليلة وبدأت تذيع اغانى كبار المنشدين والمغنيين ومنها سمع المصريون كبار المشايخ يقرأون القرآن عبر الاثير واشهرهم وقتها الشيخ محمد رفعت . وكيف تغير الوضع بعد ظهور التليفزيون ؟ .. مع بداية التليفزيون عام 1960 بدأ المشاهد يرى فوازير ثلاثى اضواء المسرح والتمثيليات التى كانت وقتها خماسيات « 5 حلقات » والسباعيات « 7 حلقات» ولم يعرف التليفزيون المسلسلات الطويلة الا مع مسلسل «القاهرة والناس» و«عادات وتقاليد» اواخر الستينيات وفى الحقيقة كان العرض شديد التوازن فالقناة الاولى كانت تعرض مسلسل او مسلسلين وكذلك القناة الثانية وكانت هناك مساحة للمتابعة افضل بكثير من الوضع الحالى الذى يربك المشاهد ويجعله يعرض عن الجميع . وماهى قصة الجزء الاول من بوابة الحلوانى وكيف منع من العرض وعاد مرة اخرى ؟ .. لهذا المسلسل قصة طريفة جدا وربما احكيها لاول مرة فممدوح الليثى كان المسئول عن قطاع الانتاج وقتها وكان فريق العمل قد انتهى من تصوير المسلسل وذهبت اليه فى لقاء رسمى لكى ارجوه ان يمنع عرض المسلسل فى رمضان وكانت وجهة نظرى ان العرض فى رمضان ضمن العديد من الاعمال لا يجعل المشاهد يتأمل فى العمل وانا كتبت بوابة الحلوانى بذهن صاف وكنت اراه عملا جادا والمهم تقبل ممدوح الليثى الامر على غير العادة وقال لى لن اعرضه فى رمضان وشكرته على ذلك ولم اكن اعرف خلفيات الموضوع التى عرفتها فيما بعد وهذه الخلفيات كانت عبارة عن تقرير رفعته احدى الرقيبات فى التليفزيون قالت فيه عن بوابة الحلوانى انه عمل ضعيف وكئيب ولا يصلح للعرض فى رمضان وهذا التقرير هو ما جعل ممدوح الليثى يرفض عرضه ويشاء الله ان تعرض المسلسلات الاخرى فى رمضان وتقابل كلها باستياء شديد من الجمهور والنقاد فسارع صفوت الشريف بالاجتماع بقيادات التليفزيون لتدارك الامر وسألهم أين مسلسل بوابة الحلوانى ولماذا لم يتم عرضه ؟ ولم يكن الشريف يعرف شيئا عن المسلسل او تقرير الرقيب فيه والمهم ان المسئولين اعتقدوا ان الشريف يريد عرض بوابة الحلوانى وتم عرضه وكنا انذاك فى يوم 11 رمضان وكان هو المسلسل الاول والاخير الذى يعرض بداية من يوم 11رمضان والغريب ان الرقيبة التى كتبت ان المسلسل ضعيف وكئيب بكت عندما شاهدته يعرض على الشاشة وذهبت الى التليفزيون تصر على وقف عرضه والحمد لله قوبل المسلسل بالاستحسان من الجمهور والنقاد خاصة وانه اثار موجة من الجدل حول حقيقة الخديو اسماعيل لأن المسلسل كشف الوجه الايجابى الذى لم تكن الناس تعرفه عنه وكيف كان هو صاحب مشروع تحديث مصر وان مشروعه لا يقل اهمية عن مشروع جده محمد على باشا . رمضان كريم كانت الطبقة المتوسطة والعليا فى مصر قديما تتفق مع احد المقرئين لإحياء ليالى رمضان بقراءة القرآن حيث لم تكن الاذاعة قد بدأت ولم يكن هناك تليفزيون ولا مسلسلات او فوازير كما يحدث الآن وكان المقرئ يبدأ قبل أذان المغرب ويتوقف مع الاذان ليتناول الجميع الافطار وبعد ذلك يبدأ فى قراءة القرآن مرة اخرى وعند الساعة الحادية عشرة ليلا يبدأ فى انشاد التواشيح الدينية والمدائح النبوية ومع الساعة الثانية صباحا يبدأ فى غناء الاغانى العاطفية حتى السحور وكانت البيوت الكبيرة تخصص غرفة للمقرئ خلال شهر رمضان ليقيم فيها اقامة دائمة طوال الشهر الكريم .