التفتيش الصيدلى: العقوبة لا تتناسب مع طبيعة الجرم عينا العدالة المعصوبتان، ورغبة المشرع الواضحة في إرساء العدل لم تستطع سد الثغرات التي تحتوي عليها القوانين، والتي يمكن أن تحيل جريمة قتل من الدرجة الأولى إلى "دفاع عن النفس" باستخدام حيلة قانونية ل"تكييف الأمر". المقدمة السابقة فرضت نفسها علينا بعد أيام قليلة من نشر "فيتو" في عددها الماضى التقرير تحت عنوان "بالمستندات.. ضبط أدوية محظورة في صيدلية نائب برلمانى"، حيث اتضح أن إدارة التفتيش الصيدلي في محافظة كفر الشيخ تمكنت من ضبط عبوات دواء "ميزوتاك" في صيدلية نائب برلماني عن دائرة الحامول، تستخدم في الإجهاض، وممنوع تداولها داخل الصيدليات ومسموح لها فقط بالوجود داخل المستشفيات الحكومية. المثير في الأمر هنا أنه بعد نشر التقرير تمكنت "فيتو" من الحصول على نسخة من الحكم الصادر في القضية رقم 7300 لسنة 2016 ضد عبد العزيز شعيشع حمودة نيابة الحامول، ليتضح في نهاية الأمر أنه تمت معاقبة "شعيشع" بتسديد غرامة قدرها 1000 جنيه بعد اتهامه بالاتجار في أدوية محظور تداولها في الصيدليات الخاصة. ووفقًا لمصادر داخل إدارة "التفتيش الصيدلي" فإن العقوبة التي تم توقيعها على النائب البرلماني المخالف لا تتناسب مع حجم الجرم المرتكب من تداول أدوية تساعد على الإجهاض غير مصرح بتداولها، فضلا عن وجود قضية مماثلة لإحدى الصيدليات في مركز فوة بجوار مركز الحامول بمحافظة كفر الشيخ، حيث ضبط التفتيش الصيدلي لديها شريط "ميزوتاك" وأدوية أخرى مهربة وتم الحكم عليها في القضية بالسجن لمدة عام وغرامة 30 ألف جنيه وفي الاستئناف تم تأكيد الحكم..! ال 1000 جنيه غرامة على "شعيشع" دفعت عددًا من موظفى إدارة التفتيش الصيدلى لتأكيد أن القانون لا يطبق بالكامل، لافتين النظر في الوقت ذاته إلى أن العقوبات المنصوص عليها في القانون رقم 127 لسنة 1955 الخاص بمزاولة مهنة الصيدلة لم تتغير منذ أكثر من 60 عامًا، وهو ما جعل القانون يحتوي على عقوبات لا تناسب الوقت الحالى. من جانبه عقب الدكتور حسام حريرة، رئيس لجنة التشريعات في نقابة الصيادلة على الأصوات التي انتقدت القانون بقوله: المسألة لا يجب أن تتوقف عند حد المطالبة بتعديل مواد القانون، لكن يجب أولا تأكيد أن يتم تطبيق المواد على الجميع دون استثناء، بجانب العمل على إيجاد وخلق منظومة رقابية مشددة للتطبيق سواء على تجارة الأدوية المهربة أو سلاسل الصيدليات أو بيع الأدوية في العيادات، فكلها جرائم يعاقب عليها بالقانون بالحبس والغرامة المالية لكن على أرض الواقع لا يتم تطبيقها. وعن موقف نقابة الصيادلة من هذا الأمر كشف "حريرة" أن "لجنة تشريعات الصيادلة قدمت مشروعات قوانين للبرلمان لإنشاء الهيئة العليا للدواء، والتي بمجرد تطبيقها تكون مسئولة عن تنظيم سوق الدواء في مصر، بالإضافة إلى تقديم تعديل لقانون مزاولة مهنة الصيدلة، موضحًا في الوقت ذاته أن القانون يحتوي على عقوبات لا تنفذ منها على سلاسل الصيدليات التي تتهرب من الضرائب ومعروف أنها غير قانونية نظرًا لأحقية الصيدلي في امتلاك صيدليتين فقط وفقًا القانون على أن يدير واحدة منهما، بينما الوضع الآن زاد إلى 100 سلسلة، كل سلسلة تضم عشرات الصيدليات دون تطبيق القانون عليهم والعقوبة القانونية لمن يتحايل بامتلاك أكثر من صيدليتين الغرامة المالية والسجن لمدة عامين، فضلا عن ضعف التفتيش الصيدلى من قبل وزارة الصحة، حيث يوجد 5 آلاف مصنع و65 ألف صيدلية و30 ألف شركة ما بين أدوية ومستلزمات طبية في مقابل 1500 مفتش بالمحافظات، على حد تأكيده. في سياق ذى صلة، أكد الخبير الدوائي، الصيدلي هانى سامح، أن القانون الخاص بمزاولة مهنة الصيدلة وقانون قمع الغش والتدليس يحتويان على عقوبات مشددة تصل إلى الحبس وغلق المؤسسة الصيدلية وإلغاء الترخيص، لكن لا يتم اللجوء إلى هذه المواد وتطبيقها بصورة جيدة، ويتم الاستعانة بالعقوبات الأقل المنصوص عليها في قانون مزاولة المهنة، مشيرا إلى أنه في حالة الاتجار في أدوية تؤدى إلى الإجهاض، وثبت ذلك ينص قانون العقوبات المصري في المادة 161 والمادة 164 كل من أسقط امرأة عمدًا بإعطائها أدوية تؤدى للإجهاض يعاقب بالحبس وإذا كان المسقط صيدليًا يعاقب بالسجن المشدد. "سامح" أضاف قائلا: العقوبات المنصوص عليها في القانون تحتاج إلى التغليظ من خلال زيادة عدد السنوات في السجن، فضلا عن زيادة الغرامات المقررة وتطبيق كل المواد المنصوص عليها في القانون بالكامل من خلال سحب الترخيص أو غلق المؤسسة الصيدلية، ويجب أن نأخذ في الاعتبار أيضًا أن قانون مزاولة مهنة الصيدلة يضم غرامات هزيلة، منها ما يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين وبغرامة لا تزيد على مائتى جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين ضد كل من مارس مهنة الصيدلة دون ترخيص أو استعار اسم صيدلي أو فتح صيدلية بطريق التحايل وفق المادة 78، بينما المادة 81 يعاقب بالغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تجاوز 50 ألف جنيه كل من جلب أو تاجر أو عرض للبيع أدوية ومستحضرات لم يصدر قرار عن وزير الصحة باستعمالها، بالإضافة إلى الغلق مدة لا تقل عن 3 شهور ولا تزيد على سنة، ووفقًا للمادة 83 من القانون ذاته فإنه يعاقب كل من يخرج أدوية خارج البلاد دون الالتزام بالقواعد بغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تجاوز 1000 جنيه.