الأغنية الشعبية تاهت وسط حفلات مزاج «التعري والشعللة» من وحي ضحكة الحواري، ودمعة الأزقة، نبتت بذرة الأغنية الشعبية، ثم شقت طريقها إلى سماء الغناء، حاملة على فروعها ابتسامات المصريين وآلامهم، وتمكن مؤلفو تلك الأغنيات على مدى عشرات السنوات، من حمل هموم وأفراح البسطاء على أكتاف كلماتهم. لم تجلس الأغنية الشعبية على قمة هرم الطرب الشرقي بين يوم وليلة، بل أخذت مشوارًا طويلا لتحقيق ذلك، ففي ثلاثينيات القرن الماضي قدمت «نعيمة المصرية» واحدة من أشهر الأغاني الشعبية، وهي «يا بلح زغلول»، ثم حل متعدد المواهب والإمكانيات «محمد طه» صاحب ال10 آلاف موال، فنانًا مميزًا بين التأليف والتلحين والغناء، ثم «محمود شكوكو، ومحمد عبد المطلب، وكارم محمود، ومحمد رشدي»، والذين أنصتت لهم آذان «السميعة» من الطبقات الأرستقراطية والكادحة. مرت الأحداث سريعًا إلى أن جاءت فترة السبعينيات ليطل على الساحة الفنان أحمد عدوية بثوب جديد، غير من خلاله مسيرة الغناء الشعبي في مصر، واستحق بجدارة لقب «الأب الروحي» للمطربين الشعبين الذين جاءوا من بعده، رغم الانتقادات التي وجهت له واتهامه بالتسبب في انحطاط الذوق العام، خاصة بعد أغنية «السح الدح امبو» التي كانت سببًا في منع إذاعة أغانيه بالإذاعة المصرية. فترة الثمانينيات كانت مرحلة ظهور الفنان حسن الأسمر، الذي تميز بالغناء الشعبي الحزين، وتفرد بإلقاء المواويل، وفي التسعينيات ابتكر المطرب «حكيم» شكلًا جديدًا للغناء الشعبي بمزجه الموسيقى الغربية في ألحان أغانيه. وبظهور شعبان عبد الرحيم ب«حبطل السجاير» وعبد الباسط حمودة ب«أنا مش عارفني»، وسعد الصغير ب«بحبك يا حمار»، وأخيرًا «زلزال» محمود الليثي، تحول نهر الغناء الشعبي إلى مجرى مغاير تمامًا. ففي أواخر 2007 كانت البداية الحقيقية لفقدان الأمل في عودة الأغنية الشعبية لسابق عصرها الذهبي، بسطوع نجم فرق المهرجانات الشعبية، ووصول عددها خلال العام الحالي إلى 45 فريقًا، أشهرهم «المدفعجية» أو «ملوك السعادة»، والمكون من السادات الملقب ب «العالمى»، وعلاء فيفتي «الأسطورة»، وعمرو حاحا «دكتور المزيكا»، وفريق ال«8%»، لأعضائه أوكا وأورتيجا وشحتة كاريكا، وفريقي الدخلاوية، و«شوبيك لبيك» المشهورين ب«ولاد سليم اللبانين». يقترف الشباب الحاضرون لحفلات المهرجانات الشعبية، أو «الكفار بتوع ربنا» - كما يحلو لحسن شاكوش ورفيق دربه خالد مايكل توصيف المجتمعين في المهرجانات الشعبية من خلال غنائهم لمهرجان «إحنا بتوع ربنا» – أفعالًا لم يكن المجتمع المصري يألفها مثل خلع التيشيرات والرقص على أنغام الموسيقى الصاخبة، وهم عراة النصف الأعلى من الجسد، باعتبار ذلك رد فعل طبيعي ل«البور» الذي تكتسبه أجسادهم بعد سماعها لكلمات وموسيقى المهرجان.