«الحمد لله أما بعد فيا أمة الإسلام اللهم بارك لنا في رئيس جمهوريتنا وبارك لنا في رجال الأمن جميعًا وأقم الصلاة..»، إنها أقصر خطبة جمعة في التاريخ كما إرادةا صناع فيلم «صرخة نملة» التي لم يحضرها سوى الإمام وأحد المصلين -تحت سمع وبصر الأمن- الذي تعجب من انصراف الناس عن الخطبة فسأله الإمام فقال له المصلي: أقولك الحقيقة يا عم الشيخ بصراحة أنت بتطول قوى في الخطبة! فخطبة الجمعة تؤدى رسالتها المنشودة إذا كانت موجِّهة «بكسر الجيم» ولكنها تصاب بالعرج والعقم إذا كانت موجَّهة «بفتح الجيم»، فالخطبة الناجحة هي التي تنبع من مناهل الإسلام العذبة ويكون الخطيب على دراية بما تؤدى إليه كلماته، وما أكثر الخطب التي يكون موضوعها عن سماحة الإسلام مع غير المسلمين ثم يختتمها بالدعاء على اليهود والنصارى، وفى السطور التالية بعض عظماء من اعتلوا منبر خطبة الجمعة وبعض خطبهم.. من أين لك هذا؟ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه له موقفان حدثا له على المنبر فحين وقف خطيبا وقال: أيها الناس اسمعوا وأطيعوا، فقام له سلمان الفارسى يقول: لا سمع لك اليوم علينا ولا طاعة، فسأله: ولم؟ قال سلمان: حتى تبين لنا من أين لك هذا البرد «الثوب» الذي ائتزرت به، وقد نالك برد واحد كبقية المسلمين، وأنت رجل طوال لا يكفيك برد واحد، فنادي: يا عبدالله بن عمر: قال لبيك، يا أمير المؤمنين، قال: ناشدتك الله، هذا البرد الذي ائتزرت به، أهو بردك؟ قال: نعم، والتفت إلى المسلمين فقال: إن أبى قد ناله برد واحد كما نال بقية المسلمين وهو رجل طوال لا يكفيه برد واحد، فأعطيته بردى ليئتزر به. فقال: سلمان الآن مر، نسمع ونطع. والآخر حين ارتقى عمر رضى الله عنه المنبر ذات يوم وراح يقول: لا تغالوا في صداق النساء، وإنه لايبلغنى عن أحد أنه ساق أكثر من شيء ساقه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سيق إليه إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال، ثم نزل فعرضت له امرأة من قريش،فقالت: يا أمير المؤمنين لكتاب الله أحق أن يتبع أم قولك؟ قال: كتاب الله، فما ذاك؟، قالت: نهيت الناس آنفا أن يتغالوا في صداق النساء، وقال الله تعالى في كتابه: "وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا". فقال عمر رضى الله عنه: كل أحد أفقه من عمر، ثم رجع إلى المنبر، فقال للناس: إنى كنت نهيتكم أن تغالوا في صداق النساء، فليفعل كل رجل في ماله ما بدا له، فقد أصابت امرأة وأخطأ عمر. على بن أبى طالب وبراعة اللغة على بن أبى طالب أوتى براعة في اللغة جعلته يطوعها كيفما شاء ومن ذلك خطبته على المنبر ولم يتعرض لحرف الألف ومنها: «حمدت من عظمت منته وسبغت نعمته وسبقت رحمته غضبه، وتمت كلمته، ونفذت مشيئته، وبلغت قضيته، حمدته حمد مُقرٍ بربوبيته، متخضع لعبوديته، متنصل من خطيئته، متفرد بتوحده، مؤمل منه مغفرة تنجيه يوم يشغل عن فصيلته وبنيه، ونستعينه ونسترشده ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه..». وللإمام «على» أيضا خطبة كاملة تجنب فيها الحروف المنقوطة ومنها «اِعْملُوا رَحمكُمْ اللهُ أَصْلَحَ الأَعْمَالِ، وَاسْلُكُوا مَصالِحَ الْحَلاَلِ، وَاطْرَحُوا الْحَرامَ وَدَعُوهُ، وَاسْمَعُوا أَمْرَ اللهِ وَعُوهُ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ وَرَاعُوها، وَعَاصُوا الأَهْواءَ وَارْدَعُوها، وصاهروا أهل الصلاح والورع، وصارموا رهط اللهو والطمع، اسأل الله حكم أحماد وصالة، ودوام إسعاده، وأهلهم كلا إصلاح حاله، والأعداد لمآله ومعاده، وَلَهُ الْحَمْدُ السَّرْمَدُ، وَالْمَدْحُ لِرَسُولِهِ أَحْمَدَ». عز الدين بن عبد السلام.. كرامة عالم الشيخ عز الدين بن عبد السلام هو واحد من أعظم من اعتلوا منبر الخطابة وخطبته كانت تهز العروش والممالك ومن ذلك أن الملك الصالح إسماعيل الذي تولى الحكم في دمشق بعد أخيه الأشرف ارتكب خيانة كبيرة، فقد تحالف مع الصليبيين ليساعدوه ضد ابن أخيه نجم الدين سلطان مصر، فأنكر الناس ذلك، وساروا إلى العز بن عبد السلام، فأفتى بتحريم بيع السلاح للإفرنج. ولم يكتف بإصدار الفتوى، بل هاجم الصالح إسماعيل على منبر الجامع الأموى يوم الجمعة، وذمه على فعلته الشنيعة، وقطع من الخطبة الدعاء له وصار يدعو: «اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أولياؤك، ويذل أعداؤك» والناس يضجون بالتأمين والدعاء. فلما بلغه ذلك أمر بعزل ابن عبد السلام من الخطابة واعتقاله، ثم حدد إقامته في بيته، ومنعه من الفتوى والاجتماع بالناس، وأرسل إليه الصالح إسماعيل أحد خاصته يفاوضه ويلاينه ويعرض عليه البقاء، وقال له: بينك وبين أن تعود إلى مناصبك وزيادة أن تنكسر للسلطان وتقبل يده لا غير. فانتفض الشيخ قائلا: "والله يا مسكين، ما أرضاه أن يقبل يدى فضلًا عن أن أقبل يده. نجوم الخطباء الشيخ عبد الحميد كشك الذي لقب بفارس المنابر وقضى جل سنى الستينات والسبعينات في المعتقلات كان من ظرفاء من اعتلوا المنابر، فكانت له خطب لاذعة تنتقد الوضع السياسي والاقتصادى وعرفت مصر في السنوات الأخيرة عددًا من الخطباء المفوهين من بينهم الدكتور أحمد عمر هاشم والدكتور عبد الصبور شاهين والشيخ محمد الغزالى وكان لكل منهم مدرسته وطريقته في الخطبة والإلقاء وكان الناس يقصدون المساجد التي يخطبون بها للنفع من علمهم وجرآتهم في قول كلمة الحق.