في الوقت الذي تمرد الصغير علي الكبير. والأبناء علي الآباء. تمرد بعض العلماء علي قيم ومبادئ راسخة. في الوقت الذي يسعي فيه الشباب لتحطيم منظومة الأخلاق. يصعد بعض العلماء المنبر لإقرار مبدأ البلطجة وحجةالقوة لا قوة الحجة. الجمعة الماضية منع بعض منتمي السلفية خطيب مسجد الرحمن الرحيم بقرية المطاهرة القبلية مركز أبو قرقاص بالمنيا خطيب الأوقاف من صعود منبره وأخلوا الجو للشيخ محمد حسين يعقوب صاحب غزوة الصناديق. لكي يعتلي المنبر عنوة وبدون إذن من الأوقاف أو حتي خطيب المسجد. الأوقاف اعتبرت هذا السلوك اعتداء علي حق الله وحق الدولة فقامت بتحرير محضرين في الواقعة رقم "2114" ضد منع الشيخ محمد عز الدين وكيل الوزارة من ممارسة عمله وأداء خطبة الجمعة. والثاني "2115" حرره الشيخ سيد عبود وكيل وزارة الأوقاف بالمنيا ضد محمد طلعت عضو مجلس الشعب المنحل عن الجبهة السلفية لقيامه بالتعرض لعلماء الأوقاف. وغلق أبواب المسجد أمامهم وتمكين محمد يعقوب من أداء الخطبة بدلاً من علماء الأوقاف. بلطجة واضحة كما أصدرت وزارة الأوقاف بياناً وصفت فيه هذه الأفعال بالغوغائية التي لا تليق بالإسلام. ولا حتي بالأخلاق ولا بالإنسانية. فضلاً عن القيم المصرية الأصيلة. كما اتهم البيان من قام بهذا السلوك بأنهم ليسوا وطنيين ولا رجال طبيعيين ولا رجال أسوياء. ونبه البيان إلي أن هذه الجماعات متشددة خارجة علي القانون التي تعد من أهم روافد التشدد والعنف والتطرف والإرهاب وما قاموا به هي بلطجة واضحة المعالم. الشيخ محمد عبدالرازق وكيل وزارة الأوقاف لشئون المساجد والقرآن قال: ان الشيخ يعقوب أخطأ مرتين.. الأولي انه صعد المنبر بدون إذن إدارة المساجد وهي الأوقاف وإمام المسجد. والخطأ الثاني انه خالف قرار وزارة الأوقاف الذي صدر الشهر الماضي برقم 64 لسنة 2014 والذي يقضي بعدم صعود المنبر لغير الأزهريين. علاوة علي انه غير أزهري. وكان من الأفضل ليعقوب أن يلتزم بتعليمات الأوقاف وألا يعرض نفسه أو غيره للمساءلة خاصة ونحن في وقت اختلط فيه الحابل بالنابل. أضاف الشيخ محمد عبدالرازق: انه لا يجوز شرعاً أن يتقدم أحد علي الإمام الراتب في المسجد المعين من قبل وزارة الأوقاف لانها هي المسئولة من الدرجة الأولي عن نظام العمل بالمساجد. ولا يجوز أبداً أن يمكن الإمام أي أحد من المسجد إلا بإذنه كما لا يصح أن يؤم الرجل أحد في منزله إلا بإذن صاحب البيت. كشك استجاب وقبل أن يستكمل هذا التحقيق من خلال آراء العلماء والدعاء.. نذكر في هذا المقام نماذج من أدب العلماء. وعلماء الأدب. الذين عملوا بالعلم فصنع العلم من سلوكهم أخلاقاً تمشي علي الأرض.. إمام الخطباء في العصر الحديث الشيخ عبدالحميد كشك حينما منعته الدولة من الخطابة وهو الذي كان يصلي خلفه الآلاف كل جمعة. احترم قرار الدولة وإن كان يعتبره ظالماً. وكان يذهب إلي المساجد البعيدة ليصلي فيها الجمعة خلف إمام الأوقاف وحينما يدرك أن المصلين قد عرفوه.. يهرع بعيداً عنهم حتي لا يحرج نفسه ولا خطيب المسجد واستمر طوال فترة منعه علي هذا الحال ملتزماً بقوانين الدولة وإن كانت ظالمة وكان في وسعه أن يهيج الجماهير المحبة له أن ترفعه علي أكتافها وتصعد به إلي منبره ولكنه كان ذا بصيرة لا يريد فتنة في المجتمع.. رحم الله الشيخ كشك. شي الأزهر يرفض * يذكر للإمام الأكبر الشيخ عبدالحليم محمود شيخ الأزهر رحمه الله دخل ذات يوم لصلاة الجمعة بمسجد الأزهر.. وحينما شاهده خطيب المسجد تلكأ ملوحاً بأنه لا يستطيع صعود المنبر في حضور الإمام الأكبر.. لكن الامام الأكبر رفض صعود المنبر وأصر علي خطيب المسجد أن يصعد للخطبة وقال: لا يمكن ان أخطب الجمعة في حضور خطيب المسجد. * في عهد الرئيس السابق مبارك أصدر قرارا بمنع الشيخ محمد الغزالي من خطبة العيد بمسجد مصطفي محمود وكلف د. محمد عبدالوهاب رئيس وعاظ الجيزة وقتها وافتتح خطبته بالثناء علي الشيخ الغزالي قائلاً: لا يمكن أن أكون بديلاً للشيخ الغزالي ولن أكون ولكن الظروف هي التي ساقتني لألقي خطبة العيد في هذا المقام. وراح يثني علي الشيخ الغزالي الممنوع من الخطبة. كما يذكر للشيخ الغزالي انه لم يعاند أو يناطح حتي يصل لمنبر مصطفي محمود. كما لم يغضب من تلميذه الذي ألقي الخطبة في غيابه. هذا فاصل من أخلاق العلماء والدعاة. أخلاق الشعراوي أذكر لإمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي كان أكثر شهرة وشعبية من شيخ الأزهر. وأكبر منه علماً.. إلا انه حينما كان يجمعه مكان مع شيخ الأزهر يسارع بتقبيل يد شيخ الأزهر. ويصر علي هذا الخلق رغم خجل شيخ الأزهر.. وحينما سألناه عن تقبيله ليد الامام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق قال: انه شيخنا وإمامنا جميعا وله منا ومني كل الوقار والتقدير. * ذكر الشيخ أحمد مسلم رحمه الله عضو لجنة الفتوي بالأزهر السابق انه كان يعمل في بداية حياته العملية واعظاً عاماً لمركز مغاغة محافظة المنيا. وكان هذا الاقليم هو موطن الشيخ مصطفي عبدالرازق شيخ الأزهر الأسبق والشيخ علي عبدالرازق. وكانا يدعوانه لزيارتهما في قصرهما وحينما كان يحين وقت الصلاة وهو معهم بمنزلهم يقدمانه ليؤمهما في الصلاة وهما في منزلهما وهما أعلم منه وأكبر منه مكانة في الأزهر. * أذكر ونحن في أداء واجب عزاء الشيخ عطية صقر رحمه الله . جلست بجوار العالم والداعية الدكتور محمد المسير وكان متواجداً في سرادق العزاء الإمام الأكبر د. محمد سيد طنطاوي ووجدت من الدكتور المسير رغبة في القاء كلمة في العزاء وكانت هي رغبة أسرة الشيخ عطية. لكن أدب العلماء المهيمن علي كيان الدكتور المسير منعه أن يمسك بالميكروفون في حضور الامام الأكبر.. وقمت بالحصول علي إذن الامام الأكبر للشيخ المسير في القاء كلمة. وبالفعل لم يتقدم إلا بعد أن أشار له الامام الأكبر بإلقاء كلمته. رسول.. رسول الله حول هذه القضية يقول د. صبري عبدالرءوف أستاذ الفقه بجامعة الأزهر والداعية الإسلامي المشهور: ينبغي أن تقوم الدعوة إلي الله علي ما شرعه الله عز وجل. وهذا ما نراه واضحاً في قوله تعالي: "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" ولهذا وجب علي الدعاة أن يتفقهوا هذا النص القرآني. لأنه ليس بعد كلام الله عز وجل كلام كما تبين الآية أسلوب الدعوة إلي الله عز وجل "بالحكمة والموعظة الحسنة". ومادام الداعية يلتزم بما شرع الله فقد أصبح مبلغاً عن رسول الله الذي يبلغ عن الله. ومن هنا وجب احترام المبلغ لأنه رسول.. رسول الله. فمن يعتدي عليه بالسب أو الشتم أو التجريح فإنه يكون مسيئاً للرسول صلي الله عليه وسلم فالله سبحانه وتعالي يقول: "لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي" والداعية مبلغ عن النبي توجب علينا احترامه والالتفاف حوله. ومراعاة مشاعره. وألا نكون كمن أساء لرسول الله فمن أساء إلي رسول.. رسول الله فقد أساء للإسلام. فإذا دخل الداعية المسجد لأداء خطبة الجمعة أو لإلقاء درس ديني ووجد الامام الراتب موجوداً بالمسجد فالواجب علي الداعية أن يتأدب بأدب رسول الله ولا يصعد المنبر أو يجلس علي الكرسي إلا بعد أن يأذن له الإمام. لأن الامام الراتب مقدم علي الجميع وله احترامه. وتقديره. فمن اقتحم منبراً أو جلس علي كرسي الامام ويري انه أفضل الحاضرين وأعلمهم فإننا نذكره بسيدنا موسي عليه السلام حينما ظن انه أعلم أهل الأرض وقد كان علي حق لأنه النبي الذي يوحي اليه لكن الله عز وجل لقن الدعاة درساً هاماً عن طريق شخص سيدنا موسي عليه السلام. إذ أمره أن يذهب إلي عبد من عباد الله "سيدنا الخضر" ليتعلم منه. فذهب إليه وقال له في أدب جم: "هل اتبعك علي أن تعلم مما علمت رشداً" فهو لم يصحبه إلا بعد أن استأذنه فكيف لمن يصعد المنبر أو يجلس علي الكرسي بدون إذن الامام؟! صاحب البيت ويقول الداعية الشيخ عادل أبو العباس من علماء الأزهر: "الامام الراتب في مساجد المسلمين بإقرار جمهور العلماء هو رب البيت وصاحبه. ولا يجوز لأحد أن يعتدي عليه في إمامة أو خطابة أو درس علم. بل لا يجوز أصلاً أن يتكلم أحد دون إذن منه. لأنه في مقام صاحب البيت وأعلن الرسول صلي الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "لا يؤمَّن الرجل الرجل في بيته إلا بإذنه" وهذا حديث صحيح معلوم لدي العامة والخاصة. ونحن لم نسمع أو نقرأ في عهد النبوة أن اعتدي أحد علي بلال مثلاً وأخذ مكانه في الأذان رغم وجود من الصحابة من هو أندي منه صوتاً وأعلي منه حنجرة. ولم يرد في السنة المشرفة أن عمر رضي الله عنه أو أبو بكر رضي الله عنه أو غيرهما من كبار الصحابة أن قام وأذن مكان بلال. كما ان رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يعين الأئمة بقوله: "ليؤمكم اقرؤكم وفي رواية أعلمكم" فإذا وجد الأعلم فإنه لا يجوز أن يتقدم علي الامام الراتب إلا بإذنه. فهي وظيفته وعمله. فلم نسمع أن مهندساً دخل مدرسة ليقف مكان المعلم. ولم نسمع معلماً ذهب لمؤسسة هندسية ليصمم لها. فهذا الذي يحدث هو نوع من الفوضي والإساءة لبيوت الله عز وجل. ونحن نعي جيدا ان درء المفاسد مقدم علي جلب المصالح. فإذا كان من المصلحة أن يصعد آحاد الناس منبراً. ونعلم انه سيترتب علي هذا مفسده لشق صف المسلمين وحدوث فتنة فإن درء المفسدة هنا مقدم علي جلب المصلحة. ويناشد الشيخ أبو العباس الدعاة ألا يفتحوا المجال لمثل هذه الصراعات. ويقول: الخطبة ما هي إلا موعظة يستطيع أن يقولها أي إنسان فلا تحتاج إلي قوة فقه أو عظمة أداء. فليست المشكلة اليوم في الأقوال ولكن مشكلتنا في الأفعال فالكل يعلم الحلال والحرام. والخطأ والصواب لكنه العبث باسم الدين. فليس بعالم أو فقيه من يعلم أن علمه قد يقم فتنة فيصنع ما يوصل إليها. وإنما الفقيه من يسد أبواب الفتنة ويعمل بكل طاقته علي اغلاق باب شرها خاصة في مجتمع منفلت من جميع الاتجاهات.