■ لا يوجد فى مصر سوى 200 عالم.. والفقهاء يلتزمون ب«المكتوبة» حين يزورون دول الخليج ■ المذاهب ال4 اتفقت على أن حديث خطيب الجمعة لا يتعدى من جملة واحدة ل5 قبل أن أبدأ حوارى مع الدكتور سعد الدين الهلالى، أستاذ الفقه المقارن، بكلية الشريعة والقانون، جامعة الأزهر، باغتنى بسؤال،:"أنت أزهرى وابن هذه المؤسسة وتربيت فيها، فما الذى تعلمته فى الأزهر؟". لم تكن هذه هى البداية التى رسمتها فى خيالى لحوارى مع أحد أهم أساتذة الفقه المقارن، ورغم ذلك تركت أمر البداية للماضى، وقلت له: "تعلمت فى الأزهر على المذاهب الأربعة، وأن اختلاف الفقهاء فى مسألة فقهية واحدة هو رحمة للأمة وأن جميع الآراء صحيحة فى المسألة الواحدة وللمكلف الاختيار بينها". رد الهلالى:"هذا هو الحق وما كان فى عهد الرسول، وما كان عليه التعليم فى الأزهر وهذا ما تعلمته أيضاً"، ولكن المشكلة الحقيقية، فى أبناء الأزهر، تأتى بعد تحصيل العلم، وعندما يصبح أحدهم أستاذا أو إماماً أو خطيباً، فيتبنى الرأى الواحد والموقف الواحد، ويرفض ما عداه ويصطنع مواجهة، ينتصر فيها لرأى معين ويرى الباطل فى الآراء المختلفة، وتلك هى الأزمة. ومن هنا حصلت الأزمة فى صلاة الجمعة منذ عهد النبى حتى وصلت إلى الوقت الحالى وللحديث عن تلك النقطة سنتكلم على محورين الأول الأزمة، والإشكالية فى خطبة الجمعة والثانى حقيقة خطبة الجمعة، فى القرآن، وفى أحاديث الرسول وأقواله وأفعاله. كان هذا هو رد الدكتور الهلالى، الذى استقبلنا فى منزله، للرد على كثير من التساؤلات حول خطبة الجمعة، خصوصاً بعد الأزمة التى أثيرت حول الخطبة المكتوبة، والتى فجرت فتنة بين هيئة كبار العلماء فى الأزهر، الرافض للفكرة، وبين وزير الأوقاف الذى يصر عليها، والتراشق الفقهى بين الطرفين، وادعى كلاهما مسئوليته القانونية والشرعية عن الدعوة والدعاة، وأنهما مجددا الخطاب الدينى، لذا كان يجب الاستماع للأصوات المستنيرة فى الأزهر. 1- مشكلات وأزمات خطبة الجمعة فى مصر هناك أزمة ومشكلة فى خطبة الجمعة فى مصر، تجلت فى الفترة الأخيرة التى أعقبت ثورة 25 يناير، باصطناع الفرقة الدينية والسياسية وتفجير الأزمات والفتن الطائفية والسياسية ومحاولات فرض الوصايا الدينية وافتعال قضية من لا شيء، وعدم وجود أمانة فى العلم وفى نقل كل الآراء المتعلقة بالمسائل الفقهية والعقائدية، وإظهار رأى وإخفاء الآخر، رغم أن إهمال الآراء المختلفة حول قضية ما يأتى إما من جاهل أو خائن علمياً. لو تابعنا أكثر خطب الجمعة، سنجد فيها تعصباً للرأى الواحد والاستعلاء على الآراء الأخرى وغرس الفتن الطائفية والسياسية بين أبناء الوطن الواحد من مسلمين ومسيحيين، ويعتقد الخطيب أن ما يقوله فقيه بعينه هو الدين وما دونه باطل وكفر، لا يمت للدين بصلة. ويخرج خطيب الجمعة، الذى درس الرأى والرأى الآخر، فى الأزهر، على الناس ليقول رأى أحد الأئمة ويخفى آراء بقيتهم، ورغم أنه يعرف جميع الآراء بحكم دراسته لها، إلا أنه ينتصر لأحدها، ما يعتبر تحريضاً على الفتنة الطائفية أو السياسية. وهناك نوع من الدعاة يعتلون المنابر، رغم أنهم غير مؤهلين علمياً ولكن مقبولين سياسياً، من أمثال أعضاء الجمعية الشرعية وأنصار السنة المحمدية وجماعة الإخوان، وتوابعهم من السلفيين، المنتمين لمدارس مختلفة، خاصة أنهم مدعمون وممولون من الخارج، تمويلاً مادياً ومعنويا من أجهزة مخابرات أجنبية، وكانت بذرتهم الأولى فى الجمعية الشرعية، وتبعتها جمعية أنصار السنة المحمدية ثم الإخوان ومشتقاتهم. مصر لم تكن فى حاجة لتعلم الخطاب الدينى من هؤلاء، خصوصاً فى ظل وجود الأزهر منذ آلاف السنين، وكانت وظيفة خريجى الأزهر تعليم الناس الخطاب الدينى على مختلف الآراء وكنا وقتها نعيش فى عصر حر. وعندما جاءت الجمعية الشرعية، مدعومة وممولة، قالت إن مساجد المصريين، غير شرعية ومساجدها هى المساجد الشرعية، وأوهموا الناس والشباب بذلك، وأنا وقعت فى هذا الإيهام عندما كنت شاباً صغيراً خصوصا عندما قالوا إن المنبر 4 درجات فقط، ومن دون ذلك بدعة، وعندما قمت بزيارة مسجد النبى وجدت منبره الشريف، يضم 12 درجة، فهل منبر النبى ومسجده بدعة، وهناك أمور أخرى ادعوها وتوهم فيها شباب كثيرون، وعشنا فى الوهم والخرافات مدة طويلة، بجانب محاولاتهم الدائمة للتقليل من العلماء الأجلاء فى الأزهر. وهناك سبب آخر لهذه الفتنة، وهو صعود كثير من غير الأزهريين، إلى المنابر، والحاصلين على الشهادة الإعدادية، أو غير المتعلمين من الأساس، حيث كانت تلك الجمعيات والجماعات تشترط فى المتصدى للخطبة بسطة الجسم وليس العلم، وخدعوا المواطنين بالعمامة واللحية والجسم، حيث كنت تشعر أنك ترى أحد الصحابة على المنبر فاستطاعوا بذلك خطف كثير من الشباب والأطفال. أما أنصار السنة المحمدية التى ادعت وقت ظهورها بأن رسالتها هى تنقية الخطاب الدينى من الخرافات والبدع، فأخذت من الدين ما يدعم مواقفها السياسية وأخفت الآراء الأخرى، وحاربوها بزعم أنها بدعة. وجاءت جماعة الإخوان، التى اعتبرها مايسترو جميع التنظيمات واستغلوا كل ما سبق واستخدم المنابر لصالح السياسة وقالوا إن دستورها هو القرآن وأن الدستور الوضعى، باطل وغير شرعى، وأن مصر لا تطبق الشرعية. ما هى الشريعة، هل هى الأفكار الموجودة فى رءوس الشيوخ.. وإذا كانت كذلك لماذا لا يكتبوها، فيقولون إن آراء المشايخ مختلفة، ويأتى السؤال أى من آرائهم شرعى وأيهم مخالف للشريعة.. وهل فوض الله المشايخ للحديث على لسانه.. وهل فوض الله أحدا للحديث على لسانه أو دينه.. المولى عز وجل يقول: "ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون". كل ما سبق يثبت بأن لدينا مشكلة فى خطبة الجمعة منذ ما يزيد على 100 سنة، وتعقدت بشكل كبير جدا من عام 1912 حتى الآن، منذ ظهور ما يسمون بالإسلاميين الذين استخدموا الفتن الدينية والطائفية والسياسية، وحشدوا الناس وفق ما يريدون، بالإضافة لاعتلاء غير المؤهلين للمنابر من الحرفيين والبائعين الجائلين، وأصبح هناك خطاب دينى موازٍ لخطاب الأزهر وانتصر فى النهاية عليه. ولعب الجميع على الأزهر بطريقة أخرى، وهى المال، ولو عقدنا مقارنة بين المكافأة التى يحصل عليها إمام وخطيب الجمعية الشرعية ومشتقاتها فى مساجدهم، ستكون 20 ضعف ما يحصل عليه إمام وخطيب الأوقاف مقابل الخطبة فى مساجدها، ويقف وراء كل هؤلاء اللهو الخفى المسمى ب"الإخوان" وهناك سؤال "لماذا ظهروا جميعاً مع وجود الأزهر"؟ الجمعية الشرعية التى جاءت كمطية لجماعة الإخوان والسلفيين ومن يقف وراءهم نجحوا فى السيطرة على عقول المصريين والشباب، ولا يوجد بيت فى مصر، إلا وهو مبتلى بواحد أو اثنين من الذين خربت أفكار الجماعة والسلفيين، عقولهم، واستطاع هؤلاء فعل ذلك من خلال شيء واحد وهو خطبة الجمعة، لذا كان يجب إنقاذ الشعب المصرى من تخريب عقله الذى استمر لمدة 100 سنة أو يزيد. يحتاج الشعب المصرى لحمايته بأى طريقة، فوزير الأوقاف محمد مختار جمعة، يقوم بالفعل بهذه المهمة ويسير فى هذا الطريق منذ سنة تقريباً، وذلك عندما قرر توحيد الخطبة، وإعطاء عناوينها وعناصرها للأئمة والمشايخ، وللخطيب حرية تحديد متن الموضوع، ولكن خطباء الإخوان والسلفيين المخترقين لمساجد الأوقاف، مارسوا حيلاً لاستخدام الموضوعات للإشارة إلى عناصر سياسية بعينها تخدم أفكارهم وأهدافهم. فأصبح وجود العناصر والعناوين وسيلة غير فاعلة، فكان البديل الذى تقدمت به الوزارة وهو الخطبة المكتوبة التى يعدها علماء على مستوى عال جداً من الفقه، والعلم، لديهم حس بالشارع وعلى علم بكل ما يدور فيه، كما أن كتابتها تأتى لمزيد من الدقة والتدقيق وعدم السهو والضبط والإتقان لمحتواها. لكن هناك من آثار جدلاً كبيرا خصوصاً من الأئمة والعلماء الذين يعتبرون الخطبة المكتوبة نوعاً من الإملاء عليهم، ويعتبرونها نوعاً من الإهانة والنيل من مكانتهم العلمية والفقهية، وأزعم أن مصر بها 160 ألف إمام جيد ولكن العلماء منهم لا يزيدون على 200 عالم وفقيه، على مستوى عال جداً. فمثلا لو قام أحد العلماء الكبار، مثل الدكتور أحمد عمر هاشم، فارس المنبر وهو يقوم بإلقاء خطبة الجمعة مكتوبة، فتصل لخطباء المساجد فى القرى والنجوع والأحياء، ستصل الرسالة، وزير الأوقاف نفسه لم يقم بإلقاء خطبة الجمعة المكتوبة طوال عمره، ولكنه فى الفترة الأخيرة ألقاها بنفسه كى يكون قدوة للأئمة، وعليهم الاقتداء به لأن الأمر ليس فيه إيذاء نفسى أو علمى للعلماء، ومن أجل مصر والمصريين يجب أن ينحازوا لمصلحة المواطنين. ولا عيب أن يحفظ الخطيب الخطبة المكتوبة، إذا استطاع، ويلقيها من ذاكرته وأقول لكثير من العلماء الكبار الذين رفضوا فكرة كتابتها، أنهم عندما يسافرون لدول الخليج يلتزمون هناك بخطبة الجمعة المكتوبة، ويقوم بعضهم بحفظها عن ظهر قلب وتسميعها غيباً أمام لجنة الفتوى هناك قبل صعود المنبر، لماذا يعترضون عليها فى مصر، وذلك لأن الخطبة المكتوبة هى إنقاذ للشعب المصرى من السقوط فى الفهم الدينى الخاطئ، واسترداد المنبر من أصحاب الأغراض السياسية. 2- حقيقة خطبة الجمعة إذا أردت أن تتعرف عن صلاة الجمعة فارجع للقرآن والسنة النبوية الشريف، فالآية الكريمة "يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة، فذورا البيع واسعوا إلى ذكر الله"، فالخطبة ذكر لله وليست علما، وهناك فرق كبير بينهما. والعلم عبارة عن بيان من الأستاذ واستفسار من الطلاب وعلى الأستاذ الإجابة، فهل يستطيع أى من الإخوان أو السلفيين أن يقف ويناقش الإمام فى البيان العلمى الذى يلقيه من على المنبر " خصوصاً مع الحديث النبوى الشريف "من قال لأخيه فى صلاة الجمعة صه فقد لغى". وإذا قيلت معلومة واحدة فى خطبة الجمعة، فمن حق المصلين مناقشة الخطيب، فهل تجوز مناقشة الخطيب؟ وإذا قولنا لا يجوز؟ فهل يجوز أن تكون خطبة الجمعة علم؟ إذن الخطبة مجرد ذكر، وهناك بعض الأحاديث التى تقول إن الرسول قرأ فى صلاة الجمعة سورة «ق» وأقام الصلاة، ويصح أن تقول جملة ذكر، وتقيم الصلاة، وهذا ما ورد فى القرآن. 3- ماذا ورد عن الأئمة ال4 فى خطبة الجمعة خطبة الجمعة ذكر، لأنها حق مطلق وفيها إملاء، لأنها لا تتضمن مناقشة لأن الذكر، إما يقبل كله أو يرفض كله ومنذ نزول الوحى وحتى الآن، لم نسمع حديثاً فى كتب الصحاح على خطبة للنبى صلى الله عليه وسلم. ووفقاً لمذاهب الأئمة الأربعة، عند أبوحنيفة خطبة الجمعة يمكن أن تكون جملة ذكر واحدة لله حتى لو قال: الله وأكبر، ولو قال هذه الجملة اكتملت خطبة الجمعة من أولها لآخرها. أما فى مذهب الإمام مالك، مذهب مفتى الديار المصرية شوقى علام، فيجوز أن تكون الخطبة جملتين فى نصف دقيقة، وتكون الصلاة والخطبة صحيحتين، أما مذهب الشافعى وبن حنبل، فاتفقا على أن خطبة الجمعة 5 جمل "الجملة الأولى الحمد لله، والثانية الصلاة على النبى والثالثة الدعوى بتقوى الله والرابعة قراءة القرآن والخامسة الدعاء للمسلمين، هؤلاء المذاهب ال4، وفى المذهب الظاهرى خطبة الجمعة سنة، ويمكن الصلاة دون خطبة. هذا ما ورد عن الخطبة فى كتاب الله والسنة النبوية والمذاهب الأربعة والمذهب الظاهرى، أما ما يقوم به المشايخ سواء من الأوقاف أو الأزهر أو الإخوان أو السلفيين، من محاولات حبس المصلين بالخطبة والصلاة، لأن المصريين لا يأتون للمسجد إلا فى صلاة الجمعة، حيث يتم اصطيادهم فى الربع ساعة أو الثلث ساعة المخصصة للخطبة.