وقد أكد الرومى فى مثنوياته التلازم الوثيق بين الشريعة والحقيقة، فقال: «الشرع مثل قنديل يضيء الطريق، فإذا كنت لا تحمل القنديل لا تستطيع أن تمشي، وعندما تتقدم فى الطريق تكون رحلتك هى الطريقة، وعندما تكون قد وصلت إلى الهدف تكون قد بلغت الحقيقة». هو جلال الدين الرومى الشاعر الصوفى الأعظم والمولود سنة 7021م فى مدينة بلخ، التى نسب إليها كبار العلماء والفلاسفة والفقهاء، كالفردوسى وابن سينا، والغزالي، حيث غادرها أبوه بهاء الدين الملقب ب«سلطان العلماء» وهو صوفى وعالم دين سنة 9121م، هرباً من الغزو المغولى القادم من الشرق، وتوجه إلى مكة لأداء فريضة الحج، وفى نيسابور التقى الشاعر الصوفى المشهور فريد الدين العطار، الذى أهدى إلى جلال الدين الرومى كتابه «أسرار نامه» وظل الرومى معجبا به حيث كان يردد «لقد اجتاز العطار مدن الحب السبع بينما لا أزال أنا فى الزاوية من ممر ضيق». وبعد العودة من مكة استقرت عائلة الرومى فى أرزنجان وهى مدينة فى أرمينيا، احتلها علاء الدين كيقباذ السلجوقى حيث دعا والد الرومى إلى قونية، ولما وصل إليها استقبله بالتبجيل والاحترام، وبنى له مدرسة فى وسط البلدة. كان جلال الدين يدعى عادة «خداوندكار» ومعناه مولانا أو شيخنا، كما أطلق عليه والده منذ كان صغيراً، وبهذا الاسم عرف فى أنحاء العالم الإسلامى كافة، أما الرومى فهى نسبة إلى إقامته فى الأناضول، فيقال مولانا: جلال الدين الرومي. وبعد وفاة بهاء الدين فى قونية حل ابنه جلال الدين الرومى مكانه فى منزلته العلمية والدينية، وهو آنذاك ابن أربع وعشرين سنة. على يد برهان الدين محقق الترمذي، تتلمذ الرومى وتوجه بعدها إلى حلب ثم إلى دمشق طلبا للعلم، وعاد الرومى إلى قونيه، واستقر فى مدرسته، وتولى تعليم الشريعة ومبادئ الدين والتوجيه الروحي، حتى عرض له حادث غير مجرى حياته، وجعله صوفياً محترقاً بالمحبة الإلهية، كما عبر عن حاله بالقول: «كنت فجاً، فنضجت، فاحترقت». وترجع بداية ذلك عندما التقى بشمس التبريزي، الدرويش الجوال، الذى وصل قونيه سنة 4421م، فأخذه إلى المدرسة ثم اعتزلا الناس فى خلوة لمدة أربعين عاماً، صار بعدها «شمس» الأستاذ الروحى للرومي، والذى ظل يحتفظ لأستاذه طوال حياته بحب وعرفان للجميل لا حدود لهما، وبلغ من تأثير شمس أنه استحوذ على روح الرومى ومشاعره، ولم يعد يصبر عنه مما دفع مريديه إلى اغتياله سنة 7421م. وبعد اختفاء شمس أنشأ الرومى الحفل الموسيقى الروحي، المعروف بالسماع، ثم نظم فى ذكرى أستاذه الروحى مجموعة من الأناشيد والقصائد حملت اسمه «ديوان شمس تبريزي» تمثل الحب والأسى، وإن كانت فى جوهرها تنشد الحب الإلهى المقدس. بعد ذلك اختار الرومى صديقاً وشيخاً لمريديه، هو «صلاح الدين فريدون زركوب» وكان هو الآخر مريداً لبرهان الدين محقق الترمذي، وكان صلاح الدين صانعا بالذهب، والذى توفى سنة 8521م، وبعدها اختار الرومى حسام الدين شلبى أستاذاً لمريديه، وقد اقترح حسام الدين أن يؤلف الرومى رسالة شعرية تتضمن آراءه وتعاليمه، فأجابه إلى ذلك، وبدأ بنظم المثنوي، وكان الرومى يرتجل وحسام الدين يكتب الأبيات وينشدها، وقد استمر ذلك إلى أن وافت المنية الرومى سنة 276ه 3721م. وقد أكد الرومى فى مثنوياته التلازم الوثيق بين الشريعة والحقيقة، فقال: «الشرع مثل قنديل يضيء الطريق، فإذا كنت لا تحمل القنديل لا تستطيع أن تمشي، وعندما تتقدم فى الطريق تكون رحلتك هى الطريقة، وعندما تكون قد وصلت إلى الهدف تكون قد بلغت الحقيقة». فبداية طريق الصوفية - كما يذكر جلال الدين الرومي- تقتضى تغييراً فى الإدراك، وتحولاً فى المعرفة ودأباً فى السؤال، والبحث الذى يهدف إلى إغناء التجربة الروحية للصوفي، وعروج الروح إلى ربها فى رحلة إسراء، يتطلب من السالك محاولة تسلق سلم السلسلة الكونية للوجود. وأسس الرومى الطريقة المولوية، والتى نظمها بعده ابنه الأكبر سلطان ولد، ومن سماتها وخصائصها التى عرفت بها «الرقص المعروف، أو السماع» الذى أعطى الأعضاء اسم الدراويش الدوارين، فلم تكن المولوية تميز بين الأديان والطوائف، بل ترفض التعصب وتنبذه. وتوفى جلال الدين الرومى سنة 3721م، تاركاً ديوان شعر ضخماً يضم نحواً من خمسة وأربعين ألف بيت، اسمه «المثنوي» ومضمونه عبارة عن حكايات وأحاديث نبوية وأساطير، وموضوعات من التراث الشعبي، ومقتبسات قرآنية، وهو ملحمة صوفية. كما ترك الرومى ديوان شعر عنوانه «شمس تبريزي» وله كتاب نثرى عنوانه «فيه ما فيه» ويتألف من أحاديثه التى دونها ابنه الأكبر سلطان ولد، وهو على قدر كبير من الأهمية لفهم فكر الرومى والتصوف بشكل عام، ومن مؤلفاته الأخرى: «المجالس السبعة» وهو مجموعة من النبواءات الشهيرة، وله كذلك «خوابنامة»: وهو كتيب فى تفسير الرؤيا، بالإضافة إلى رسائل الرومي: التى تكشف عن حياته الخاصة والمرحلة التى عاش فيها.