001 جنيه «ذكريات» ومشروبات ب«أم كلثوم» .. و«عواد» الفيشاوى يجذب الزبائن «سياحى» كلمة السر فى جنون الأسعار و«ريش» تعيد ذكريات كبار الأدباء مفارقة مذهلة تفاجئنا فى «بيزنس سحور رمضان»، فسحور الفرد بفندق «الفور سيزونز» لا يقل عن 003 جنيه، فى الوقت الذى لا يزيد سعر السحور فى منطقة السيدة عائشة عن ثمانية جنيهات، وما بين السعرين تتلاعب مقاه وفنادق ومطاعم بمزاج الصائم وتقدم له قائمة طعام مختلفة! الأسعار طبيعية للغاية حتى يحل شهر رمضان، تتضاعف الأسعار بصورة مبالغ فيها، يكفى تعليق لافتة «سياحى» على المقهى أو المطعم أو الفندق ليباع كوب الشاى بثلاثين جنيهاً بعد أن كان بعشرة جنيهات فقط، ووجبة السحور المكونة من فول وبيض وجبن وزبادى ومشروب ساخن تصل إلى 003 جنيه فى الفور سيزونز، أما فى منطقة السيدة عائشة فطبق الفول والخبز والسلطة بأربعة جنيهات، وكوب شاى «الرصيف» بجنيه ثم «يحبس» المتسحر بحجرين شيشة سلوم بثلاثة جنيهات، ليدفع المواطن البسيط ثمانية جنيهات كاملة ثمناً لسحوره، وقد يعدها مبلغاً كبيراً بالنسبة إليه. فى منطقة «الحسين» تنتشر المطاعم بالميدان، كباب وكفتة وحمام محشى وكوارع وفتة ودجاج مشوى وزبادى، وجبة الفرد الواحد تتراوح بين 06 إلى 001 جنيه، وبعد هذه الوجبة الدسمة يتجه المتسحرون إلى مقهى الفيشاوى، الذى يعد الأشهر بالمنطقة وبعود تاريخه إلى 532 عاماً حيث تم إنشاؤه عام 7971، ويرتاده السائحون والفنانون والأدباء والشعراء ونجوم الرياضة والثقافة، وقد كان من رواده محمد عبده وجمال الدين الأفغانى قديماً، وحديثاً نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس ويوسف السباعى وكمال الطويل ومحمد الموجى، رحمهم الله، واللافت هو الأسعار المبالغ فيها طوال ليالى رمضان، لكن مقهى الفيشاوى يقدم مشروبات متميزة مثل الشاى الأخضر والتمر الهندى والسحلب والفخفخينا وغيرها، بالإضافة إلى الشيشة بالطبع، والممتع وجود عازف عود يلبى طلبات رواد المقهى، فيعزف ألحاناً رائعة لمحمد عبدالوهاب ورياض السنباطى وفريد الأطرش وأحمد صدقى وزكريا أحمد، وألحان أغنيات ليلى مراد ومحمد فوزى وشهر زاد وهدى سلطان وفايزة أحمد ونجاة، فينقل رواد المقهى لذكريات الحب الأول الذى اقتحم قلوبهم منذ عقود، وتجد من «يدندن» مع اللحن، منسجماً، فى جو الألحان الشرقية الأصيلة والنغم الجميل. «إن كنت ناسى .. أفكرك.. ياما كان غرامى بيسهرك.. ويحيرك.. إن كنت ناسى.. ناسى».. أفكرك.. هذه الأغنية التى شدت بها هدى سلطان هى الأكثر طلباً من «العواد» الذى يؤدى عزفه بانسجام شديد حينما يلمح بطرف عينيه تحليق مسمعيه فوق السحاب، وكأن مقهى الفيشاوى يصنع البهجة قبل المشروبات ملتهبة الثمن. صورتها بمنديلها الوردى، وهى تقف شامخة تشدو بأساطير الغناء، تزين جدران مقهى «أم كلثوم»، بالسيدة زينب.. صوت سيدة الغناء العربى، القوى الحنون ينقل أحاسيس الحب واللوعة والشجن والعتاب والفراق والدلع - أحياناً - إلى رواد المقهى، بعيد عنك حياتى عذاب، الحب كله، الآهات، حيرت قلبى معاك، أنت عمرى، أهل الهوى، من أجل عينيك، أغار من نسمة الجنوب، وغيرها من روائعها تخطب ود المحبين والعشاق، نغمات ساحرة وصوت يلامس السحاب، عميق كالبحر، صاف كالسماء ، قوى كالجبل، رقيق كنبع الماء، حديقة أثمرت زهوراً وعبيراً، سحر الشجن وشجن الحب، تعزف على أوتار القلوب، تشعل النيران فيها، يستعذب المستمعون الألم، يتذكرون قصص حبهم، قد تكون ناجحة، وربما ذهبت المحبوبة أدراج الرياح، وسط هذه الأجواء الرومانسية الممتعة، المبهجة، القاسية، تدور أكواب المشروبات الساخنة، وتخرج أنفاس الشيشة من أنف الملتاع، حاملة مسرات وذكريات، وقد تحمل آهات تذوب من حرقتها صخور الجبال، أما الأسعار فمرتفعة للغاية، لكن لا يهم، فقد قضى رواد مقهى «أم كلثوم» ساعات فى حضرتها، وكأن أحدهم يقول «عمار يا قلبى.. خراب يادنيا»! الأدباء، ومن أدركتهم حرفة الأدب، يقصدون مقهى «ريش» بوسط القاهرة، عام 8091، كان كبار الصحفيين والأدباء والفنانين زباءنه، ولاتزال صورهم تحتل مساحات بجدران المقهى، وهو المكان المفضل للأدباء الكبار ليقضوا سويعات ما قبل أذان الفجر، سهرات رمضانية رائعة، تتحلق كل مجموعة حول عدد من المناضد، هذا يقرض شعراً، وذاك يقص أقصوصة، وغيره يلقى بنوادر أدبية، عساهم ينولون رضا الكبار، يتوسطوان لهم فى نشر أعمالهم الأدبية، وبالطبع يستمتع جيل الأساتذة بالاطراء المبالغ فيه من جيل شباب الأدباء، وتأخذ الكبير العزة، فيقوم بدفع مئات الجنيهات ثمناً للمشروبات الساخنة والباردة لمضيفيه، متباهياً كطاووس وسط أفراخ صغار! حتى المقاهى الشعبية فى وسط القاهرة وأطرافها ترفع فيها أسعار المشروبات وقت السحور، وبعضها يقدم وجبة مكونة من فول وبيض وخبز وزبادى ومياه معدنية ومشروب ساخن بتكلفة تتراوح بين 54 إلى 55 جنيهاً، لكن الأمر يختلف فى الخيام الرمضانية التى تقدم نفس الوجبة، لكن بأسعار تبدأ من مائة جنيه وقد تصل إلى 003 جنيه للفرد الواحد، بحسب مكان الخيمة، سواء فى فندق أو ناد رياضى. فى قلعة صلاح الدين يتم تقديم «محكى القلعة»، وفقرات من الفنون الشعبية والانشاد الدينى، فى أجواء ساحرة تستمد من عبق التاريخ روحها، وتقدم أيضاً وجبات سحور تكلفة الفرد الواحد 09 جنيهاً. ولأن كلاً يغنى على ليلاه، فبيزنس السحور لا يفرق بين منشية ناصر والزمالك، وبين المهندسين والدويقة، وفندق الفورسيزونز وعربة فول وشاى الرصيف بالسيدة عائشة! بمنطق السحور يحلى مع اللمة تروج المطاعم والفنادق بضاعتها من وجبات السحور، لتزدحم كافيهات وسط البلد بالزبائين وقت السحور، وترتفع قائمة رواد الفنادق فى رمضان، وتختلف فاتورة السحور باختلاف الزائر ومكان الزيارة، فبينما يتكلف الفرد 003 جنيه ثمن لوجبة السحور فى الفورسيزونز، فإنه لا يدفع أكثر من 8 جنيهات مقابل السحور والشيشة فى السيدة عائشة.