مؤلف كتاب «الدواعش في مصر» يطالب بتقوية شوكة الدولة ضد السلفيين الإخوان جهزوا البناء التحتي لداعش ونظام مرسي كان داعمًا نحتاج إلى تنوير إسلامى للقضاء على الأفكار الإرهابية.. وتنشئة سليمة للصغار يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان الدكتور جهاد عودة أن الفكر الداعشى والسلفى وجهان لعملة واحدة، مشددًا على أن سياسات الأنظمة المصرية المتعاقبة ساعدت على تأصيل هذا الفكر على مدى التاريخ، كما يؤكد أن الدولة المصرية لن تستطيع القضاء عليه بسبب تعمقه في البيئة التحتية للمجتمع. وأوضح مؤلف كتاب "الدواعش في مصر" أن داخل كل إنسان مصرى «سلفى صغير» تكون نتيجة البيئة السياسية الثقافية التراكمية وليس وليد اليوم، مؤكدا أن الفكر السلفى داعشى غير مسلح في أوقات ومسلح في أوقات أخرى، وأن تحالفات السادات مع الجماعات الإسلامية في السبعينيات ليست اللبنة الأولى لتجذر الإرهاب والتطرف بل سبقتها خطوات أخرى... وإلى نص الحوار بعد ثورات الربيع العربى انتشر بشكل واضح ما يسمى ب"خطاب الكراهية وإقصاء الآخر".. فلماذا؟ ما حدث خلال السنوات الماضية في المنطقة العربية ليس ربيعا عربيا، وفكرة «الربيع» ظهرت في منتصف القرن ال19 في إطار تفتيت الإمبراطورية الهنجرية النمساوية، وكان هذا التفتيت ربيعا للأقليات وأصحاب الديانات المختلفة، وظهر المصطلح تعبيرا عن تفتيت الإمبراطورية ونهوض الأقليات والقوميات ورؤية عالم جديد. أما ما حدث في العالم العربى لم يكن ربيعا لأن التماثل غير صحيح، وبالتالى ليس هناك ربيع عربي، فالربيع الأوروبي سمح بنشأة دول جديدة ومفاهيم جديدة، ولكن هل نشأت مفاهيم أو أي شيء جديد في العالم العربي؟!، أما ما حدث فهو انتفاضة أو اضطراب شامل، ونحن العرب لابد وأن يكون لدينا مرجعية، فالربيع الأوروبي حدث في إطار الكراهية وقت نشأة القوميات وبالتالى ليس غريبا أن نجد الأفكار الماركسية العنيفة والنازية. وما يقال حول فكرة كراهية الآخر هو كلام إسلامى "مالوش لأزمة"، لأن هذا واقع الحال، المعتمد على المصالح والقيم المتناقضة، وما يدور حول الكراهية خطابات ضعيفة إنسانيا تقود العقل المصري. وما تفسيرك لاتهام الخلاف في الرأى بأنه إقصاء وكراهية؟ الأزمة أن العالم العربى ليس فيه نظام يسمح بالصراع الفلسفى المنهجى بطريقة منظمة، وذلك بسبب غلق باب الاجتهاد، إنشاء الدولة الوطنية في العالم العربى كان فيها مشكلة، أيضا السلطوية المهيمنة في العالم العربي، وما يوقر حول الكراهية وعى زائف، وعلى سبيل المثال كرهى لداعش وتمنياتى بإبادتها.. فهل يعد ذلك خطابا للكراهية؟! ورفضى لما حدث لسيدة المنيا..هل هذا كراهية؟! ذكرت بأننا أغلقنا باب الاجتهاد.. فهل كان هذا بداية ظهور الأفكار المتطرفة؟ بالطبع لا فالأفكار المتطرفة موجودة منذ القدم، فبالقراءة في تاريخ الفرق الإسلامية تجد ذلك بوضوح، في واقعة تزوير القرآن الكريم في عهد أبى بكر فالقضية هنا في نقطتين هما: الرسم العثمانى للقرآن وغلق باب الاجتهاد عند العباسيين، وفسر ذلك في الفقه الإسلامى للحفاظ على الدين، وذلك وفقا لظرف تاريخي، فكان الهدف الحفاظ على استمرار الدين أكثر من الحوار حوله الذي قد يؤدى إلى زيغ الرأي، مما قد يحدث أخطاء في النص، وما فعله الفقه الإسلامى الذي تميز في هذا الوقت بقدرة عقلية ومنطقية فائقة للحفاظ على المسار الكلى للدين. وكيف نقضى على تلك الأفكار؟ نحتاج إلى تنوير إسلامى يسمح لنا بالقضاء على داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية، وعلي أفكارهم ونتائجها ولا يكون لنا مواقف غريبة في أننا معها أو لا، فالتفكير المصرى الشعبى على الأقل معها، فالمصريون سلفيون بسبب ترويج الدولة للقيم السلفية من الأساس، فالمقاربة والمجاورة بين مفاهيم داعش والمفاهيم السلفية «شعرة» بينهما، والخلط هنا جائز خصوصا وأن المصريين شعب لا نقدى يكره التفكير. البعض يرى أن الأفكار السلفية المتطرفة دخلت مصر مع سفر المصريين إلى دول الخليج وخصوصا السعودية.. فما صحة ذلك؟ هذا غير صحيح، ثلاث فرق تشكلت في بداية الثلاثينيات من القرن العشرين، شكلوا تلك الأفكار المتطرفة وهم الشيخ السبكى وسلفية الشيخ حامد الفقى والإخوان وحسن البنا، وكان في مقابلهم مستنيرون كبار من أمثال طه حسين والشيخ على عبد الرازق، ولكن في النهاية الدولة المصرية قررت الانحياز للمنطق السلفي، لأن الدولة كانت خارجة من الحكم العثمانى وتبحث عن عمل هوية مصرية، فأتى بأفكار علمانية من جمعية الاتحاد والترقى العنصرية، وغلفت بالمنطق المصرى التقليدى «وسطية السلفية السبكية» أي وسطية المشايخ، فالسلفية القديمة كانت لا تتسم بالعنف وكانت تهدف إلى تأسيس هوية مصرية تخالف الهوية التركية، وهذه كانت الموجة الأولى. أما الموجة الثانية، وهى الحركة الوطنية، وتلك الموجة مهدت للمنطق السلفى في مصر، فنموذج الحركة الوطنية ارتبط بالشيخ المسلم والقس المسيحي، وهنا البداية كانت للمرجعية الدينية وليس الوطنية الصافية، ثم إنشاء الدولة الناصرية وتنظيم الضباط الأحرار الذي خلا من ضابط مسيحي واحد. ومتى ظهرت السلفية المتشددة؟ في عام 1965، كان الصراع بين جمال عبد الناصر والإخوان ملتبسا ما بين صراع سياسي مذهبى سلفي، وفى هذه اللحظة كانت السلفية الوهابية موجودة أيضا، وهى ما فسرت حالة التفاهم بين ناصر مع اليمن والملك فيصل الذي ضمنت التفاهمات إلى ترويج لبعض الأفكار السلفية الوهابية، بالإضافة إلى دور سيد قطب البارز في تأسيس ذلك، مع هزيمة 67 المشروع الناصرى الكبير، وهنا لا نتعجب من وجود السلفية المتشددة الآن، لأن التاريخ تراكمي، فالجبل لا يظهر فجأة بل بالتدريج. وهل يعنى ذلك أن تحالف السادات مع الجماعات الإسلامية ليس بداية التأصيل للأفكار المتطرفة والإرهاب؟ السادات كان لبنة من اللبنات، فحرب 73 كان شعارها الله أكبر وهذا يعنى تجييش الجيش المصرى في إطار فكرة قدرة الله على الفعل، بالإضافة إلى ترسيخ مفهوم نصر القادة، ثم دخولنا في صراع سياسي بين اليسار والمنابر، وجزء من التفكير النفعى للسادات الذي كان من ضمن مستشاريه عثمان أحمد عثمان حبيب الإخوان، وأتذكر موقفًا حدث بين السادات وعمر التلمسانى مرشد الإخوان وعثمان، وقال السادات للتلمسانى "إحنا مش عايزين قلة أدب الشيوعيين دى يا تلمسانى" وقال له التلمسانى "اللى تؤمر به يا ريس" وصمت السادات ثم قال "اطلع من هنا على آمال عثمان وتأسس جمعية للإخوان" وقال التلمسانى إنه يتحرج التعامل مع سيدة وأفضل التعامل مع رجل، وسأله السادات "تحب مين.. الداخلية؟" فرد التلمساني: على بركة الله، وهنا بدأت العلاقة التاريخية بين الداخلية والإخوان، فالمشكلة في مصر بسبب الوعى الإعلامي الزائف وهى تجسيد الأشياء بظهورها بشكل مفاجئ. في 2015 صدر لك كتاب «الدواعش في مصر».. فكيف ترى ملامح الفكر الداعشى داخل المجتمع المصري؟ هذا الكتاب جزء ضمن سلسلة مكونة من 30 كتابا، الفكر «الداعشي» هو فكر سلفي، ودائما الأفكار السلفية بنت البيئة، ففى أوقات الاضطرابات الكبيرة تنحو الناس إلى المنطق السلفي، بالإضافة إلى أن سلطة محمد مرسي ساعدت على نشر تلك الأفكار، فكانت الإخوان تجهز البناء التحتى لداعش الممتد بالبناء التحتى الاجتماعى للسلفيين، وما ورثناه من طرق ساداتية ومباركتية من إهمال تعمير وتنمية سيناء، وبالتالى الجيش المصرى يحتاج إلى وقت لاقتلاع تلك الجذور. وهل يعنى ذلك أن الفكر السلفى فكر «داعشى غير مسلح»؟ بالطبع الفكر السلفى فكر داعشى خفي، وفى وقت اللزوم يكون مسلحا، وشاهدنا مظاهرات السلفيين حيث كانوا يحملون السلاح، فقيم العداء للآخر عند السلفى عالية للغاية، فأنت معى ترتدى ملابسى وتتحدث بكلامي، وإذا خرجت عن هذا سيتم تصفيتك. وهنا هل نستطيع القول بأن كل مصرى داخله فكر سلفى دون أن يشعر؟ داخل كل مصرى سلفى أو داعشى صغير، وهذا بنى نتيجة المناخ الثقافى والإعلام، ونجد أشخاصًا أًصبحوا سلفية فجأة ولم يحدث أن يتحول إلى ليبرالى فجأة. وما نقاط الضعف التي تسلل منها هذا الفكر المتطرف إلى عقول المصريين؟ الأمر يتعلق بالثقافة السياسية، التي تبين لنا التوالى التاريخى لترسيخهم من بداية العشرينيات وحتى الآن، ثم تأتى المسألة الاجتماعية من الفروق الطبقية وغيرها. ألم يكن هناك محاولات بمحاربة الفكر بالفكر ك«تجديد الخطاب الديني»؟ مجرد محاولات غير جادة ولن يكتب لأي منها النجاح طالما لم تتوافر الإرادة الصادمة لذلك. وما الحل إذن؟ نشر جمعيات تنويرية ولكن لا يمكن إحداثه في الدولة الآن بسبب التخوفات الأمنية العالية. وهل يعنى هذا فقد الأمل في القضاء على التطرف الفكري؟ المسألة لا علاقة لها بالأمل.. فالأمل له حدود، ولكن يجب اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ما نأمله.