ظاهرة العشوائيات تفاقمت في السنوات الأخيرة، وأصبحت خطرا يهدد الأمن القومي المصري، وقنابل موقوتة على وشك الانفجار في وجه الحكومة في أي لحظة. ولحل القضية يجب وضع خطة إستراتيجية متكاملة لمشكلة العشوائيات تتضافر فيها جهود الدولة متمثلة في وزارتها ذات الشأن كالإسكان والقوى العاملة والصحة والتعليم، ولابد من الحذر من إجراء حلول وقتية عشوائية دون دراسة جادة لأن ذلك يؤدي إلى تفاقم الأزمة وليس حلها حلا جذريا. لكن الآن تحاول الدولة تقديم خدمات لتحويل المناطق غير الآمنة إلى مناطق آمنة من خلال نشر شبكة الصرف الصحي وتوفير مرافق متعلقة بمياه الشرب والكهرباء وتوفير الخدمات الطبية ووسائل المواصلات. وأعتقد أنه بعد قرارات الرئيس السيسي أصبحت الفرصة سانحة للقضاء على العشوائيات من خلال تهجير السكان إلى المناطق العمرانية والزراعية والصناعية الجديدة، التي جاءت في المثلث الذهبي المتمثل في المشروعات القومية الثلاثة التي بادر بها الرئيس السيسي، وسوف تسهم هذه المشروعات في تفريغ المحافظات المتضخمة بالعدد الأكبر من السكان؛ وهذا من أفضل الحلول الجذرية التي قدمها الرئيس السيسي للقضاء على العشوائيات. كما توجد حلول أخرى منها " نقل العشوائيات تماما، وإعادة بنائها من جديد بشكل صحي وحضاري لائق، وبناء مدن جديدة وتهجير أهالي العشوائيات إليها، والقضاء على القرى التي لم تأخذ الشكل العشوائي بعد ولكن في طريقها للتحول إلى عشوائيات"، ونطالب بتفعيل دور أكبر لمنظمات المجتمع المدني وأندية الشباب ومؤسسات الثقافة لتنمية الثقافة العشوائية ونقلها إلى ثقافة حضرية قادرة على التعامل مع المرحلة الجديدة. وأخيرا نطرح أحد التجارب الناجحة في تطوير العشوائيات وهى "التجربة الصينية"، نحن الآن أمام تجربة عظيمة لتطوير العشوائيات، الصين أكبر تعداد سكاني في العالم، ورغم ذلك استطاعت تطوير العشوائيات، والتقدم في الصين لا يقتصر على النمو الاقتصادي فحسب، بل امتد إلى جميع نواحي الحياة، وسنطرح التجربة الصينية حتى نستفيد بها في الوقت الحالي. تخلصت الصين من مشكلة العشوائيات بالإرادة والإصرار والحافز والإرادة السياسية الراقية، وطريقة تفكير المواطن الصيني والتصدي للمشكلات بجدية؛ وهذا ما نفتقده في مصر للأسف؛ حيث كانت الحكومة الصينية تراعي الواقع والظروف والمستوى المعيشي والاقتصادي للعشوائيات، وطبيعة ثقافة أهلها، وتوجد مقولة شهيرة للزعيم الصيني الراحل "دنج شياو بينج": "يبنغي أن تلمس الأحجار في النهر قبل عبوره". خطة الحكومة الصينية للقضاء على العشوائيات وضعت على مراحل متعددة، المرحلة الأولى تمثلت في القضاء على العشوائيات في الشوارع الرئيسية ومن بينها شارع "بايو إنتشوانج" الذي تقع فيه المجموعة الصينية للنشر الدولي، وتقع بها مقر مجلة الصين اليوم؛ فالحكومة الصينية لم تجد مخاطر كبيرة في إزالة العشوائيات لأنها كانت توجد بجوار المنشآت ولم يحدث أي تغييرات في التصميمات المعمارية للشوارع، فقد تم القضاء عليها بدون حدوث مشكلات كبيرة؛ وقبل القضاء على العشوائيات تم وضع حلول بديلة لأهالي العشوائيات والمستفيد منها، كما أنشأت حكومة بكين أسواقا مجمعة متعددة الطوابق افتتحها الرئيس الصيني "جيانج كه مين" وانتقل إليها الباعة الجائلون وأصحاب الدكاكين الصغيرة، ووجدت سعادة بالغة لهذا البديل المريح والأكثر نظافة وأمانا. المرحلة الثانية تمثلت في "عند استضافة بكين دورة الألعاب الأوليمبية عام 2008 كان هذا بمثابة التحدي لحكومة بكين في القضاء والتخلص من العشوائيات؛ حيث لجأت الحكومة إلى إنشاء عقارات على أطراف المدينة وتوفير بدائل خاصة ومخططة ومزودة بالمرافق من ماء وكهرباء ومدارس ومستشفيات". أما الثالثة فتم خلالها تخصيص ميزانية لمشروع تجديد وإصلاح العشوائيات بلغت 27.7 مليار يوان لعام 2012، كانت من أهم ملامح هذه المرحلة إعادة تنظيم وتخطيط المناطق العشوائية. في النهاية لابد أن تضع مصر نصب أعينها التجربة الصينية وماحققته من نجاح كبير في القضاء على العشوائيات والاستفادة منها، فطريق الألف ميل يبدأ بخطوة فلنخطوها معا.