فتش عن الكهنة وزوجات الملك فجر الدكتور عبدالحليم نور الدين استاذ علم المصريات مفاجأة عندما أكد أن الفراعنة عرفوا «اللوبي» بمفهومه الحديث منذ آلاف السنين وقال: إن الجوع والرشوة، والفساد السياسى كانت أكبر الأسباب التى حولت عامة الشعب إلى جماعات للضغط السياسى على الحكومة دون الفرعون نظرا لمكانته المقدسة، كما أن جماعات المصالح قد تعددت فى العصر الفرعوني، وكان على رأسهم الكهنة الذين شكلوا أكبر لوبى فى ذلك الوقت، وكذلك الجيش والشرطة، وزوجات الملك فى بعض الأحيان، والغريب أن التجار لم يستطيعوا تشكيل جماعة ضغط لسيطرة الكهنة على الأسواق. ويوضح الدكتور عبدالحليم نور الدين فى حواره ل «فيتو» الكثير من القضايا والأسرار التى لم نكن نعرفها عن عصر الفراعنة وجماعات المصالح.. فإلى نص الحوار.. كيف كانت تدار الحياة السياسية فى مصر الفرعونية؟ - كانت القضايا السياسية تدار من خلال مؤسسة هرمية يأتى على رأسها الملك الحاكم ثم وزيرا الشمال والجنوب، وقائد الجيش وكبير الكهنة، ومدير الإدارة الهندسية ثم كتبة الكهنة الصغار وفى النهاية تأتى الطبقة الدنيا المكونة من الحرفيين والفلاحين، وكان قصر الحاكم هو مركز الإدارة وبه مقر لكل واحد من القيادات المذكورة. ما هى القوى التى كانت تتحكم فى توجيه القرار السياسى فى تلك الحقبة؟ - تمثلت القوى الرئيسية فى الملك الحاكم وحاشيته وقائد الجيش، وكبير الكهنة، ورغم قوة هؤلاء إلا أن الإدارات الأخرى كان لها حضور فاعل فى توجيه القرار السياسي، فكانت المنظومة الإدارية للبلاد منظمة على أعلى مستوى ودقيقة للغاية فى هذا الشأن، فهناك مدير للإدارة الهندسية، ومدير للإدارة المالية، وآخر للإدارة الزراعية، ومسئول عن الري، ومسئول عن اقتصاد البلاد، والأروع من هذا كله أن المصريين القدماء كانت لديهم إدارة للخبز وتوفير رغيف العيش، والملك كان يلتقى بكل هذه الإدارات فى قصره على فترات منتظمة ليناقش معهم سبل الإدارة واتخاد القرار. هل استخدم المصريون القدماء أسلوب الضغط على السلطة لتحقيق مصالحهم؟ - نعم مارسوا ضغوطا كثيرة على السلطة الحاكمة فى فترات متفرقة من العصر الفرعوني، ولكن ضغوط الشعب لم تكن لتحقيق مصالح خاصة وإنما للحصول على حقوق، وكانت لهم أساليب كثيرة فالضغط يبدأ بالشكاوى إلى المسئولين ويتدرجوا بشكاويهم حتى تصل إلى الحاكم فى بعض الأحيان، وإن لم تجد الشكاوى نفعا كانوا ينظمون الاعتصامات والإضرابات التى تعددت فى تلك الفترة ووصل بهم الأمر إلى القيام بثورات كثيرة، وتشير الوثائق التاريخية إلى أن المصريين القدامى قاموا بأكثر من 06 ثورة، ورفعوا فى بعضها لافتات تعبر عن تبرمهم وسخطهم على الأوضاع، ومن أشهر اللافتات التى رفعها الفراعنة فى احتجاج لهم لافتة كتبوا عليها ما مضمونه «نحن جوعي»، وكانوا يلجأون للضغط على السلطة لمحاربة الرشوة والفساد الذى كان ينتشر بين الحين والآخر، وكان يضغطون على من هم تحت الملك ولا يستهدفون الملك نظرا لحالة القدسية التى كان يتمتع بها، وفى بعض الأحيان ضغطوا على السلطة بسبب الجوع وعدم قدرتهم على الحصول على طعامهم. هل عرف التاريخ الفرعونى مفهوم اللوبي، وما هى أبرز الجماعات التى مارست ضغوطا سياسية على الدولة؟ - عرف المصريون القدماء شيئا شبيها باللوبي، وكان مفهوم الجماعة ذات النفوذ التى تبحث عن تحقيق مصالح خاصة بهم حاضراً فى تاريخهم، فرجال الدين كانوا جماعة ذات نفوذ سياسى تبحث عن تحقيق مصالح خاصة بهم تماما كما يحدث الآن، فكل كاهن كان يرغب فى تعيين أقاربه فى الكهانة ليكون مجموعة من خاصته يعتمد عليهم، وفى بعض الفترات كان الملك يتزوج أكثر من واحدة، فكان زوجاته يمارسن ما يشبه أعمال اللوبي، فكانت كل واحدة منهن تحاول تكوين مجموعة مصالح خاصة بها من الرجال ذوى النفوذ فى السلطة، من أجل تحقيق ما تحلم به فى تنصيب ابنها ملكا بعد أبيه دون إخوته من نساء أبيه الأخريات، وكان للكهنة دور كبير فى هذه المجموعات، وكثيرا ما دبر الكهنة مع بعض زوجات الملوك مؤامرات تهدف لذلك، بل وصل الأمر إلى وجود بعض المؤامرات التى كانت تهدف إلى خلع الملك وتنصيب أحد أبنائه مكانه لتحقيق مصالح اللوبى الذى أتى به.. أما فيما يختص بالجماعات التى مارست ضغوطا سياسية على الدولة، فكان أبرزها «العمال» الذين مارسوا ضغوطاً كثيرة لرفع الظلم عنهم أو لرفع أجورهم. كيف كان الكهنة يوجهون القرار السياسى لخدمة مصالحهم؟ - كان للكهنة دور رئيسى فى سياسات الدولة وصل فى بعض الفترات إلى أنه كان باستطاعتهم وضع من يريدون فى المنصب الذى يريدونه فجعلوا بناتهم وزوجاتهم فى مناصب حساسة فى الدولة، وكان دورهم هذا موقوف على مدى قوة أو ضعف الحاكم، وكذلك مدى قوة أو ضعف الإله الذى يمثلونه فى نفوس الناس، ففى الأسرة الخامسة كان كهنة إله الشمش هم المسيطرون على كل شيء لقوة إلهم فى نفوس المصريين، وفى الأسرة العشرين استطاع أحد الكهنة الوصول إلى الحكم وصار هو الملك. هل كان للكهنة نفوذ قوى فى الناحية الاقتصادية؟ وما مدى صحة أنهم كانوا يسيطرون على مقدرات الأسواق؟ - بالفعل تمتع الكهنة بنفوذ اقتصادى قوي، وكانوا يسيطرون على مقدرات الأسواق، ونفوذهم فى هذا الجانب يرجع إلى أنهم كانوا يتحكمون فى الهبات والعطايا التى ترد للإله، كما أنهم سيطروا كثيرا على حركة البيع والشراء. هل كان للشرطة الفرعونية دور سياسي؟ - أحيانا كانت لهم بعض الممارسات السياسية داخل القصر، تمثلت فى مشاركتهم فى بعض المؤامرات التى كان يدبرها الكهنة ضد بعض قيادات الدولة فى تلك الأثناء، وفى أحيان أخرى كان قائد الشرطة يمارس من خلال جنوده بعض الضغوط على الملك، وكانت هذه الضغوط تتوقف أيضا على ضعف الملك أو قوته، وضغوط الشرطة فى هذا الجانب كانت تتمثل فى السيطرة على الأوضاع فى الداخل، وفى بعض الأوقات كانت الشرطة تغطى على بعض السرقات التى تتم فى المقابر والمعابد. ما موقع الجيش فى الخريطة السياسية للفراعنة؟ - كان للجيش وقائده دور كبير فى الحياة الفرعونية فهو من ناحية مسئول عن الدفاع عن البلاد وحدودها، ومن ناحية أخرى هو مسئول عن حماية الملك من المؤامرات أو أى محاولات لزعزعة الاستقرار. هل كان الجيش يسيطر على الأوضاع فى الداخل؟ - لا، لم يكن كذلك، لأن الأوضاع الداخلية من اختصاص الشرطة، والعصر الفرعونى كان يمتاز بالتنظيم الشديد، وكانت هناك قوانين صارمة تسرى على الجميع، والقضاء كان قوى وله اختصاصه وكذلك كل إدارات الدولة. هل مارس القادة الحربيون ضغوطا على الحكومة الفرعونية ليبقوا على مصالحهم؟ - لا تقدم المصادر التاريخية ما يؤكد ذلك ولم تذكر شخصيات حربية محددة لعبت أدواراً ضاغطة للحصول على مكاسب سياسية، ولكن تبقى الإشارة إلى أن رجال الجيش ظهروا بقوة عندما نجحوا فى الوصول إلى عرش البلاد. ما طبيعة العلاقة التى كانت تربط بين الجيش والكهنة؟ - كانت العلاقة بينهما علاقة منفعة ومصالح متبادلة، فبعض قادة الجيش كانوا من الكهنة، وكذلك كانت هناك علاقات نسب ومصاهرة فيما بين الاثنين. هل مارس الفلاحون ضغوطا معينة على الحكومة الفرعونية؟ - يشير التاريخ الفرعونى إلى أن الفلاحين قاموا باحتجاجات كثيرة على حكوماتهم، وكانت تلك الاحتجاجات هى سبيلهم للضغط وكانوا يلجأون إليها عندما يحدث قحط أو يقل الإنتاج الزراعى وكذلك فى حالة حدوث كوارث طبيعية، وكانت ضغوطهم تهدف إلى إعفائهم من الضرائب، وتحقيق الاستقرار فى الأسعار لتوفير الحياة الكريمة، وممارسة الحياة والزراعة فى أمان وسلام وطلباً لرضا الإله. وماذا عن العمال فى هذا الجانب؟ - العمال أيضا مارسوا ضغوطا كثيرة على الدولة الفرعونية تمثلت فى تنظيمهم للإضرابات العمالية والعامل المصرى كان يضرب دون أن يخرب أو يعطل مصالح الدولة، ففى عهد رمسيس الثالث قام العمال بالكثير من الإضرابات ووصل الأمر فى بعض الفترات إلى حد الثورة، وفى عصر الأسرة السادسة أيام الملك بيبى الثامن حدثت أكبر ثورة اجتماعية فى التاريخ الفرعوني، وكان دافعها الفرق الكبير الذى حصل بين الأغبياء والفقراء، وأدت هذه الثورة إلى تغيير النظام بالكامل وسقطت على أثرها الأسرة الحاكمة.