إن إحدى الوسائل لتوضيح ملامح قيام حرب أهلية فى العراق هى وجود صراع تدعى فيه جهتان أنها الحكومة الشرعية، ويمكن القول: إن هذا لم يحدث فى عام 2006 و 2007، وإنه لا يحدث الآن أيضًا. فعلى الرغم من أن العديد من الفصائل تنتقد رئيس الوزراء نورى كمال المالكى، إلا أن معظمها لا تزال تحتفظ بممثليها فى البرلمان وبوزرائها فى الحكومة الاتحادية، ولدى الأكراد شكوك مشروعة حول التزام المالكى بتقاسم السلطة، ولكنهم لا يحاولون الاستيلاء على السلطة منه بالقوة. بل على العكس من ذلك تمامًا، فإننا نجد أنهم يسعون لردعه عن استخدام القوة العسكرية ضد حكومتهم التى تتمتع بحكم شبه ذاتى فى إقليمهم. ويحتج العرب السنة مطالبين بمعاملتهم بصورة أكثر عدلًا، ولا يسعون بصورة نشطة لمحو الواقع العنيد المتمثل بتزعم الشيعة للحكومة، كما أن فرصهم فى إطلاق انتفاضة على غرار "الربيع العربى" ضئيلة لأنهم أقلية طائفية، وليست مجموعة الأغلبية فى البلاد. وعلى الرغم من جميع شكاوى الفصائل الشيعية ضد رئيس الوزراء، إلا أن هذه الجماعات تميل إلى جانب المالكى فى الأوقات العصيبة. ففى ميزانية 2013 التى تمت المصادقة عليها مؤخرًا، تكاتفت معًا جميع الكتل الشيعية تقريبًا لتمرير ميزانية مناهضة للأكراد بصورة قوية، وبدلًا من مراقبة اندلاع حرب أهلية، من المفيد بصورة أكثر التفكير عن العراق كمكان تبحث فيه مختلف الجماعات عن صفقة من الحكومة المركزية تكون مفضلة لها بصورة أكبر، بحيث يتم منح المزيد من الحكم الذاتى للأكراد ومعاملة متساوية لأهل السنة. لننتقل إلى صلب الموضوع، هل أصبح العراق أكثر أم أقل عنفًا؟ هل يشعر العراقيون بأن ما يحدث فى بلادهم هو حرب أهلية؟ بحلول بداية عام 2011 رأينا أن عدد الحوادث قد وصل إلى ما لا يقل عن 200 حادث عنف شهريًا فى العراق، ومنذ بداية عام 2013، أفادت التقارير عن وقوع 800 حادث عنف كبير فى الشهر، إن هذا الرقم هو أربعة أمثال معدل عدد أحداث العنف فى غضون عامين، كما أن أحداث العنف التى أوردتها التقارير هى ليست سوى جزء بسيط من أعمال العنف الفعلية، وفى الواقع، وبشكل روتينى، لا يتم إحصاء أشد أنواع أعمال العنف التى تقع فى البلاد وهى عمليات التهديد بالاختطاف غير المهلكة، وأعمال القتل، والتعذيب، وهذا النوع من الهجمات الذى يتم استهدافه فى كثير من الأحيان ضد قادة المجتمع المحلى له تأثير متلاحق يتمثل باستمرار التطهير الطائفى أو العرقى من مناطق معينة، أو الحد من رغبة السكان المحليين فى الإبلاغ ضد المتشددين إنه غير مرئى ومزعج، وأنا أطلق عليه اسم "العنف غير البارز والشديد التأثير". سوف تأتى الضربة الكبرى فى النصف الثانى من عام 2013، عندما يصطدم الابتهاج السنى من انهيار نظام الأسد فى سوريا مع التخوف الفائق لحكومة المالكى من أن تصبح هى الدومينو المقبل الذى قد يسقط، إن سوريا هى مثال ملائم للتوصل إلى نتيجة لأنها تجبرنا على طرح السؤال: إذا لم تقم الولاياتالمتحدة بغزو العراق قبل 10 سنوات، هل كانت ستأخذ الآن ذلك الخيار بعين الاعتبار، بمشاهدتها صدام أو أحد أبنائه يسحق تمرد المدن العراقية فى أعقاب "الربيع العربى"؟ إن ذلك سيعنى اندلاع حرب أهلية. * نقلًا عن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى