كل شيء يتغير مع مرور الزمن.. الأخلاق.. السلوك.. العادات والتقاليد.. هكذا الحال في الأغاني فما سمعناه في الماضي لم نعد نسمعه في الحاضر.. الكلمات تبدلت والاحساس تغير حتي الكذب وعتابه تغير وما يؤكد ذلك أنه في عصر عبدالحليم حافظ كان عتاب الحبيب إذا كذب عليه حبيبه يصفه بالجمال في عتاب جميل فمثلاً غني عبدالحليم «حلو وكداب ليه صدقتك» فهو أراد مغازلة حبيبته قبل عتابها.. كذلك كوكب الشرق أم كلثوم لم تكن تريد اتهام حبيبها بالكذب وإنما راحت تكذب نفسها في أغنية «أكذب نفسي» وبعد سنوات جاءت نجاة وغنت قصيدة الراحل كامل الشناوي بكلمات تصف الكذب والاحساس الصعب به بأغنية «لا تكذبي».. ثم جاءت وردة تستغرب حالها مع الحبيب قائلة «أكدب عليك لو قولت بحبك لسه.. أكدب عليك لو قولت نسيتك» ولكننا لا ولن ننسي أبوضحكة جنان إسماعيل ياسين وقلبه الرقيق وهو ينفي صفة الكذب والشائعات المغرضة عن النساء كاذبات بأغنية «الستات ما يعرفوش يكدبوا» وبدأت الكلمات المستخدمة مع الحبيب الكاذب تتغير ليس لأنه كاذب بل لأننا أصبحنا نستخدم نوعاً آخر من الكلمات ففي أوائل التسعينيات غني شعبان عبدالرحيم «كداب ياخيشة» وأصبحت هذه الأغنية بداية الانفتاح إلي عالم لغتنا اللغة العامية الشعبية وبدأ الشعراء في استخدام هذه الكلمات في الأغاني.. وفي نهاية التسعينيات بدأت مرحلة السب والقذف وياويلها مما سيقال لها من تكذب علي حبيبها أو من سيكذب علي حبيبته فغني حمادة هلال لحبيبته الكاذبة قائلاً لها بمنتهي الغضب «يالا ياكدابة» مع أن هذا يعد قذفاً ولكنه اندرج تحت قائمة قاموس العتاب «التقيل».. وهنا يتضح لنا التناقض بين قلب حليم عندما قال «حلو وكداب» وبين من يطلق قذائفه في وجه حبيبه..حتي المطرب المحبوب محمد فؤاد هو الآخر لم يرضيه كذب حبيبته واستنكارها وعدم اعترافها بحبها له فغني لها «كداب مغرور قال مش بيحبنا».. ونوال الزغبي هي الأخري أرادت أن تجعل حبيبها يعترف بحبه فغنت له «عينيك كدابين» وهذه كانت محاولة منها..أما بسكال مشعلاني فقد ملت من كذب الحبيب وقررت فضح أمره وعبرت عن غضبها عبر الفضائيات قائلة «أكبر كدبة بحياتي كانت حبك أكيد»..أما المطرب الشاب مجدي سعد ورغم أنه في بداية مشواره الفني إلا أنه أراد التمرد علي حبيبته وكذبها المستمر له وغني لها «حبك ليا كدب فكدب»، وأخيراً أراد طارق عبدالحليم نصيحة حبيته الكاذبة قبل اتخاذ أي قرار وغني لها «الكداب بيروح النار وانت بتكدب ليل ونهار».. وعن سبب الاتهام المتبادل بين الأحباء في الأغاني واستخدام الألفاظ الجارحة لبعضهم والفرق بينها وبين كلمات العتاب في الماضي يقول الشاعر الغنائي عنتر هلال إن الكذب نوعان فهناك كذب المجاملة وهناك الكذب الذي ينم عن سوء الأخلاق، وفي الأغاني عندما يقرر المحبوب اتهام حبيته بالكذب يكون بالطبع مجروحاً وأحس بالإهانة وحياتنا اليومية تجعلنا نكذب في اليوم ألف مرة.. لكني اختلف مع من يستخدمون الكلمات الجارحة ولكني أبرر ذلك بالمناخ الذي نعيش فيه فإذا قارنا اليوم بعصر عبدالحليم نجد الفرق كبيراً جداً فالناس الآن أصبحت تحت ضغط نفسي وعصبي يجعله لا تفكر في إيجاد مبرر للكذب مع من تحب.. أما في عصر عبدالحليم فكانت الحياة أكثر هدوءا والناس أكثر تسامحاً وحباً.. ويضيف عنتر هلال إن الشعراء شأنهم شأن أي شخص آخر يتأثر بمن حوله فإذا كانت حالة الشاعر النفسية جيدة يكتب ما يعكس ذلك.. وإن كانت حالته النفسية سيئة يكتب أيضا ما يعكس ذلك.. أما عن استخدام الكلمات الجارحة والألفاظ بشكل مبالغ فيه فذلك يرجع لأن الناس أصبحت أكثر حدة وعنفاً والشعراء يعكسون في كتاباتهم مشاعر الناس واحساسهم بالاشياء.