تحمل صغيرتها على يدها اليمنى، وتحمل على أكتافها همًا لا تطيقه الجبال، بينما تحاول أن تشق طريقها في الحياة المليئة بالمآسي، بعينين مخضبتين بالدموع وقلب منفطر تبدأ ضحية قصتنا في رواية مأساتها. إنها «نورا».. الفتاة ذات الثمانية عشر ربيعًا، حديثة السن "كبيرة الهم"، إحدى ضحايا مسلسل زواج القاصرات الذي لا يزال جاثمًا على صدر المجتمع المصري حتى الآن. شهد عام 1998 بشري مولدها، لكن القدر كان يخبئ لها مستقبلاً مظلمًا لم يتوقعه أحد. قضت نورا سنواتها الأولى في منطقة الشوبك الشرقي التابعة لمركز البدرشين محافظة الجيزة، مع والديها اللذين يعملان في تجارة الخضروات، وما إن أصبحت فتاة يافعة حتى اصطحباها إلى السوق بدلاً من المدرسة لتبدأ مرحلة جديدة في حياتها. كعادة الأسواق الشعبية كان الجميع منشغلاً بتجارته وعمله، إلا "ياسر" "فتوة السوق"، الذي كان منشغلاً بنورا، حيث جذبت الفتاة نظره منذ الوهلة الأولى وأخذ يمني نفسه بالزواج منها ولمّ الشمل. كانت نورا هي الأخرى تراقب ياسر من بعيد، ونجح "الفتوة" في أسر قلب الفتاة الصغيرة، وبدأت تلمع في مخيلتها الأماني الوردية لفارس الأحلام الذي سيأتي ذات يوم لينتشلها على حصانه الأبيض مما هي فيه. وغير بعيد عن نظرات الغرام المتبادلة، كانت أم الفتاة منشغلة هي الأخرى في إيجاد عريس لابنتها البالغة من العمر أربعة عشر عامًا وقتها، لكي لا تعيّر بها في المنطقة كما هي العادة، قائلة: "البنت لما بتوصل 18 سنة في بلدنا بيعيروا أهلها بيها وبيطلعوا كلام على البنت". لاحقًا قرر ياسر أن يريح "أم نورا" من عناء التفكير ويتقدم لخطبة الفتاة، وهو ما رحبت به الأم بشدة وعارضه الإخوة الذكور بنفس الدرجة، كان إخوة نورا يرون أن "العريس" لا يصلح للارتباط بأختهم الصغيرة في السن، نظرًا لسوء أخلاقه وكثرة مشكلاته، لكن الأم نجحت في نهاية الأمر في إقناعهم بإتمام الزواج. قبلت الفتاة الزواج بدون تفكير فقد كانت تترقب اللحظة التي ترتدي فيها فستان الزفاف الأبيض، لتصبح "عروسًا" دون أن تضع في الاعتبار أي شيء آخر فهي حسب كلام والدتها "لسة عيلة فرحت بالفستان والجزمة الجديدة". كاد مشروع الزواج أن ينتهي من قبل أن يبدأ، حيث رفض "المأذون الشرعي" أن يعقد قران الفتاة لأنها مازالت قاصرًا، لكن ذلك لم يحل دون إتمام مراسم الزواج فقد اتفق ياسر وأهل نورا على أن يتزوجها عرفيًا، ثم يعقد عليها رسميًا بعد بلوغها السن القانوني، ظنًا منهم أنه سيوفي بوعده، وقع الطرفان عقدًا وقسيمة زواج عرفيان كتبا بخط اليد، ونصا على أن الزوج ملزم ب20 جرام ذهب، وغرفة معيشة فقط. ما هي إلا أيام وانتقلت نورا إلى عش الزوجية الذي خلا من أي مظهر لذلك سوى من "سرير وكنبتين"، قبل انتهاء الأسبوع الأول من عمر زواجهما الوليد كشر ياسر عن أنيابه وأشبع نورا ضربًا في ثاني أيام الزواج لأن كوب الشاي الذي قدمته له لم يعجبه، وبعد مرور 5 أشهر من الزواج صار "الضرب" هو الروتين اليومي لحياة الزوجين، حيث كان ياسر يوسع زوجته ضربًا كل يوم لأتفه الأسباب، لتكتشف لاحقًا أن "حبيب العمر" مجرد مدمن غير قادر على الإقلاع عن المخدرات. لاحقًا أقدم الزوج على جريمة أشنع حين قرر إنهاء حياة أحد أقاربه بعد محاولة الأخير التصدي له أثناء سرقته لمنزله، ليقبض عليه ويودع في السجن بتهمتي السرقة والقتل العمد، خلال تلك الفترة وضعت نورا طفلتها الأولى من زوجها –غير الرسمي- وقررت الذهاب إليه في محبسه لتطالبه بأن يعقد عليها رسميًا بعد تجاوزها سن الثامنة عشرة، لكن "الزوج الذي يقبع خلف القضبان" صدمها برده قائلاً: "هسيبك كدا زي البيت الوقف لا هكتب عليكي ولا هطلقك"، لم تيأس الزوجة وحاولت إقناعه عن طريق الوسطاء أصحاب الشأن من أهل البلدة، لكنه رفض كل محاولات الوساطة ضاربًا بالجميع عرض الحائط، بعد أن أخفى عقود الزواج العرفية، تاركًا نورا بنظرات حائرة كيف تثبت أنها متزوجة، وكيف يمكنها إن تقدم لفتاتها الصغيرة في المدرسة بدون وجود قسيمة الزواج، بالإضافة لعدم وجود شهادة ميلاد للطفلة التي لم ترتكب أي ذنب سوى أنها ضحية فقر وجهل.