جماعة مرسي أخرجته من «الاتحادية».. إلى السجن بعد أن دخل محمولا على الأعناق رحم الله الكاتب الساخر جلال عامر حين قال: «نحن لا ننظر أبدًا في مرآة مستوية تظهر الحقيقة، بل إما مقعرة تظهرنا أكبر مما يجب، وإما محدبة تظهرنا أصغر مما نحن»، فالشعب المصرى ليس له «كتالوج» محدد، فحين خرج بالملايين للشوارع لتحية «نيكيتا خروشوف» زعيم الاتحاد السوفيتى لم تمر سوى سنوات حتى بدل عباءته وخرج لتحية «ريتشارد نيكسون»، رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهتف لكامب ديفيد ثم لعنها. المصرى هو نفسه من فرح لتأميم المصانع ثم سعد بخصخصتها، وقدس زعماءه ثم اكتشف أنهم بشر يصيبون ويخطئون، ربما تكون سقطاتهم ورطهم فيها المقربون منهم، أو كانت ناتجة عن «الدماغ الناشفة» وتصلبها أمام تطورات الواقع، وفى كلتا الحالتين كانت الكارثة ناتجة من «اللعب في دماغ الرئيس». جمال عبد الناصر رئيس استطاع أن يمس أوتار قلوب المصريين، فتوج زعيمًا، صنعوا منه أسطورة لن تتكرر، فهو الإنسان الوحيد الذي كان له صورة شخصية بجانب صور العائلة، ومن الذي لا يحب «ناصر» بعد أن ملك قلوب الجميع. أما «ناصر» نفسه فكان يشعر تجاه شخص واحد فقط بالضعف إنه عبد الحكيم عامر، وهذا الضعف كان أكبر أخطائه وعيوبه وهذه الصداقة دفع الشعب المصرى بل الوطن العربى كله حسابها؛ إذ أنه الشخص الوحيد الذي كان قادرًا على اللعب في دماغ الرئيس وهو ما أوصل الأمور إلى تجرع مرارة «النكسة». قبل نكسة 67 دارت مواجهات بين ناصر وعامر وكانت الغلبة فيها للثاني، حيث كانت المواجهة الأولى في أزمة ديسمبر 1962 عقب الانفصال عن سوريا، واقتراح «الزعيم» تشكيل مجلس رئاسى لمواجهة نفوذ وزير حربيته، فأعلن «المشير» استقالته وتضامن معه عدد من كبار قادة الجيش لتحدث وقتها أزمة حادة دفعت الرئيس إلى التراجع عن المواجهة. ثم جاءت المواجهة الثانية عام 1965، حين وافق مجلس الرئاسة بأغلبية 6 أصوات على سحب معظم اختصاصات عبد الحكيم عامر في الجيش، فألقى عامر جدول أعمال مجلس الرئاسة على طاولة الاجتماع، وانصرف إلى بيته ليرسل خطاب استقالة مسببة إلى عبد الناصر حملة إليه شمس بدران الذي لعب دور الوسيط بين الإثنين، وعاد بعدها عامر إلى الجيش مرة أخرى ليواصل اللعب في الدماغ وتوريط الرئيس ومصر كلها في هزيمة يونيو. أما «السادات» فكان داهية سياسية، كما يحلو للبعض توصيفه، ولا أحد يعرف فيما كان يفكر هذا الرجل قبل أن يفاجئ من حوله بقراره، إلا أنه سمح بوجود «دهليز» بين خلايا مخه دلف منه مقربون للعب في الدماغ لارتكاب أكبر أخطائه، وهو بعث «الإخوان» للحياة من جديد لمواجهة غول الشيوعية والناصريين. وفى عام 1970 وبعد وفاة جمال عبد الناصر وتولى أنور السادات السلطة في مصر، واجه السادات معارضة ممن كان يسميهم «مراكز القوى»؛ فقرر أن يستعين بجماعة الإخوان المسلمين والتصالح معها؛ ليضرب بذلك التيارات اليسارية والقومية التي يستند إليها خصومه داخل مصر فأقنعه عثمان أحمد عثمان، والدكتور محمود جامع بإمكانية التواصل معهم وبالفعل سافر كل من عثمان وجامع للسعودية وهناك عقدا عدة اجتماعات، حضرها من قيادات الإخوان الدكتور نجم سالم، وعبد المنعم مشهور، ويوسف القرضاوي، وأحمد العسال بالتنسيق مع ملك السعودية الملك فيصل بن عبدالعزيز. السعودية بدورها سارعت بمباركة الاتفاق، وتبرع الملك فيصل ب100 مليون دولار للأزهر، دفع منها 40 مليون دولار؛ لقيادة حملة ضد الشيوعية والإلحاد، وهو القرار الذي دفعت مصر كلها ثمنه وأولهم السادات إذ كان كمن ربى «ذئبًا» في بيته حين جاع التهمه. أما المرة الثانية التي تدخل فيها عثمان أحمد عثمان، فكانت عندما قرر السادات إعفاء حسنى مبارك من منصب النائب وإعطاء صلاحياته كلها إلى «منصور حسن» في عام 1978، قبل أن يتوجه مبارك ل«عثمان» ويشتكى له من سحب الرئيس كل اختصاصاته ومنحها لمنصور حسن دون معرفة السبب بل بكى، فتدخل عثمان أحمد عثمان لإعادة مبارك إلى موقع النائب مرة أخرى وهو ما حدث. مرت سنوات قليلة، وحل حسنى مبارك رئيسًا لمصر خلفًا للسادات، ورغم أنه بدا متسامحًا ونشطًا في سنواته الأولى إلا أن خطأه الأكبر أنه سمح لابنه بأن يلعب في دماغه ويشركه في العمل السياسي ويكون له شلة، في نهاية حكمة أبرز وجوهها «أحمد عز وجماعة جيل المستقبل ولجنة السياسات بالحزب الوطني»، والتي أدارت البلد بمنطق إدارة شركة قطاع خاص، فأوصلت حسنى مبارك والبلد كلها إلى 25 يناير. ما إن حطت ثورة 25 يناير أوزارها وبدا لمرحلة «مصر بعد 2011» رئيسًا جديدًا وهو محمد مرسي ظهر «التوهان على أصوله» فلم يكن الرئيس الأسبق في حاجة لأحد حتى يلعب في دماغه، بل كانت نفسه وجماعته كافيتين للإطاحة به. ولعل أبرز خطابات «مرسي» الكارثية حين تحدث، قائلا: «القرد لما يموت القرداتى يشتغل إيه، ونحن في منحدر الصعود»، هنا تدرك تمامًا أنه وصل إلى مرحلة عالية من مراحل اللعب في الدماغ، ولا تنسى أن اللعب في دماغ مرسي كان على الهواء مباشرة، ولا تنسوا كلمة مرشده محمد بديع: «القصاص القصاص» أما اقرب معاونيه في قصر الاتحادية فكان عصام الحداد وأحمد عبدالعاطى ومحمد رفاعة الطهطاوى وياسر على وجميعهم لعب ادوارًا متفاوته في تورطيه حتى خلع بدلة الحكم وارتدى بدلا منها بدلة السجن.