''إنتي عارفة إن كلمتي لا يمكن تنزل الأرض أبدًا''، ''نورماندي تو''، ''إنتي ست إنتي.. إنتي ست أشهر''، كلها إفيهات اشتهر بها صانع البهجة، الفنان الراحل عبد الفتاح القصري الذي يصادف اليوم ذكرى ميلاده، وهو فنان عرف بخفة ظله وحضوره المميز، وتمكنه من أداء الأدوار الكوميدية ببراعة، ورغم أنه أمضى حياته في الفن وأفنى عمره ووقته وكل ما يملك في سبيل عشقه للفن، وفى سبيل إسعاد الجمهور، فإنه عاش مأساة كبيرة، واختتم حياته بالألم والمرارة، نتعرف على مأساة صانع البسمة خاصة في أيامه الأخيرة. في صيف 1962، كان عبد الفتاح القصري على موعد مع مأساة كبيرة في حياته، فعندما وقف على المسرح يؤدي أمام إسماعيل ياسين مشهدًا، وبمجرد أن هم بالخروج من الديكور الجانبي أظلمت الدنيا في عينيه، فأخذ يتحسس قطع الديكور وهو يصرخ "مش شايف"، وظن جمهور الصالة أن صرخاته جزء من نص المسرحية، فزاد ضحكهم وتصفيقهم له، في الوقت الذي كان يعتصره الألم من هول الصدمة والألم، ومع استمرار صراخه أدرك إسماعيل ياسين حقيقة وضعه فأخذه إلى الكواليس، وانفجر القصري في البكاء مرددًا: "نظري راح يا ناس" وتم نقله إلى المستشفى، وهناك قرر الأطباء أن سر فقدانه بصره هو ارتفاع نسبة السكر بشكل كبير. بعد ثلاثة أشهر عاد إلى عبد الفتاح القصرى جزء من بصره، لكنه واجه مأساة أخرى وصدمة لا تقل عن الأولى، بعد أن أجبرته زوجته الشابة على تطليقها، ولم تكتف بذلك وحسب بل أجبرته على أن يكون شاهدًا على زواجها من صبي البقال، الذي ظل القصري يرعاه لمدة خمسة عشر عامًا. لم تكتف الزوجة بذلك، بل بالغت في جحودها وقسوتها، حيث أقامت مع زوجها في شقة عبد الفتاح القصري وأمام عينيه في شارع جانبي بالسكاكيني، دون أن يستطيع أن يحرك ساكنًا أو يبدى اعتراضًا، ولم يمر الأمر على القصري بسهولة، فالفاجعة في زوجته والصبي الذي تبناه أفقدته عقله ودخل دوامة من الهذيان، فما كان من مطلقته إلا أن حبسته وقيدت حركته في المنزل. بعد ذلك أصيب بتصلب في الشرايين وفقدان الذاكرة، فاضطر أن يعيش في منزل شقيقته بحي الشرابية، وفى أواخر أيامه عانى الكوميديان من مرارة المرض والوحدة والخذلان، وتألم في صمت دون أن يشعر أحد بأناته بعد أن كانت ضحكاته تهز المسرح وتنير السينما أيضًا، ولم يرحمه أحد ولم يقف بجواره شخص وقت مرضه وحتى مماته، حتى توفي في الثامن من مارس 1964، ولم يحضر جنازته سوى أربعة أفراد شيعوه إلى مثواه الأخير.