أفنى الفنان الكوميدي الكبير عبد الفتاح القصري حياته الفنية في إضحاك الملايين ثم بكى في أيامه الأخيرة ليرحل عن دنيانا في مثل هذا اليوم 8 مارس عام 1962 بعد صراع ومعاناة مع المرض والألم النفسي عن عمر يناهز ال 59 عاماً. من منا لا يذكر إفيهات "أنا كلمتى لا يمكن تنزل الارض أبداً" في فيلمه الرائع ابن حميدو، و"انا مش شايف ادامي أيتها ست، دانتي ست أشهر .. ده أنا جنبك ابقى مرلين مورنو" في فيلم سكر هانم. عبد الفتاح القصري من مواليد حي الجمالية بالقاهرة ولد في 15 أبريل عام 1905 لأب ثري يعمل في مجال تجارة الذهب، ولم يتطرق القصري في أحاديثه إلى اصول عائلته أو الى اي جذور غير قاهرية له أو إلى نشأته غير أنه تعلم بمدرسة الفرير الفرنسية. احب القصري التمثيل منذ الصغر، وكان يهوى متابعة الفرق المسرحية ومن بينها فرقة فوزي الجزايرلي التي كانت تقدم عروضها على احد مسارح منطقة الحسين. وبدأ عبد الفتاح القصري حياته الفنية ضد رغبة والده الذي هدده بحرمانه من الميراث اذا سلك هذا الطريق، ولكن القصري عشق الفن ولم يستطع مقاومته، وكانت بدايته الفنية مع فرقة عبد الرحمن رشدي، ثم فرقة "عزيز عيد" و"فاطمة رشدي" حتى انضم لفرقة الريحاني عام 1926 الذي دفعه لاحتراف الفن وترك مهنة والده وعوضه عن ذلك بمرتب مغرٍ يضمن له استقرار حياته المادية، وقدم القصري من خلال مسرح الريحاني شخصية المعلم وابن البلد غير المتعلم التي لازمته طوال حياته الفنية. وعلى صعيد السينما، ظهر عبد الفتاح القصري في أول أدواره في فيلم بحبح عام 1935 وحقق نجاحاً لفت إليه أنظار المخرجين السينمائيين والتقطوه وقدموه في الأفلام الكوميدية ليقدم أنجح الأفلام في فترتي الأربعينيات والخمسينيات. قدم القصري نحو 104 أعمال ما بين مسرح وسينما، منها نحو 60 فيلماً على مدار مشواره الفني ولم يقدم بطولة مطلقة بل كان دائماً "سنيد البطل". فقد قدم في فترة الثلاثينيات نحو 4 أفلام، أما في فترة الأربعينيات فقد شارك في بطولة نحو 21 فيلماً. وفي الخمسينيات كان القصري قاسماً مشتركاً في العديد من الأفلام الكوميدية خاصة أفلام إسماعيل ياسين وقدم نحو 38 فيلماً. ومن أبرز أفلامه: سي عمر، انتصار الشباب، لعبة الست، فاطمة، سكة السلامة، الستات كده، إسماعيل يس في بيت الأشباح، بيت النتاش، عنتر ولبلب، الآنسة حنفي وفيلم انسي الدنيا وهو آخر أفلامه عام 1962. التحق القصري عام 1954 بمسرح الفنان الكوميدي إسماعيل يس بعد تركه مسرح الريحاني بعد وفاة الأخير لخلافه مع الفنان عادل خيري، وظل القصري مع فرقة إسماعيل يس حتى آخر دقيقة له على خشبة المسرح. وقدم العديد من المسرحيات الكوميدية الناجحة مثل: مسرحية "الدنيا لما تضحك" عام 1934، "الست عايزة كده" عام 1955 و"صاحب الجلالة"، و"جوزي كداب" عام 1957 و"عايزة أحب" عام 1957 ومسرحيتي حماتي في التليفزيون ومنافق للإيجار عام 1960 ومسرحيتي الحبيب المضروب ويا الدفع يا الحبس عام 1961. امتلك عبد الفتاح القصري سمة مميزة في الأداء التمثيلي ميزته عن غيره من أهل الفن وبشكل خاص فناني الكوميديا، فقد تميز القصري بقصر قامته وكرشه وشعره الأملس وشاربه المميز واحدى عينيه التي أصابها الحول فأصبح نجماً فريداً بالإضافة إلى طريقته الخاصة في نطق الكلام وارتدائه للجلباب والطاقية والكوفية. وفي عام 1962 بدأت معاناة القصري الفنان الضاحك الباكي وذلك مع فقدانه للبصر أثناء أداء دوره في احدى المسرحيات مع الفنان اسماعيل يس، ليصرخ على المسرح "انا مش شايف حاجة" لينفجر الجمهور ضاحكاً ظناً منهم أنه جزء من أدائه المسرحي إلا أن القصري فقد بصره بسبب ارتفاع في السكر، لتكتمل المعاناة بعدها بطلب زوجته الشابة الطلاق والتي استغلت مرضه ليكتب كل شيء باسمها وتتزوج من صبي كان القصري يعطف عليه، بل وجعلت القصري شاهداً على عقد الزواج وتعيش في مسكنه وتحبسه في غرفه ويبتعد عنه أهل الفن ويتنكر له الكثيرون، وأصيب القصري بعدها بتصلب في الشرايين الذي سبب له مرض فقدان الذاكرة والهذيان لولا مساعدة الفنانتين ماري منيب ونجوى سالم له وقيامهما بإدخاله المستشفي وبعد تحسن حالته قليلاً خرج القصري من المستشفي ليجد بيته قد هُدم وعاش في مسكن صغير مع شقيقته حتى نُقل مرة ثانية لمستشفي المبرة بعد اشتداد المرض عليه لينسدل ستار مسرح الحياة على الفنان الكوميدي عبد الفتاح القصري ويلقى وجه ربه في صباح يوم 8 مارس عام 1964، ولم يحضر جنازته سوى أفراد أسرته وعدد قليل من أهل الفن ومن أبرزهم الفنانة نجوى سالم.