خادم الحرمين.. ودولتنا المدنية!

ليست جزيرتا "تيران وصنافير"، ومعهما الجسر البري الذي تقرر إنشاؤه بين مصر والسعودية هي المصدر الوحيد للجدل والصخب الذي اقترن بزيارة خادم الحرمين الملك سلمان لمصر، وهي الزيارة التي حظيت باهتمام مصري وسعودي، بل عربي عالمي واسع، خاصة أنها كانت أول زيارة دولة «زيارة رسمية» للعاهل السعودي خارج السعودية، وامتدت لنحو خمسة أيام، وشهدت الكثير من الفعاليات والأنشطة، وتمخضت عن إبرام العديد من الاتفاقات، وتضمنت لقاءات لافتة للانتباه، كان من بينها لقاء خادم الحرمين مع البابا تواضروس، واستضافته مع شيخ الأزهر على مائدة عشاء الملك الذي أقامته السفارة السعودية.
ولكن الجدل والصخب الذي اقترن بزيارة الملك سلمان لمصر، امتد أيضًا لما يلمح إليه البعض حول تأثير توطيد علاقة مصر بالسعودية فى معركتها ضد التطرف الديني وجماعاته وتياراته وسعي شعبها لإقامة دولة ديمقراطية مدنية عصرية.
لقد ظل البعض طوال وقت ليس بالقصير مضى يعبر عن مخاوفه، وربما آماله من فتور العلاقات بين مصر والسعودية، بعد تولي الملك سلمان مسئولية الحكم بعد وفاة الملك عبدالله، ولكننا الآن بعد أن أثبت الملك سلمان عمليًا أنه حريص على علاقات قوية واستراتيجية مع مصر لحاجة السعودية لهذه العلاقة مع مصر التي لا تقل عن حاجة مصر أيضًا، فإننا نواجه الآن بنفر يعبر عن مخاوفه، وربما آماله أيضًا من أن تؤثر هذه العلاقة القوية فى مسيرتنا التي تستهدف تحقيق دولة ديمقراطية مدنية عصرية أو غير دينية.
ولكن فات هؤلاء أن مصر رغم رغبتها وسعيها بل حاجتها أيضًا لعلاقة قوية مع المملكة العربية السعودية لم تتخل عن رؤيتها الاستراتيجية تجاه القضايا العربية ومشكلات المنطقة.. فلقد تمسكت ومازالت بالحل السلمي لهذه المشكلات سواء في سوريا أو اليمن أو ليبيا ورفضها أو عدم اقتناعها بالحل العسكري أو التدخل العسكري الأجنبي فيها.. ولعل ذلك كان سبب رفضها التدخل بريًا في اليمن.
وفات هؤلاء أيضًا أن علاقة مصر القوية مع السعودية لم تمنعنا من صياغة علاقات قوية مع روسيا، التي تشوب علاقاتها بالسعودية بعض الخلافات في مقدمتها الخلاف حول حل الأزمة السورية.
أما الصخب والجدل فإنه لن يتوقف وسوف يستمر لأن هناك من لا يروق لهم وجود علاقة قوية مصرية سعودية، ومن لا يرتاحون لاستمرار المواجهة داخل مصر ضد جماعات وتيارات وقوى التطرف الديني، ومن لا يرغبون أن تمضي مصر إلى الأمام..