رغم أن "حزب العدالة والتنمية" يمثل النسخة الموالية المعتدلة من السياسات الإسلامية فى المغرب، إلا أن نسخته المعارضة المتعصبة تتركز فى "جماعة العدل والإحسان"، بقيادة الواعظ الصوفى صاحب الشخصية المؤثرة والمقنعة الشيخ عبد السلام ياسين الذى ترأس الحركة من أواخر السبعينيات وحتى وفاته فى ديسمبر الماضي. وكما هو الحال مع جماعة الإخوان المسلمين فى ظل حكم مبارك، فإن هذه المنظمة ليست قانونية بشكل كامل ولكن وجودها مسموح به، وهى تقوم على أسس أيديولوجية منضبطة ومتماسكة وسرية وتحظى بدرجة كبيرة من التعاطف الشعبي. وهى تعترض من حيث المبدأ على النظام الحالى لكنها ترغب فى التعايش معه، حتى تسمح لها الظروف بمعارضته صراحة. وتتباين تقديرات أتباع "جماعة العدل والإحسان" بشكل واسع، من100 ألف إلى 200 ألف، وتذهب تقديرات البعض إلى أن عددهم قد يصل إلى المليون شخص، وهذا الرقم بشأن العضوية كان من بين المسائل التى دفعت اثنين من قادة الحركة إلى الرفض الصريح للظهور فى مقابلة مطولة فى الرباط فى منتصف أبريل حيث بررا ذلك إلى "أسباب أمنية". والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو معرفتهما الشخصية الواسعة والواضحة بالحركات المماثلة الحاكمة الآن فى مصر وتونس اللتين سافر إليهما أحد هؤلاء القادة الإسلاميين المغاربة مؤخراً، وهو لم ير أى أمور غير ديمقراطية على الإطلاق فى تصرفات تلك الحركات منذ اعتلائها السلطة، والمفارقة أنه اشتكى من السلفيين، لأنهم يسيئون لسمعة الأصولية بين المغاربة الذين يتسمون بالتسامح وعدم اللجوء إلى العنف. وتعمل "حركة العدل والإحسان" اليوم على استعادة قوتها، ليس فقط من خسارة الشيخ ياسين وإنما أيضاً من قرارها بالانفصال الكامل عن العناصر الليبرالية الأخرى فى المعارضة المغربية التى اتحدت معها فى مظاهرات الشوارع الجماهيرية التى نظمتها حركة 20 فبراير فى عام 2011. فكلا هذين التطورين أضعف قاعدة الدعم التى تحظى بها الحركة الإسلامية على مدار العام الماضي. كما أن الحركة لم تستفد كثيراً من التمويل الأجنبي، حيث تفضل حكومات الخليج الغنية بالنفط دعم غير الإسلاميين، وتساند زميلها الملك الحالى المعتلى للعرش. ونتيجة لذلك، تتراجع أسهم "حركة العدل والإحسان"، حيث لا تُبدى مرونة فى مبادئها الثورية بينما تركز أهدافها على المدى البعيد. إن الصيغة غير المعتادة للمغرب، التى تقوم على إدخال إصلاحات حقيقية وإن كانت متواضعة بتفوقها على حركة المعارضة الإسلامية الشعبية، تعمل على إرساء الاستقرار دون التسبب فى جمود الأوضاع، وبالنسبة للولايات المتحدة، يعنى هذا أقل قلقاً بخصوص هذه الدولة فى وقت تسود فيه حالة من الاضطرابات وعدم اليقين فى كل مكان فى المنطقة تقريباً، ولهذا السبب وحده، يستحق المغرب بعض الاهتمام والتشجيع. وفى حين أن نموذج المغرب لا يمكن استنساخه بسهولة فى أماكن أخرى، إلا أنه ينطوى على بعض الدروس التى يمكن أن تستفيد منها الملكيات العربية الأخرى. إن استقرار المغرب يستحق الاهتمام كذلك لأنه يأتى متوافقاً مع سجل البلد الاستثنائى فى مكافحة الإرهاب، فعلى مدار العقد الماضي، عانت البلاد من حادث إرهابى واحد على الأقل سنوياً، فى المتوسط، لكنها لم تشهد أى أعمال إرهابية فى العام الماضي، وفى الوقت الذى تنتشر فيه فروع تنظيم القاعدة عبر أرجاء المغرب العربى والساحل فى الوقت الحالي، فإن بإمكان الولاياتالمتحدة الاعتماد على الدعم القوى من المغرب لمواجهة تلك الفروع، لكن الانتقال إلى المستوى التالى من التعاون الإقليمى سوف يتطلب تقارباً مع الجزائر، التى باعدت بينها وبين المغرب منذ فترة طويلة إقدام الأخيرة فى عام 1975 على ضم المستعمرة الإسبانية السابقة "الصحراء الغربية". وحتى إن كان الوقت غير ملائم لتسوية تلك القضية، إلا أن جهود الولاياتالمتحدة لتحفيز هاتين الجارتين نحو المزيد من التعاون العملى سوف تعود بالمكاسب الأمنية على الأطراف الثلاثة مجتمعين. نقلاً عن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى .