تُعد مصر أمًا للحضارة الإنسانية منذ آلاف السنين، وآثارها الصامدة على أرضها تشهد على هذا الأمر، باعتبارها مركزًا لالتقاء الثقافات المختلفة والمتنوعة، وبالرغم من هذا التاريخ الثري إلا أن كل هذا تحول إلى مجرد حروف تملأ كتب التاريخ، بينما لا يشير الحاضر بأي حال من الأحوال إلى تلك الحضارة العريقة الممتدة لسنوات طوال في ظل انتشار الإهمال في كافة الأرجاء. تكية أبو الدهب وتعتبر تكية أبو الدهب واحدة من تلك الآثار التاريخية التي تُعاني من شبح الإهمال، وذلك بالرغم من أنها ثاني أهم مجموعة أثرية تجسد روعة العصر الإسلامي بعد مجموعة الغوري، وتتميز بتكاملها ما بين جامع وتكية، فضلًا عن كونها واحدة من أهم التكايا الموجودة على أرض المحروسة، فحينما تخطو قدماك على مدخلها يتسلل إليك الإحساس بعظمة الفترة التي عاشتها مصر خلال العصر الإسلامي من تطور مذهل في فنون العمارة. إهمال وباعة جائلون ورصدت عدسة " فيتو" حالة الإهمال التي يُعاني منها هذا الأثر سواء بفعل تطويق الباعة الجائلين له أو بسبب عدم اتخاذ أية خطوات جادة من قبل وزارة الآثار لترميمه. وفي هذا الصدد، قالت الباحثة الأثرية غادة علي، أن مؤسس التكية هو أحمد بك أبو الذهب الذي يُعد واحدًا من كبار المماليك كما كان من المقربين لعلي بك الكبير، فضلًا عن كونه أشهر تجار الذهب، مشيرة إلى أن التكية هي أحد نماذج العمارة الخيرية والدينية في العصر الإسلامي وكانت تضُم سبيلًا، وكُتابًا، وحوضا كان يستخدم للدواب، بالإضافة إلى مسجد، بجانب حوض وسبيل ملحقين بالمسجد من الناحية الجنوبية، مؤكدة أن التكية تضم المسجد الرابع بمصر الذي تم تصميمه على الطراز العثماني. وأوضحت غادة على أن التكية تختلف عن غيرها من التكايا التي أنشئت خلال تلك الفترة الزمنية المهمة من التاريخ المصري، حيث تكونت من ثلاثة طوابق، وبأسفل هذه الطوابق ميضة تمتلئ بالماء من نافورة تستمد ماءها من بئر داخلها، لافتة إلى أنها كانت تضم أيضًا حجرة صغيرة لإقامة الصلوات واجتماع الدراويش في حلقات الذكر. وأشارت إلى أن التكية استخدمت بجانب كونها مسجدًا وسبيلا كمدرسة لمواجهة الإقبال المتزايد من قبل طالبي العلم على الأزهر الشريف فتم اللجوء إلى الاستعانة بها في ذلك الأمر لتعدد غرفها القادرة على استيعاب المئات من الطلبة، مؤكدة أن التكية تتميز بأن لها وجهتين إحداهما تطل على ميدان الحسين والأخرى تواجه الجامع. المآذن مُهملة وفي سياق متصل، فالقاهرة التي اشتهرت بأنها مدينة الألف مئذنة تهمل مآذنها وتترك مساجدها الأثرية فريسة للحيوانات الضالة والإهمال، فمسجد محمد أبو الدهب الذي يقع في منطقة القاهرة الخديوية يُعد أحد هذه المساجد التي تئن من الفساد والإهمال، مثله مثل مئات المساجد الأثرية الأخرى في عموم مصر من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها. يُصنف هذا المسجد على أنه رابع جامع في مصر، يتم تصميمه على الطراز العثماني، ولكنه بات خربًا تملأ أروقته الأتربة، واحتلته العناكب بعدما أوصدت أبوابه أمام المصلين، وتحول كالقبر لا تسمع فيه همسًا، بعد أن ظل مملوءًا بذكر الله لسنوات طوال. يقع المسجد تجاه الجامع الأزهر في منطقة القاهرة الخديوية، حيث شرع في إنشائه سنة 1187 ه، 1774م، وأتمه سنة 1188ه، 1774م، تم بناؤه على طريقة المساجد المعلقة، التي بنيت مرتفعة عن مستوى الطريق، وفتح بأسفل وجهاتها دكاكين، له وجهتان إحداهما تشرف على ميدان الأزهر ويتوسطها المدخل الرئيسي ويصعد إليه بسلم مزدوج له درابزين من الخرط، والثانية تقابل الجامع الأزهر وبنهايتها مدخل آخر يشبه المدخل الرئيس. وبني المسجد على نسق مسجد سنان باشا ببولاق من حيث التخطيط والطراز به، وهو مربع الشكل طول ضلعه 15 مترا تغطيه قبة كبيرة تتكون رقبتها من ستة عشر ضلعا فتح بها شبابيك من الزجاج الملون، وترتكز على حوائط المسجد بواسطة أربعة عقود تشغل أركان المربع، وكانت القبة محلاة بنقوش مذهبة لم يبق منها سوى آثارها، وفى أسفل الرقبة طراز مموه بالذهب مكتوب به آيات قرآنية تنتهي باسم محمد بك أبو الذهب، ويتوسط جدار القبلة محراب مكسو بالرخام الملون والخردة الملون والخردة المطعمة بالصدف وإلى جانبه منبر خشبي، وللمسجد ثلاثة أبواب تنفذ إلى الأروقة الثلاثة المحيطة بجوانبه، والتي تغطيها قباب محمولة على عقود ترتكز على أكتاف من الحجر وأعمدة من الرخام كما هو الحال بمسجد سنان باشا.