تفاصيل لقاء وزير العمل بمُمثلي شركات إلحاق عِمالة موسم حج 2024    بدء مراسم حفل تنصيب الرئيس الروسي في الكرملين    «زعيم الأغلبية» يدين الهجمات الوحشية للقوات الإسرائيلية على رفح الفلسطينية    ترحيل مجدي شطة لمصلحة الطب الشرعي لإجراء تحليل مخدرات    على طريقة الشيف عظيمة.. حضري بسكويت اليانسون في المنزل    بدء تطبيق نظام رقمنة أعمال شهادات الإيداع الدولية «GDR»    قبل بدء فصل الصيف.. موعد انخفاض أسعار الاجهزة الكهربائية وتوقعات السوق (الشعبة توضح)    رئيس النيابة الإدارية ومحافظ الإسكندرية يضعان حجر الأساس لنادي الهيئة البحري بالمحافظة (صور)    «تعليم المنيا» تعلن جاهزيتها لامتحانات الفصل الدراسي الثاني بصفوف النقل    وزير الدفاع البريطاني يطلع البرلمان على الهجوم السيبراني على قاعدة بيانات أفراد القوات المسلحة    الرئيس الصيني يتعهد ب"عدم نيسان" قصف الناتو للسفارة الصينية في بلجراد    هالر: لم نأت إلى باريس كسائحين    سعر اليورو مقابل الجنيه اليوم الثلاثاء 7-5-2024 بالبنوك    9 أيام إجازة متواصلة.. موعد عيد الأضحى 2024    بعد تصدرها الترند.. مواعيد إعادة عرض حلقة ياسمين عبد العزيز في «صاحبة السعادة»    نجمة البوب العالمية دوا ليبا تصدر ألبومها المنتظر "التفاؤل الجذري"    كيف يقوم العبد المسلم بشكر ربه على نعمِه الكثيرة؟..د.عصام الروبي يوضح    رئيس "دينية الشيوخ": تعليم وتعلم اللغات يمهد لمقاصد شرعية كريمة    البورصة المصرية تربح 11.9 مليار جنيه في ختام تعاملات الثلاثاء    أسباب انتكاسات الأطفال بعد الشفاء من المرض    للأمهات.. أخطاء تجنبي فعلها إذا تعرض طفلك لحروق الجلد    وزير الصحة: المستشفيات المصرية تمتلك إمكانيات ضخمة تمكنها من تقديم أفضل الخدمات الطبية    انطلاق الأعمال التحضيرية للدورة ال32 من اللجنة العليا المشتركة المصرية الأردنية    ضبط متهم بالاستيلاء على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني الخاصة بأهالي المنيا    وزير الري يتابع موقف المشروعات المائية وتدبير الأراضي لتنفيذ مشروعات خدمية بمراكز المبادرة الرئاسية "حياة كريمة"    وزير العمل يلتقي مُمثلي شركات إلحاق عِمالة موسم حج 2024    الأوقاف: أسماء المرشحين للكشف الطبي للتعاقد على وظيفة إمام وخطيب ب إعلان 2023    تأجيل محاكمة المتهمة بقت ل زوجها في أوسيم إلى 2 يونيو    نصائح مهمة لطلاب ثانوي قبل دخول الامتحان.. «التابلت مش هيفصل أبدا»    برلماني: الاستجابة للمقترح المصري طوق النجاة لوقف نزيف الدم    75 رغبة لطلاب الثانوية العامة.. هل يتغير عدد الرغبات بتنسيق الجامعات 2024؟    هل يشبه حورية البحر أم الطاووس؟.. جدل بسبب فستان هذه النجمة في حفل met gala 2024    9 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بالغربية والبحيرة    بأمريكا.. وائل كفوري ونوال الزغبي يحييان حفلاً غنائيًا    بعد الإنجاز الأخير.. سام مرسي يتحدث عن مستقبله مع منتخب مصر    المشاكل بيونايتد كبيرة.. تن هاج يعلق على مستوى فريقه بعد الهزيمة القاسية بالدوري    بحضور مجلس النقابة.. محمود بدر يعلن تخوفه من أي تعديلات بقانون الصحفيين    مسؤول إسرائيلي: اجتياح رفح يهدف للضغط على حماس    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس على المحافظات    بكتيريا وتسمم ونزلة معوية حادة.. «الصحة» تحذر من أضرار الفسيخ والرنجة وتوجه رسالة مهمة للمواطنين (تفاصيل)    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    مصرع سيدة دهسًا تحت عجلات قطار بسمالوط في المنيا    «تعليم القاهرة»: انتهاء طباعة امتحانات نهاية العام الدراسي لصفوف النقل.. وتبدأ غدًا    جمهور السينما ينفق رقم ضخم لمشاهدة فيلم السرب في 6 أيام فقط.. (تفاصيل)    انطلاق فعاليات مهرجان المسرح الجامعي للعروض المسرحية الطويلة بجامعة القاهرة    سعر الأرز اليوم الثلاثاء 7-5-2024 في الأسواق    اقوى رد من محمود الهواري على منكرين وجود الله    "تم عرضه".. ميدو يفجر مفاجأة بشأن رفض الزمالك التعاقد مع معلول    المتحف القومي للحضارة يحتفل بعيد شم النسيم ضمن مبادرة «طبلية مصر»    تفاصيل نارية.. تدخل الكبار لحل أزمة أفشة ومارسيل كولر    كيفية صلاة الصبح لمن فاته الفجر وحكم أدائها بعد شروق الشمس    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    لاعب نهضة بركان السابق: نريد تعويض خسارة لقب الكونفدرالية أمام الزمالك    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    شكر خاص.. حسين لبيب يوجه رسالة للاعبات الطائرة بعد حصد بطولة أفريقيا    يوسف الحسيني: إبراهيم العرجاني له دور وطني لا ينسى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«مساجد الغوريّة».. بكاء على تاريخ أهمله الأحفاد
نشر في التحرير يوم 07 - 09 - 2014

لم يكن ذنب المساجد الأثرية التى شيّدت على أرض مصر منذ مئات السنين أن مَن يرثها فى الزمن الحالى، لا يعرف قيمتها ولا يقدر ثمنها الحقيقى، فيتعامل معها كأنها لا قيمة تاريخية أو أثرية أو حتى دينية لها، الضحية هذه المرة كانت مساجد حى الغورية. وتحديدًا من مدخل باب زويلة، الذى يضم 3 مساجد بُنيت فى العصرين «الفاطمى» و«المملوكى»، وهى مساجد: «المؤيد شيخ»، و«الصالح طلائع»، و«الفكهانى».
«المؤيد شيخ».. زينة باب زويلة تملؤه أكوام القمامة
818 هجرية.. بدأ السلطان المؤيّد فى بناء مسجده وأتمه بعد 6 سنوات
حالة المسجد من الخارج لا تنبئ بالخير، بسبب القمامة التى تحيطه من كل جانب وانتهاكات المحلات الصارخة له. كل ذلك لن يكون مفاجأة صادمة مقارنة بالصدمة الكبرى، فبعد دخولك المسجد ستجد سلما كبيرا على ناحيتين، وممرًا 4 أمتار تتجه منه يمينًا ثم يسارًا 5 أمتار، وستجد نفسك أمام مسجد لا يمكن أن تكون واجهته معبرة بأى حال من الأحوال عن أن يكون بهذا الاتساع والروعة من الداخل، فمسجد «المؤيد شيخ» أحد مساجد عصر المماليك الجراكسة يقع ملاصقًا لباب زويلة، أنشأه المؤيد أبو النصر شيخ بن عبد الله المحمودى الجركسى عام 818 هجرية.
المؤسف هو ما يتعرَّض له المسجد ليس من تعدٍّ وإهمال فقط، لكن السرقات المتتالية التى تعرض لها المسجد، خصوصًا بعد ثورة يناير، حيث تمت سرقة كثير من حشواته وعديد من القطع النحاسية التاريخية.
40 مترًا.. ارتفاع القبة الداخلية لمسجد «المؤيد شيخ»
ويتكون المسجد من صحن داخلى ضخم نصفه مسقوف، وهو بجوار المحراب والمنبر، ويقع أمام المنبر جزء منه مرتفع عن الأرض كان يقف عليه «المبلِّغ» للترديد وراء الإمام فى الصلوات لكى يسمعه الناس على امتداد المسجد، ويتميز المسجد بقبة داخلية ضخمة يبلغ ارتفاعها تقريبا 40 مترا، ويتوسط صحن المسجد ميضأة دائرية كان المصلون وما زالوا يستخدمونها فى أغراض الوضوء، ورواق القبلة مغطى بسقف خشبى تعلوه زخارف نباتية ليست لها بداية أو نهاية، وأسفل الزخارف شريط كُتبت عليه آيات قرآنية بالخط الثُّلثى المملوكى مطلية بماء الذهب وجميعها تحث على إقامة الصلاة.
3 مآذن شاهدة على عصر المماليك الجراكسة
كان لمجموعة «المؤيد شيخ» 3 مآذن، اثنتان فوق باب زويلة تشكلان الآن أبرز معالم البوابة، ومئذنة ثالثة مختلفة الشكل قرب المدخل الغربى ولكنها اختفت فى القرن التاسع عشر، ويضم المسجد أربع واجهات، الشرقية منها هى الواجهة الرئيسية المحتفظة بكاملها، وهى مرتفعة تزينها وزرات رخامية فى أعتاب نوافذها، كما يغطى كل شباكين من شبابيكها قرنص واحد، ويقع المدخل الرئيسى فى الطرف الشمالى وبابه مصنوع من الخشب المصفح بالنحاس المكتّف بالذهب والفضة، نقله المؤيد شيخ من مدرسة السلطان حسن ولا يزال اسم السلطان حسن منقوشا على هذا الباب، الذى يعتبر من أجمل وأدق الأبواب النحاسية فى زمانه. وهذا الباب يؤدى إلى دركة سقفها مرتفع على هيئة مصلبة حجرية، وبها تربيعتان من الرخام مكتوب على كل منهما بالخط الكوفى المربع آية الكرسى، وعلى يمينه ويساره بابان، الأيمن يؤدى إلى طرقة مفروشة بالرخام على يسارها مزيرة عليها حجاب من خشب الخرط عليه تاريخ إصلاحه «1308ه- 1890م»، وتنتهى هذه الطرقة بباب يؤدّى إلى مؤخر الرواق الشرقى.
أما الباب الثانى على يسار الدركة فيؤدى إلى قبة شاهقة الارتفاع مبنية بالحجر، وحُلِّى سطحها بزخارف دالية، وبهذه القبة قبران: أحدهما قبر ابنه الصارمى إبراهيم وإخوته المظفر أحمد وأبو الفتح موسى، والقبر الثانى هو قبر المؤيد شيخ نفسه، وعليه تركيبة رخامية تحيط بها مقصورة من خشب الخرط مكتوب على بابها اسم «يشبك بن مهدى»، ولقد كان له أربعة أروقة تحيط بالصحن، لكنها تهدمت، ولم يبقَ منها سوى الرواق الشرقى، ورغم ضخامة المسجد وروعته والمساحة الشاسعة منه فإنك تلاحظ الإهمال الجسيم والقمامة الموجودة داخل المسجد، والذى اكتفى القائمون عليه بفرش الجزء الأمامى منه فقط فى غياب المصلين إلا القليل منهم. الطريف فى قصة إنشاء المسجد أن الأسباب الأساسية لإنشائه أن موقعه كان سجنا عُرف بخزانة شمائل سجن فيه المؤيد نفسه وقت أن كان أميرا، وبعد أن نجاه الله قرر بناء مكان السجن مسجد.
«الصالح طلائع» الجدران أكلتها الرطوبة.. ونسيه المصلون.. ونام فيه أطفال الشوارع
مساجد الغورية..
بكاء على تاريخ أهمله الأحفاد
مسجد عريق يتحول إلى معرض للملابس الداخلية
الرحلة بدأت من مسجد «الفكهانى»، صاحب التاريخ العريق وسط عديد من المساجد الفاطمية الموجودة بالقاهرة. بين شارع المعز وحى الغورية وباب زويلة يقف ذلك المسجد العتيق شامخا رغم أثر الزمان الذى بدا عليه، وعمليات الترميم التى تتم ببطء وتكاد لا تنتهى، ففى حارة ضيقة انحسر مدخل المسجد بعدما تحولت جدرانه إلى ستار يعرض الباعة وأصحاب المحلات بضائعهم عليه. بمجرد وقوفك أمام المسجد لن تلاحظ أى شىء من واجهته التاريخية، فناحية منه تحولت إلى مجرد حاملة ل«فساتين وعبايات، وملابس داخلية»، لا يُرى من خلفها روعة النقوش، والناحية الأخرى محلات للطعام اتخذت من أسفل المسجد بعد الحفر تحته سكنا لها.
«الجامع الأفخر».. أول مسجد على الطراز المعلق
لم يكن ذنب المسجد أن جهل المصريين بتاريخه أوصله إلى هذه الحالة المزرية، فمسجد «الفكهانى» أو «الجامع الأفخر سابقًا» الذى أنشأه الخليفة الظافر بنصر الله أبو المنصور إسماعيل بن الحافظ بن الآمر بأحكام الله، سنة 543 هجرية، من أول المساجد التى بنيت على الطراز المعلَّق، حيث بنى منشأة أسفلها حوانيت «دكاكين صغيرة»، وعقدت بها دروس لتحفيظ القرآن الكريم ودروس الفقهاء والمعلمين فى سنة «1736م - 1148ه». أوشك الجامع على الانهيار، فقام الأمير أحمد كتخدا مستحفظان الخربوطلى بهدمه، وأعاد بناءه من جديد، وتبقى من الجامع الأصلى الفاطمى الذى بناه الظافر مصاريع البابين الغربى والشرقى، وكانت عليها حشوات محفورة بزخارف نباتية تعرضت للتلف الشديد، وبعض الزخارف والأوانى النحاسية والأباريق تعرضت للسرقة، وقامت لجنة حفظ الآثار العربية بترميمها سنة 1919، كما تبقى من الجامع الأصلى مداميك حجرية تعلو الباب الغربى كُتب عليها بالخط الكوفى: «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، والباب الشمالى يتوسطه صحن مغطّى بسقف يتوسطه منوَّر مثمَّن الشكل، ويحيط بالصّحن أربعة أروقة أكبرها رواق القبلة وهو الرواق الشرقى، وتخلو جميعها من الزخرفة، فالمحراب مجوف مكسوّ بالرخام، وتتوسط المحراب بلاطة من القاشان عليها عبارة «ما شاء الله 1141ه». وتتميز الإيوانات جميعها بالبساطة فلا توجد بها نقوش ولا وزرات رخامية، أما جسم المحراب فمصنوع من الرخام الدقيق وعقده وتواشيحه «أى جانبا العقد المحيطة به» كلها من القاشانى، وتتوسطه تربيعة كُتب عليها «ما شاء الله»، ويعلوه شباك مستدير تحيط به كسوة من القاشانى، والمئذنة تقع على يسار الباب الرئيسى وهى أسطوانية تعلوها قمة مدببة على الطراز العثمانى، وكانت مئذنة الجامع الأصلية قد سقطت على أثر الزلزال الذى ضرب القاهرة سنة «1302 م- 702ه».
543 هجرية.. بنى الخليفة الظافر بنصر الله مسجد الفكهانى «الجامع الأفخر سابقًا»
وزارة الأوقاف .. لا تستجيب لنداءات ترميم المساجد الأثرية النادرة
الجامع الأفخر أوشك على الانهيار بسبب الإهمال المتواصل
ترميم بطىء.. والمصلون عازفون
رغم روعة تصميم مسجد «الفكهانى»، كما تروى كتب التاريخ، فإن الأزمة الكبيرة فى المسجد، الذى تعرض مرتين لعملية ترميم لم تكن كافية، الأمر الذى دفع وزارة الآثار إلى استقدام إحدى الشركات المصرية لترميمه مرة أخرى، حيث تمضى العملية ببطء شديد، فبمجرد دخولك المسجد ستجد عشرات المصلين لا يكادون يكملون صفَّيْن فى المسجد الذى يمكنه استيعاب ما يقرب من 1000 مصلٍّ، بالإضافة إلى الإهمال والرشَّح على الجدران، وتعرض المسجد لانتهاكات كثيرة من سرقات للوحات معدنية وأباريق معلقة، وجميعها من العصر الفاطمى، ليس هذا فقط وإنما الجدران التاريخية للمسجد التى تحولت بفعل فاعل إلى حاملات للملابس الداخلية وعرضها فى الشوارع والحوانيت الصغيرة أسفل المسجد، والتى ضمت مطعما صغيرا ومحلا للملابس، إلى جانب عمليات الهدم المقننة والإهمال الشديد فى غياب حتى لمسؤولى الشركة المكلفة بالترميم التى لم نجدها من الأساس داخل المسجد أو خارجه، وفى حال ترميم المسجد من الداخل فما مصير الواجهة التاريخية للمسجد وما تحمله من نقوش، وأبوابه المحطمة التى استعين بلوح خشبى رقيق لتغطيتها بعد أن كسرت، لكى يدخل المجرمون والشحاذون منها للمبيت فى المسجد؟
555 «الصالح طلائع».. احذَرْ من الرطوبة
بمجرد خروجك من مسجد «المؤيد شيخ» باتجاه باب زويلة والذى يبعد عن المسجد 10 أمتار فقط ستجد على يسارك مسجد «الصالح طلائع» ملاصقا للباب لا يفصله إلا شارع جانبى واجهته رائعة لا يعكر صفوها سوى بعض اللافتات، كما أن الباب الرئيسى مغلق، واكتفى القائمون على المسجد بفتح الباب الثانى فى شارع يعتبر مدخلا للمسجد أيضا عبارة عن مترين اثنين فقط أسفله نفق ملىء بالماء والرطوبة تكاد تسقط المسجد بالإضافة إلى أكياس القمامة الكثيرة التى تعكر صفو كل شىء فى المسجد. ويعتبر مسجد الصالح طلائع ثالث مسجد معلَّق فى العالم، ويعد من أهم مساجد منطقة القاهرة التاريخية، أنشأه الصالح طلائع بن رزيك فى سنة (555 ه- 1160 م)، وقد بنى مرتفعا عن الأرض بنحو أربعة أمتار وبأسفله توجد حوانيت «دكاكين صغيرة»، ويطلق على هذا الطراز من المساجد «المساجد المعلَّقة»، وواجهته مكونة من خمسة عقود مثلثة الشكل، كما أن للمسجد ثلاثة مداخل محورية، وهى فكرة سورية الأصل وُجدت قبل ذلك فى الجامع الأموى بدمشق. فى البداية وجدنا الباب الثانى هو الآخر مغلقا وبعد دورة كاملة حول المسجد بحثا عن باب مفتوح ولو خطأً، لم نجد، فسألنا بعض الأطفال «النائمين» بجوار المسجد كأنهم قد اتخذوه مأوى لهم أفضل من الشارع، عن سبب إغلاق المسجد، فأكدوا أنه لم يغلق لكن العامل يغلق الباب ولا يفتحه إلا فى أوقات الصلوات فقط. والمسجد ذو طراز رائع، لكنه مهمل وفرشه قديم وبالٍ. ويعتبر هذا المنبر أكثر المنابر إتقانًا فى مصر، حيث دقت حشواته وقائمه، وفى الأمام بابه وجانب سلمه كل ذلك قبل أن تسرق تلك الحشوات، ويقوم بحفر المنبر من قبل السارقين وبعض الأطفال.
543 هجرية.. بنى الصالح طلائع بن رزيك مسجده المرتفع عن الأرض بأربعة أمتار
المسجد مهجور.. وأطفال الشوارع يسكنونه
بدأنا تصوير المسجد فإذا بأحد العمال يظهر، وربما يكون هو العامل الوحيد الباقى فى المسجد الذى بدا كأنه مهجور إلا من بعض المصلين خصوصا من النساء، فاستأذنته فى التصوير بحجة أننى صحفى أجهّز تقريرا حول المسجد التاريخى، وبعد محاولات إقناع وافق أخيرا عامل المسجد الذى يدعى سعد على، مؤكدا أن المسجد لم يعد يزوره إلا القليل من العاملين حول المسجد وأصحاب المحلات والدولة تناست المسجد، وكل فترة تأتى شركة للقيام بإصلاحات وترميم تستمر لفترة ثم تنتهى دون عمل أى إضافات فى المسجد الذى أصبح متآكلاً وعرضة للخطر بسبب انتشار الرطوبة والقمامة حوله. سعد أضاف أنه اعتاد إغلاق المسجد إلا فى أوقات الصلاة فقط بسبب دخول أطفال الشوارع والنوم فى المسجد وكذلك السرقات التى تتم فى المسجد، ولم تبقَ حشوات فى الجدران أو المنبر إلا وقد تمت سرقتها، مضيفا أن المسجد منذ العصر الفاطمى، وهو من أهم المساجد التاريخية، لكن للأسف لا يتم التعامل مع تلك المساجد بهذا المنطق ولا يوجد اهتمام به. هناك ملايين البشر يمكنهم أن يأتوا إلى مصر لرؤية المساجد الفاطمية والمساجد الأثرية بشكل عام، لكن الدولة لا تعترف سوى بالآثار الفرعونية على الرغم من أن الآثار الإسلامية والفن الإسلامى يعشقها الملايين من السائحين الأجانب، ولك أن تتخيل أن غالبية فرش المسجد من «الحصر الجريد، والبلاستيك» يتبرع بها المصلون ولا وجود للدولة من الأساس هنا. تفوح من المساجد الثلاث رائحة التاريخ ويظل السؤال: «لماذا تتجاهل الدولة مثل تلك المساجد وفى صالح مَن الإهمال، ولماذا لا تتحوَّل تلك المساجد إلى متاحف؟».
«الفكهانى» فى طريقه للسقوط عم علِى هو أحد مريدى المسجد ومحبى الصلاة فيه، جلس بعكازه على باب المسجد، وأسهب فى شرح تاريخ المسجد ثم بدأ يتحدث بحزن، مؤكدا أن المسجد يوشك على السقوط بعد الإهمال الكبير الذى تعرض له حتى فى عمليات الترميم التى رغم أنها تتم للمرة الثالثة فإنها تتم ببطء وإهمال، الأمر الذى يستدعى إعادة عمليات الترميم مرة أخرى. عم علِى أضاف أن المسجد تحول إلى تكية لأصحاب المحلات، فالبعض يأتى ببضاعته ليضعها فى المسجد، كما أنهم حوَّلوا جدران المسجد الأثرى إلى أماكن لعرض الملابس الداخلية، وأُغلقت أبواب المسجد إلا بابا واحدا كُسر بسبب الاعتداءات المتكررة على المسجد، وتبرع أحد الجيران «بلوح أبلاكاش خشب» لتغطية مكان الكسر فى الباب، وطالب عم علِى الدولة بالاهتمام بالمساجد الأثرية ووقف التعديات عليها وعلى الشوارع الأثرية والاستثمار فيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.