كما أن من لم يمت بالسيف مات بغيره، كذلك ما لا يحسمه القضاء يتكفل به الإعلان الدستوري ..!فقبل يومين من صدور حكم محكمة القضاء الإداري بحل أو استمرار اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور أصدر الرئيس محمد مرسى قراراً رئاسيا بتحصين اللجنة فى تحد واضح للقضاء ، وسواء كان حكم المحكمة ببطلان تشكيل التأسيسية الثانية للدستور أم لا فإنها باتت قاب قوسين أو أدنى من الحل ليس لعيب «التشكيل» فقط ولكن لأنها لجنة –وفقا لأراء غالبية فقهاء القانون- باطلة من البداية حتى النهاية إذ يصيبها ذات العوار القانونى الذى ابطل اللجنة الأولى وهو ضم أعضاء من البرلمان لعضويتها بما يخالف الإعلان الدستورى المستفتى عليه شعبياً.. «تأسيسية الدستور» ...معركة سياسية على أرض قانونية ومتكاملة الأركان طرفاها المجلس العسكري والتيار الإسلامي أو جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين تحديدا...منطقة نفوذ لم يستطع كلا الطرفان إعلان سيطرته عليها كاملا، أو رفع علمه فوقها معلنا نهاية السباق الذي امتد لعدة أشهر. ولسان حال المشاهد لتلك المعركه يقول «الجنازه حاره والميت دستور» جولتان شهدتهما معركة الدستورية الأولى انتهت بفوز "العسكري" بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري ببطلانها لوجود عيوب في عملية الاختيار التي كانت الغلبة فيها للتيار الإسلامي وتحديدا نوابه في غرفتي البرلمان "الشعب والشورى"، أما الجولة الثانية التي يترأس لجنتها – حتى وقتنا الحالي- المستشار حسام الغرياني فكل المؤشرات تشير إلى أن الإعلان الدستوري المكمل الذي سبق "العسكري" الجميع وأعلنه قبل أن تبدأ اللجنة في اتخاذ خطوات جادة في عملها سيقف لها بالمرصاد حال جنوحها ناحية ما لا يتوافق مع رغبات "العسكري" والذين معه، ورغم قرار رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسى الذى يقضى بتحصين «اللجنة» وتحديداً عدم الاعتراض عليها أمام القضاء الإدارى إلا أن الأيام المقبلة ستشهد معركة قانونية ثانية بين الطرفين. الصراع الإسلامي – العسكري الذي شهدته الساحة السياسية طوال الأشهر الماضية استعمل فيه الطرفان جميع الأسلحة المشروع منها والمحرم سياسيا أيضا، فقبل عدة ساعات من الاجتماع الأول للجنة الثانية بتشكيلها الحالي –ذو الطابع الإسلامي-، وتحديدا ليلة الثامن عشر من يونيه المنقضي كان الدكتور كمال الجنزوري رئيس حكومة تسيير الأعمال يجتمع بعدد من رموز القضاء والقانون وفقهاء الدستور،عدد كبير من قوى التيار الإسلامي والمهتمين بالشأن السياسي المصري لم تأخذ اجتماع «الجنزوري» السري مأخذ الجد، لكن هذا لم يمنع من التأكيد على أن هذا اللقاء يؤكد أن «التأسيسية الثانية» كتبت شهادة وفاتها دستوريا وقانونيا قبل أن يسطر التيار الإسلامي والذين معه شهادة الميلاد. المشير و"الجنزوري" وثالثهما "تأسيسية الغرياني" اجتماع" الجنزوري" السري دفع البعض للتأكيد على أن مصير "تأسيسية الغرياني" لن يكون الرفض والبطلان، واستند أصحاب هذا الرأي للواقعة الشهيرة التي كان رئيس الحكومة طرفا فيها والدكتور "سعد الكتاتني" طرفا آخر ,حيث قام الأول بالتأكيد للثاني أن حكم حل مجلس الشعب موجود في أحد أدراج مكتبه، وما هي إلا أسابيع قليلة وصدر بالفعل قرار "الحل" الذي أكد للجميع قوة "الجنزوري" ومستشاريه القانونيين. اللقاء ذاته يؤكد –بما لا يدع مجالا للشك- أن الحكومة ومن قبلها المجلس العسكري يعملون وفق سياسة "البدائل المتاحة" للوقت المناسب ،خاصة أنه شهد حضور عدد من الوزراء الذين تربطهم صلات جيدة مع القوى الليبرالية واليسارية في مصر، وهو أمر فسره البعض- وقتها- بأن "الجنزوري"و "المشير" لديهما النية لإفشال "تأسيسية الإسلاميين" التي عانت كثيرا خلال جلساتها من التوافق على المبادئ الأساسية للدستور، ويأتي في مقدمة تلك الأسماء الدكتورة فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولي وإحدى المعارضات بشدة لحكم التيار الإسلامي، وكذلك الفقيه الدستوري يحيي الجمل ووزير العدل الحالي المستشار عادل عبد الحميد وكذلك وزير السياحة منير فخري عبد النور. الإخوان والسلفيون و"كمين العسكري الدستوري" على الجانب الأخر كان واضحا منذ اللحظة الأولى للإعلان عن تشكيل لجنة المائة لصياغة دستور مصر الثورة أن جماعة الإخوان المسلمين ومن قبلها التيار السلفي يراهنان على معركة الدستور ويعتبرونها المعركة الأهم بالنسبة لهما لذلك بدا الطرفان على أهبة الاستعداد للسيطرة على تشكيل اللجنة التأسيسية سواء التشكيل الأول الذي انتهى بحل اللجنة بقرار من محكمة القضاء الإداري أو التشكيل الثاني الذي يواجه نفس المصير وينتظر الحل فى أى وقت على الرغم من الاقتراب من صياغة ما يزيد على 75 % من إجمالي عدد مواد الدستور. ولأن الإخوان أصبح لديهم شبه يقين بأنهم لو خسروا معركة الدستور ربما يخسرون كل شيء فقد سارعت الجماعة إلى الدعوة إلى التوافق الوطني وقدمت تنازلات شكلية فيما يتعلق بنسبتها فى تشكيل «التأسيسية» وجاء التشكيل الثاني متوازنا بعض الشيء, غير أن ذلك لم يمنع إعلان عدد من نواب التيار المدني الانسحاب، وهو ما ردت عليه الجماعة بأنه انسحاب غير مؤثر وسارعت الخطى بعد الإعلان عن الإعلان الدستوري المكمل لقطع الطريق على المجلس العسكري لحل اللجنة وتشكيل لجنة بديلة بعد أن وضع لها جنرالات العسكر «كمين» فى الإعلان الدستوري «المكمل» لا يمكنها من استغلال أغلبيتها لحسم التصويت على المواد المختلف عليها, فطبقا لما جاء فى المادة 60 مكرر من الإعلان فانه فى حال «إذا رأى رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو رئيس مجلس الوزراء أو المجلس الأعلى للهيئات القضائية أو خمس عدد أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور، أن مشروع الدستور يتضمن نصا أو أكثر يتعارض مع أهداف الثورة ومبادئها الأساسية التى تتحقق بها المصالح العليا للبلاد، أو مع ما تواتر من مبادئ في الدساتير المصرية السابقة، فلأى منهم أن يطلب من الجمعية التأسيسية إعادة النظر في هذه النصوص خلال مدة أقصاها 15 يوما، فإذا أصرت الجمعية على رأيها كان لأي منهم عرض الأمر عليها، ويكون القرار الصادر من المحكمة الدستورية العليا ملزما للكافة. أزمة الأحكام والمبادئ وبالرغم من أن تلك المادة قطعت الطريق على الإسلاميين لتمرير ما يرونه من مواد إلا أن نواب التيار السلفي لم يستسلموا وخاضوا معركة شرسة لتعديل صياغة المادة الثانية من الدستور لاستبدال كلمة "مبادئ" ب "أحكام الشريعة" هي المصدر الرئيسي للتشريع, ولم تكد معركة المادة الثانية تنتهي بهزيمة السلفيين بعد دخول الأزهر على الخط وإصداره بيانا يؤيد فيه بقاء المادة الثانية بصياغتها القديمة إلا وفجر السلفيون معركة جديدة مازالت مشتعلة حتى الآن وذلك حينما أعلنوا اقتراحا يقضى بتعديل المادة الثالثة على أن تستبدل كلمة "السيادة للشعب" ب "السيادة لله" على اعتبار أنه لا سيادة للبشر. الفقيه الدستورى ثروت بدوى قال إن قرار مرسى باعتماد معايير تأسيسية الدستور بمثابة ممارسة لسلطاته كرئيس جمهورية فهو حق مكفول له مشيرا الى أنه من الطبيعى تصديق رئيس الجمهورية على هذا القانون فهذا واجب عليه والرئيس لم يفعل شيئا سوى التصديق على قانون أقره مجلس الشعب وبالفعل هذا تحصين للجمعية التأسيسية من الحل. وأشار إلى أنه حتى لو صدر الحكم بالبطلان فيتم الأخذ بقرار رئيس الجمهورية لأنه يتولى سلطة التشريع الآن وليس المجلس العسكرى وهذا القرار اتخذه مرسى ليعجل بكتابة الدستور ويوقف محاولات تعطيله. واختلف معه شوقى السيد الفقيه الدستورى واصفا قرار مرسى بالتصديق على معايير تأسيسية الدستور ب "معدوم من الصحة" وليس له أثر ويعد اغتصابا للسلطة وذلك لأنه بحكم الإعلان الدستورى المكمل فالمجلس العسكرى هو من يتولى سلطة التشريع ومرسى ليس لديه هذه الصلاحية وليس من حقه إصدار تصديق على أى قانون. وأضاف طريقة الرئيس الاخوانى ومستشاريه فى إدارة البلاد توحى أنها عزبة امتلكها الإخوان المسلمين ويديرون البلاد وفق مصالحهم الخاصة ولذلك يكرروا أخطاء فادحة يرتكبونها فى حق القضاء والمجلس العسكرى. وأكد السيد أنه فى حال إصدار محكمة القضاء الإدارى حكما ببطلان تأسيسية الدستور فالحكم نافذ ولا يعتد بقرار الرئيس الذى اغتصب السلطة التشريعية من العسكرى .