صراع صامت بات مؤكدًا أنه يسبق عاصفة القيادة بحركة «حماس» الفلسطينية، تقف وراءها رياح تأجيل الانتخابات المقررة لاختيار أعضاء المكتب السياسي الجديد؛ تجنبًا لتفجير الأوضاع الداخلية قبل إتمام صفقة مصالحة كبرى ترعاها تركياوقطر لصالح الحركة مع الاحتلال الإسرائيلي، مقابل تقزيم القضية الفلسطينية وتحويل القطاع إلى مدينة تجارية.. التخبط والارتباك الموجود حاليًا بين قيادات الحركة، أكدته مصادر فلسطينية مطلعة، مشيرة إلى أن «حماس» تمر بأزمة عنيفة بين جناحي الحمائم والصقور، ويقع على ضفة هذا الصراع قوى إقليمية متصارعة على مشاريع مختلفة. المؤشرات على الأرض تتحدث عن جبهة تقودها قطروتركيا لمسح فكر المقاومة من حركة حماس، وتحويلها إلى فصيل «براجماتي» لنيل الرضا الأمريكي، بهدف التوافق مع الاحتلال وإتمام صفقة الرئيس الأسبق محمد مرسي التي تعهد بها لواشنطن برعاية خيرت الشاطر، لتوقيع اتفاق هدنة طويل الأمد مع تل أبيب، وسط تعهدات من الولاياتالمتحدة بتحويل القطاع إلى مدينة تجارية مطلة على البحر، ومنح حماس الحكم الفيدرالي بمنأى عن الصراع الفلسطيني. هذه الجبهة، يحاول تنفيذ مخططها على الأرض الزعيم الأبدي للمكتب السياسي لحماس، خالد مشعل، ويسير في خطوات تنفيذه بقوة شريطة الابتعاد عن الجانب الإيراني، والامتناع عن تسليح كتائب القسام تدريجيًا، قبل حلول الموعد النهائي للتوقيع على الصفقة الموعودة. في المقابل، يقود محمد الضيف، مهندس العمليات العسكرية في كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، تيارًا مناهضًا لمريدي «مشعل» الذين يروجون للاتفاق ويسعون لتجفيف تمويل القسام ومدها بالسلاح، ما دفع «مشعل» لمقاطعة ذكرى احتفالات الثورة الإيرانية الشهر الماضي كبادرة حسن نية للأطراف المعنية بصفقة التهدئة. معسكر الصقور في «القسام» ليس مقصورًا على «الضيف»، بل هناك محرك آخر تمكن من الهيمنة على صنع القرار بالذراع المسلحة، وهو يحيى السنوار، الذي يعد القائد الفعلي ل«القسام» حاليًا، والذي يؤمن بأن طهران «قبلة آمنة» للتسليح والتمويل، بعدما تم تجفيف خطوط الإمداد القطرية والتركية، وخسارة رافد حزب الله على خلفية الأزمة السورية. وكشفت المصادر الفلسطينية أن «السنور» أقنع القيادي محمود الزهار بضرورة الدفع بوجه مقبول قادر على خلق توازن سياسي وعسكري، بعدما فقد «مشعل» قدرته على جلب أموال للقسام وتسبب في قطيعة مع إيران، وسط إصراره على إدخال الذراع المسلحة بيت الطاعة الأمريكى بهدف تمرير الاتفاق السياسي. جبهة «السنور - الزهار» بدورها، اتفقت على الدفع ب«موسى أبو مرزوق» لرئاسة المكتب السياسي في الحركة، خلفًا لمشعل، لما يمتلكه من مؤهلات تمكنه من غلق ملف الخلافات مع الجانب المصري لتخفيف القيود المفروضة على القطاع، وما يحظى به من قبول لدى الجانب الإيراني أيضًا، خصوصًا أنه حافظ خلال الفترة الماضية على فتح قناة اتصال مع قيادات حزب الله، ويراها «الزهار» قادرة على إخراج الحركة من كبوتها وعزلتها الإقليمية. اتفاق الدفع ب«أبو مرزوق» عرقله الجانبان التركى والقطري، بعد ممارسة ضغوط هائلة على قيادات سياسية في الحركة وصلت لحد التهديد بإيقاف المساعدات التي تصل لقطاع غزة، بهدف تأليب الرأي العام الداخلي مع توقف مشاريع إعادة الإعمار، ما دفع حماس إلى تأجيل الانتخابات والإعلان عن ذلك في بيان رسمي على أمل تمرير صفقة «مشعل» بإقناع جناح الصقور في «القسام» بضرورة السير خلف مشروع الاتفاق السياسي مع الاحتلال. أما خالد مشعل، فيستحوذ على منصب رئيس المكتب السياسي لحماس، منذ عام 1996، رغم أن قانون تنظيم الحركة يسمح بتمديد فترة ولايته مرتين متتاليتين فقط، ما يؤهله للحصول على لقب «الزعيم الأبدي»، فضلا عن شبهات الفساد التي تحيط به، في ظل تنقله الغامض بين دول الشرق الأوسط حاملا حقيبته. محاولة الاغتيال التي صنعت منه بطلًا وهميًا في عام 1997، أكد عميل المخابرات الإسرائيلية، ميتسكا بن دفيد، أن هو من أنقذ حياته بعدما تم تسميمه خلال وجوده في الأردن، حينها طالب ملك الأردن الملك حسين، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بالمصل المضاد للمادة السامة، وتولى عميل الموساد المذكور مهام تسليم المصل للأردنيين، ما أدى إلى إنقاذ حياة «مشعل» ليتضح أن تل أبيب هي من حاولت أن تصنع منه بطلًا بمحاولة اغتيال فاشلة، وهي أيضًا من أنقذت حياته من الموت. أما الصحفي الأسترالي الشهير، بول ماجوو، فسلط الضوء في كتابه «أقتل خالد» على سطوع نجم «مشعل» عقب محاولة الاغتيال الفاشلة، وذلك من خلال ربط الأحداث والوقائع ببعضها. وبالعودة إلى المال القطري والتركي فإن «مشعل» بات قريبًا من الفوز مجددًا؛ إذ ترددت أنباء في الأيام الأخيرة أن وفدًا يضم قطريين وأتراكًا وصل قطاع غزة ليكون مشعل هو الرابح الأول والأخير في الانتخابات المقبلة، ويعود ذلك إلى أنه يخدم مصالحهما، وهو ما يرفع مؤشر التصادم بشكل أكبر مع القاهرة التي يتعارض تجمع الأطراف الثلاثة مع مصالحها. ليست المرة الأولى التي تتدخل فيها قطر لدعم فوز مشعل، فسبق أن طالبت القيادي في الحركة، إسماعيل هنية، خلال الانتخابات الأخيرة في عام 2012 بعدم الترشح أمامه مقابل دعم الحركة بملايين الدولات، وهو ما استجاب له «هنية» بالفعل. لكن من غير المنطقي أن يستمر «مشعل» في الحكم لمدة خمس فترات، وسط توقعات بالتمديد لفترة ولايته السادسة دون دعم خارجي، فهو دائم البقاء خارج القطاع ولا يطلع على مجريات الأمور الداخلية بغزة، ويثير حفيظة الجيل الجديد من الشباب، إلا أن قطروتركيا تراهنان على الدعم المالي لحركة حماس. صحيح أن «مشعل» أعلن أنه لا يعتزم الترشح لفترة ولاية جديدة، إلا أن هذا الكلام لا يؤخذ على محمل الجد؛ لأنه سبق أن أعلن رفضه الترشح لرئاسة المكتب السياسي للحركة، قبل 4 سنوات تقريبًا، وسرعان ما تراجع عن موقفه، كما أن لهذا القيادي الحمساوي تاريخا حافلا بالروايات المتضاربة وولاءه متغير فما بين قطبي السنة والشيعة يتأرجح، تارة يعمل تحت عباءة إيران وأخرى يسير أموره تحت كنف السعودية، ولا يهمه أن يؤيد إيران الشيعية متجاهلًا انتهاكاتها الشركية بحق السنة طالما أنه يقبض الثمن. «مشعل» أيضًا يجيد فن السياسة البراجماتية، والتي لا تخدم القضية الفلسطينية، وإنما تحقق مصالحه الشخصية، وهنا يبرز نهج التملق والميوعة والإفساد، فهو الزعيم اللغز الذي ارتدى ثوب الثورة السورية المناهضة لنظام بشار الأسد، رغم أنه كان يعيش في قصر فخم على أرضها قبل أحداث الربيع العربي، لكن سرعان ما عدل موقفه من النظام السوري إرضاءً لإيران. كما ينفذ مشعل أجندات إسرائيل وأمريكا من خلال محاولات تفكيك الوطن العربي وبث الفرقة واتخاذ موقف معادٍ لهدم استقرار بعض دول المنطقة مثل مصر وسوريا، في حين أن الحركة في عهده تعرقل المقاومة ضد إسرائيل في ظل التعاون السري بينهما.