عصفور وشكله جميل.. صوته مليان شجن وعليل.. حب في يوم يغني، وقف في وسط الناس يصرخ: مش بحلم أبقى وزير ولا عايز كنوز وقصور.. أنا عصفور وكل منايا أعيش وأموت مستور. أكتب هذه المقدمة بعد قراءتي تلك الرسالة التي جاءتني ضمن رسائل كثيرة وصلتني هذا الأسبوع والتي سأنشرها لكم في السطور القادمة دون حذف أو إضافة: عزيزي الحرفوش الكبير.. تحية طيبة وبعد،،، أنا يا سيدي واحد من حرافيش هذا الوطن المكلومين على ما آل إليه حالهم، اليائسين من تبدل ظروف معيشتهم الرديئة إلى الأحسن، فللّه الأمر من قبل ومن بعد، ثم لحكومتنا الرشيدة ما تريد فعله بنا. أكتب إليك اليوم يا سيدي لأول مرة، رغم أنني واحد من المداومين على قراءة ما تنشره في هذه المساحة، وقد كنت فيما مضى أكتفي بالقراءة لأمثالي من الحرافيش، وكانت رسائلهم تمثلني أنا وغيري من أقرانهم، إلا أنني اليوم قررت أن أتخلى عن مقعد القارئ لأتولى زمام الكاتب. أكتب إليك اليوم يا سيدى، عن المئات -بل الملايين إن أردت حديثًا صادقًا– من حرافيش هذا الوطن الذين يواجهون خطر الموت يوميًا في القطارات والأتوبيسات وفوق قوارع الطرق بل في كل شبر من مصرنا المحروسة. الموت يا سيدى، كما يعلم الجميع، حق لا مفر منه، ولكن ألا تتفق معي أنه من حقنا الموت بآدمية وكرامة وأن تدفن جثثنا كأمثالنا من بني البشر، بدلًا من أن تثكلنا أمهاتنا وهن لا يعلمن أين ذهبت أجسادنا.. ألا تتفق معي أننا وحدنا من ندفع ثمن إهمال وزراء ومسئولين لا يعتبروننا مثلهم لنا حقوق كما علينا واجبات. لم يكن ياسيدي حادث قطار بني سويف الذي وقع في الأيام الماضية هو آخر محطات موتنا المفجع، فما يظهر لنا أيها الحرفوش الكبير أن حوادث موتنا المفاجئة والمفجعة ستتكرر كثيرًا، وعد بذاكرتك إن شئت إلى عشرات الحوادث التي تقع يوميًا فوق الطرق الصحراوية والزراعية وداخل المدن والقرى والتي يسارع بعدها المسئولون إلى توجيه تهمة الإهمال للسائقين وتحميلهم المسئولية كاملة. أنا يا سيدي لم أكتب لك هذه الرسالة لأدافع عن سائق بعينه، أو اتهم مسئولًا أيضًا بعينه، أنا أكتب لك فقط لأتساءل: هل مهد المسئولون الطرق بالقدر الذي يسمح للسائق أن يسير فوقها آمنًا مطمئنًا؟ وهل ما لدينا من قاطرات لجر عربات السكة الحديد التي تقل الركاب صالحة للاستخدام الآدمي؟ وهل وزير النقل ومسئولو هيئة الطرق والكباري ملائكة دائمًا ما يسعى الجميع لتبرئة ساحتهم قبل وبعد وقوع الحادثة، وما سواهم شياطين تكال ضدهم كل التهم؟ لست ساعيًا إلى تقمص دور الراحل أحمد زكي، في فيلمه «ضد الحكومة»، ولن أقول كلنا فاسدون، فالحق لا يحتاج إلى من يكتبه أو ينطق به ليظهر، فهو مثل الشمس لا ينكر ضوءها إلا من فقدوا أبصارهم.. أنا فقط يا سيدي أخشى على مستقبل أبنائي فمهنتي كواحد من عمال التراحيل في أقاصي الصعيد، تحتم عليّ أن أتنقل في عدة وسائل للمواصلات العامة والخاصة بالمقاولين وأصحاب الأبنية التي نعمل فيها. أخشى يا حرفوشنا الكبير، أن أخرج يومًا فلا أعود.. أموت مثل غيري متفحمًا في عربة قطار، أو متقطعًا تحت عجلات سيارة فوق طريق عام، فييتم أطفالي الذين ليس لهم بعد المولى عز وجل، سوى والدهم الحرفوش. أنا لن أكمل لك هذه الرسالة يا سيدي؛ لأنني أعلم أن كلماتي ربما تسمع الموتى ولكنها أبدًا لن يفتح لها وزراء حكومتنا آذانهم، لكنني سأقول لك إن راقت لك رسالتي، أرجو أن تنشرها موجهة لمن يرفضون سماعنا تحت عنوان: بطلنا نخاف. نعم يا سيدي، بطلنا نخاف، ليس لشجاعة واستئساد منا؛ بل لأننا استنفدنا كل رصيدنا من الخوف من شدة الأهوال التي رأيناها في قطارات الحكومة، وفوق شوارعها، وعلى أرضها.. لم نعد أيها الحرفوش الكبير قادرين حتى على الخوف فقد صرنا مثل الدمى التي تحركها الرياح صباحًا ومساءً كيفما شاءت.