نقابة أطباء قنا تصدر بيانًا حول أزمة «عيادة قوص»    محافظ الدقهلية يتابع أعمال منظومة النظافة ورفع المخلفات خلال أيام العيد    القاهرة الإخبارية: طيران الاحتلال استهدف منزلا في محيط مستشفى ناصر بغزة    القاهرة الإخبارية: 44 شهيدا بنيران جيش الاحتلال في عدة مناطق بغزة    قواعد القيد للاعبين الأجانب في الموسم الجديد| 5 لاعبين كحد أقصى    محافظ القاهرة: لا شكاوى من نقص الخدمات خلال عيد الأضحى    محافظ الدقهلية يقدم واجب العزاء في خالد عبد العال شهيد الشهامة    السعودية: غرامة تصل ل100 ألف ريال على شركات الحج المتأخرة في الإبلاغ عن المخالفين    من البداية حتي الآن.. التفاصيل الكاملة حول سفينة مادلين    «التعاون الخليجي» يبحث مع «منظمة الدول الأمريكية» تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري    ثقافة القليوبية تواصل الاحتفال بعيد الأضحى بأنشطة وعروض فنية    لقطات من أولى حفلات أحمد سعد في الساحل الشمالي بعد عودته من الحج (صور)    لعب في برشلونة وتعلم 4 صفات من «الزعيم».. من هو حفيد عادل إمام قبل زفافه المرتقب؟    5 أبراج معروفة بالالتزام وسهل تثق فيهم.. العقرب والسرطان فى المقدمة    الصحة: فحص 3 ملايين و251 ألف سيدة ضمن المبادرة الرئاسية ل «العناية بصحة الأم والجنين»    رايات خضراء وصفراء.. إقبال المصطافين على شواطئ الإسكندرية في آخر أيام العيد    حارس إسبانيول على أعتاب برشلونة.. وشتيجن في طريقه للخروج    «ريستارت» يحقق 50 مليون جنيه في افتتاحيته بدور العرض العربية    محافظ بورسعيد يوجه التضامن ببحث الحالة الاجتماعية ل3 أطفال يفترشون مدخل عمارة    ليفاندوفسكي يتوقف عن تمثيل منتخب بولندا    مديرية صحة شمال سيناء تواصل تنفيذ خطة التأمين الطبي الشاملة خلال عطلة عيد الأضحى    هل الموز على الريق يرفع السكري؟    الصحة: حملات وقائية على المنشآت السياحية وأماكن تقديم الطعام خلال العيد بمطروح    وكيل الشباب والرياضة بالقليوبية يشهد احتفالات مبادرة «العيد أحلى»    من الشهر المقبل.. تفاصيل زيادة الأجور للموطفين في الحكومة    حزب العدل: انتهينا من قائمة مرشحينا للفردي بانتخابات مجلس الشيوخ    33 يومًا من الزهد الروحي.. رحلة صوم الرسل في الكنيسة القبطية    الدوائر الانتخابية لمجلس الشيوخ الفردي والقائمة بعد نشرها بالجريدة الرسمية    موعد إجازة رأس السنة الهجرية.. تعرف على خريطة الإجازات حتى نهاية 2025    الأمين العام لحلف "الناتو" يدعو إلى زيادة قدرات الحلف الدفاعية الجوية والصاروخية بنسبة 400%    مواعيد عمل المتاحف والمواقع الأثرية في عيد الأضحى 2025    خاص| محامي المؤلفين والملحنين: استغلال "الليلة الكبيرة" في تقديم تريزيجيه غير قانوني    ما حكم صيام الإثنين والخميس إذا وافقا أحد أيام التشريق؟.. عالم أزهري يوضح    بسخرية.. مقدم كوميدي أمريكي شهير يعلّق على خلاف ترامب وماسك (فيديو)    مصرع شخص وإصابة اثنين آخرين فى حادث بالدقهلية    انهار بهم سقف ترعة.. مصرع طفلة وإصابة والديها في حادث مأساوي بالمنيا    اعتماد كامل لعيادات الأطفال أبو الريش من هيئة الاعتماد والرقابة الصحية    التضامن عودة أولي رحلات حج الجمعيات الأهلية من جدة 10 يونيو.. ومن المدينة المنورة 14 يونيو    حقبة تشابي ألونسو.. ريال مدريد يبدأ استعداداته لكأس العالم للأندية 2025    متحدث حزب شاس الإسرائيلي: سنصوت يوم الأربعاء لصالح حل الكنيست    دار الإفتاء تنصح شخص يعاني من الكسل في العبادة    ارتفاع كميات القمح الموردة لصوامع وشون الشرقية    التحالف الوطنى بالقليوبية يوزع أكثر من 2000 طقم ملابس عيد على الأطفال والأسر    تزامناً مع ترؤس "جبران" الوفد الثلاثي لمؤتمر العمل الدولي بجنيف.. 8 حيثيات تؤكد امتثال مصر للمعايير الدولية    الجامعات المصرية تتألق رياضيا.. حصد 11 ميدالية ببطولة العالم للسباحة.. نتائج مميزة في الدورة العربية الثالثة للألعاب الشاطئية.. وانطلاق أول دوري للرياضات الإلكترونية    ترامب يتعثر على درج الطائرة الرئاسية.. وروبيو يتبع خطاه    د.عبد الراضي رضوان يكتب : ل نحيا بالوعي "13 " .. حقيقة الموت بين الفلسفة والروحانية الإسلامية    الحكومة تبحث إقرار زيادة جديدة في أسعار شرائح الكهرباء سبتمبر المقبل    دعاء الخروج من مكة.. أفضل كلمات يقولها الحاج في وداع الكعبة    الصحة: فحص أكثر من 11 مليون مواطن بمبادرة الكشف المبكر عن السرطان    أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    بعد صعود سعر الفراخ البيضاء.. أسعار الدواجن اليوم الاثنين 9-6-2025 صباحًا للمستهلك    وداع بطعم الدموع.. الحجاج يطوفون حول الكعبة بقلوب خاشعة    استعدادا لامتحان الثانوية 2025.. جدول الاختبار لطلبة النظام الجديد    إصابه قائد موتوسيكل ومصرع أخر إثر إصطدامه به في المنوفية    6 مواجهات في تصفيات كأس العالم.. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    «بخلاف كون اللقاء وديا».. ريبيرو يكشف سبب عدم الدفع بتشكيل أساسي ضد باتشوكا    الخميس المقبل.. ستاد السلام يستضيف مباراتي الختام في كأس الرابطة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نص كلمة شيخ الأزهر بجامعة مالك إبراهيم بإندونيسيا
نشر في فيتو يوم 24 - 02 - 2016

وجه الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، كلمة للطلاب والأساتذة بجامعة مولانا مالك إبراهيم، بإندونيسيا عقب منحه درجة الدكتوراه الفخرية.
وجاءت الكلمة كالتالي:
الدكتور مودجينا راها ردجيو – عميد جامعة مولانا مالك إبراهيم الإسلامية الحكومية، إخواني وزملائي أساتذة الجامعة، أبنائي وبناتي الطلاب والطالبات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد:
فإنَّه ليُسْعِدَني حقًا ويُشرِّفني أن ألتقي بكم أيها العلماء والشباب الباحثون وطلاب العلم، في رحاب «جامعة مولانا مالك إبراهيم الإسلامية الحكومية»، وأن أشم عطر البحث العلمي في أجوائكم، وأرى الشوق إلى المعرفة في عيونكم، حتى إني لأغبطكم -عَلِم الله-لما أنتم فيه، وقد أثرتم حنيني إلى أيام التبتل في محراب العلم، والتنقل في أروقة الجامعة، والتمتع بتذوق نص تراثي، أو باكتشاف فكرةٍ جديدة، أو بتوجيه باحثٍ شابٍّ إلى أقرَبِ الطرق إلى بغيته المنشودة.
يعرف شعوري هذا جيدا، مَن اتخذ -عن قصد واختيار-التعليم مهنةً ورسالةَ حياةٍ، وهي رسالة الأنبياء من قبل، ويكفي المعلم شرفًا قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت مُعلِّمًا»، كما يُقدِّر هذا الشعور مَن ذاق حلاوة اكتشاف الحقيقة بعدَ عَناءِ البحث وطول التأمل وصدق الطلب؛ وقد كان حجة الإسلام الإمام الغزالي -رحمه الله-كثيرًا ما يُردِّد: «سُئِلَ حكيم: ما السعادة؟ فقال: هي في حجة تتبختر اتضاحًا، وشبهة تتضاءل افتضاحا».
وعندما كانت أمَّتنا -أيها السادة! - تمارس الفروسية، ويثب شبيبتها على الخيل وثبًا لم يكن في شعورها وذوقها العام ما ينافس مُتعة الفروسية بحركاتها البارعة الرائعة، إلا الجلوس الهادئ إلى صفحات كتابٍ، وكثيرًا ما ردَّد أبو الطيب المتنبي -رحمه الله-:
أعزُّ مكانٍ في الدُّنا سرجُ سابحٍ *** وخيرُ جليسٍ في الزمانِ كتابُ.
إن المعرفة هي أعز ما يطلب، وهى أول واجب على العقلاء، وهى تراث الأنبياء: (إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ)؛ وهي مفتاح باب الجنة: (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ)؛ وهي عِصمة الأمة من الضلال والتيه: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْزِعُ العِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ انْتِزَاعًا، وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ العُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ، فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ، يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ، فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ»؛ رواه البخاري.
فهنيئا لكم تلك الحياة الممتعة، وهنيئا لمن رفعه الله فرعَى حقَّ ذلك التكريم ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾.
ثم أقول لكم أيها الإخوة:
فمنذُ ألف عام -بل تزيد-قامت في مصر، البلد الوحيد الذي يمتدُّ في فضاء القارَّتين العريقتين: آسيا وأفريقيا، وهما منشأ الحضارات الإنسانية، ومهبط كلِّ الرِّسالاتِ السماويَّة، قامت منارةٌ سامقةٌ، تبعث بأضوائها الهادية إلى أطراف العالَم كلِّه، وبخاصَّة شباب هاتين القارَّتين من أبناء الأمَّتين العربية والإسلاميَّة.
إنَّه الأزهر الشريف الذي بفضله أقفُ بينكُم اليوم، والذي أعدُّ هذا التكريم المقدور والمشكور، من إخوتنا في إندونيسيا، وفي جاوة معقل العلم والعلماء، أعده تكريمًا للأزهر في الحقيقة جامعًا وجامعة، بل هو تكريم للمسلمين متمثلًا في خادم الأزهر الشريف وخادم العلم والعلماء والفقير إلى الله تعالى الذي يقف بين أيديكم الآن.
وليس الأزهر أيها السادة –كما تعلمون– مجرَّد معهد عريق أو جامعة عالميَّة، ربّما كانت هي الأقدم في تاريخ الإنسانية التي تواصَلَ عطاؤها دون توقُّف، طوال هذه القُرون العديدة إلى اليوم، بل هو في جوهرِه رسالةٌ، ومنهجٌ، وخطابٌ فكريٌّ متمَيِّز.
فالأزهر الشريف يحملُ مسؤوليَّة الجانب العِلميِّ والدعويِّ من رسالة الإسلام، خاتمة الرسالات الإلهية إلى البشر كافَّة، رسالة السّلام العالمي والمساواة والعدالة والكرامة الإنسانيَّة، والتحرُّر من الآصار والقيود التي تُثقِل كاهلَ البَشر، وتُؤمن بكلِّ ما أرسَلَ اللهُ من رسولٍ، وما أنزَلَ الله من كتاب؛ {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}.
ويسلكُ الأزهرُ في فهمِ هذه الرسالةِ وتعليمها والدعوة إليها - منهجَ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، كما تمثَّلَ في فِكرِ الإمام أبي الحسن الأشعري بمقالاته المنصفة، وسائر كُتُبِه الّتي شَقَّت طريقَ النّظر العقليِّ في الأصلَين بعُمقٍ ووسطيّةٍ واعتدال، كما يتمثل هذا المنهج أيضا في أصول الأئمَّةِ المتبوعين من فُقَهاءِ الأُمَّة، دون تعصُّبٍ أو إقصاء؛ فأبو حنيفة ومالكٌ والشافعيُّ وأحمدُ، أعلامٌ تتردَّدُ في رحاب الأزهر الشريف، وآراؤهم وأقوالهم تُدرسُ في أروقته وتحت قبابه، في سَماحةٍ فكريَّةٍ، ونظَر موضوعي جنبًا إلى جنبٍ، وبحثٍ مخلص النيَّة والهدَف عن الأقوى دليلًا، والأوفى بحاجاتِ الأمَّة في ظُروفِها المتغيِّرة، ونوازلها المتجدِّدة.
وما أروع ما قال أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدته المشهورة عن الأزهر الشريف، والتي قال فيها:
وَسَما بِأَروِقَةِ الهُدى فَأَحَلَّها ** فَرعَ الثُرَيّا، وَهيَ في أَصلِ الثَرى
وَمَشى إِلى الحَلَقاتِ، فَانفَجَرَت لَهُ ** حِلقًا كَهالاتِ السَّماءِ مُنَوِّرا
حَتّى ظَنَنّا الشَّافِعِيَّ وَمالِكًا ** وَأَبا حَنيفَةِ وَابنَ حَنبَلِ حُضَّرا
هذا وقد استَقامَ للأزهر على مَدَى القُرون منهجٌ يقوم أوَّلًا على بناء مَلَكَةٍ رَصِينة لدى أبنائه في اللُّغةِ العربيَّة، وأسرارها العبقريَّة، ثم في دِراسة الكتابِ والسُّنَّة، والعُلوم التي تخدمُهما، واستخلاص الأحكام الاعتقاديَّة والعِلميَّة منهما، أعني: علومَ أصولِ الدِّين وأصول الفقهِ، وعلومَ القُرآنِ، وعلومَ الحديثِ الشريف، وعلومَ الفقهِ المذهبي والمقارَن، مع إلمامٍ بما يعينُهم على فهم عصرِهم، وماضي ثقافتهم الإسلامية وأطوارها المختلفة، ومَنابع الثقافةِ الإنسانيَّةِ بوجهٍ عامٍّ، من الفلسفةِ الشرقيَّة والغربيَّة، والآدابِ القديمةِ والمعاصرةِ؛ ليُزوَّدوا منها بما يُعينُهم على فهم الماضي والحاضر والقُدرة على استشراف المستقبل، والإفتاء في النَّوازل والوقائع المتجدِّدة على منهجٍ عِلمِيٍّ وأصولٍ مقرَّرة.
ولئن سألتُموني عن السِّمة المميِّزة للمنهجِ الأزهري في الدّرس العلميٍّ فلَأقولَنَّ: إنَّه منهجُ التحليل النَّصيِّ العَمِيق الدَّقيق لعُيون التُّراث الإسلامي والعربي، ممَّا خلَّفته القُرون الأربعةَ عَشَر من كنوز ثقافتنا؛ حتى تتكوَّن إلى جانب المَلَكةِ اللُّغويَّة مَلَكةٌ شرعيَّةٌ تُعين الخرِّيجينَ النُّجَباءَ في هذا المعهد على الوَفاءِ بحاجات الأمَّة؛ ممَّا أهَّلَه للمَرجِعيَّة الإسلاميَّة الموثَّقة في العالَم الإسلامي كلِّه.
وقد قُدِّرَ لي -بحمد الله- أنْ أَدْلِفَ إلى رِحابِ هذا المعهد العَتِيدِ بعدَ تَنشِئَةٍ عربيَّةٍ رُوحيَّةٍ في بيتِ عِلمٍ ودين، وعلى يدِ أَبٍ حَفِيٍّ أورَثَنِي الكثير الذي أسأل الله أن يجزيه عني وعن العلم خير الجزاء، ثم نَعِمتُ بتوجيهِ أئمَّةٍ أعلامٍ من شُيوخِ الأزهر، جمَعُوا بين العِلم الشَّرعيِّ على نهجِ الأئمَّة، والحكمة الإسلامية.
كما أبدعها الفيلسوف العربي يعقوب الكندي، والمسلكِ الرُّوحِيِّ على طريق أئمة السلوك والتُّقَى: الجُنَيد البغدادي والحارث المحاسبيِّ وأبي القاسم القُشيريّ وأبي حامد الغزالي، وهو مَزِيجٌ غلَب على الأوساطِ الأزهرية منذُ الإمام المجدِّد ابن دَقِيقِ العيدِ وشيخِ الإسلامِ زكريا الأنصاريِّ، وصاحبِ «الفتح» ابنِ حَجَرٍ العسقلانيِّ، ثم الأئمَّة حسن العطار وعُليش ومحمد عبده والمراغي ومصطفى عبد الرازق وسليمان دنيا وغيرهم -رحمة الله عليهم أجمعين-.
وتلكم هي أصول الخطاب الأزهري المتميِّز بالوسطيَّةِ في العقيدة بين أتباع السَّلَف المحترزين من التّشبيه ومن مزالق التأويل، والخلَفِ المستحسِنين للنظَر والقائلين بالتأويل بحسَبِ قانون العربيَّة ولفظ الشَّرْعِ الشَّريف، جَرْيًا على ما رُوِيَ عن إمام دار الهجرة: «الاستواء معلومٌ، والكيف مجهول، والإيمانُ به واجبٌ، والسؤالُ عنه بدعةٌ»، وكذا التوسُّط بين إيثارِ التشدُّد أو التعصُّب لمذهب مُعَيَّنٍ في فهم خطاب الشارع، وبين التَّسيُّب العلمي، أو التفلُّت من أصول الاستدلال، والترجيح بين آراء الفقهاء على غير هدى.
وما يلقاه الخطاب الأزهري الوَسَطِيّ المعتدل الآنَ من قَبولٍ في العالَم الإسلامي وخارجه، إنَّما يرجعُ إلى هذه الرُّوح الّتي تمزجُ الفكرَ العلمي بالروح الصُّوفي، وتتمسَّك بالحدِّ الأوسط الذي وصفت في مجالي العقيدة والعمل، والّذي يعكسُ الرُّوح الإسلاميَّةَ الأصيلةَ التي تَسُودُ العالم الإسلامي -بحمد الله - بصَرْفِ النَّظَرِ عن بعض الأصوات الهامشيَّة هنا أو هناك.
وإنِّي لأشعُرُ بالسَّعادة البالغة أيُّها الإخوة لقُدومي في هذه المناسبة الكريمة، إلى إخوتي في الديار الجاوية، وقد خدمتُ العِلمَ الشريف والجيلَ الجديد، في عديدٍ من الجامعات في العالمين: العربي والإسلامي، وها أنَذَا آتي إليكم ممثِّلًا لمؤسستكم الإسلامية العريقة «الأزهر الشريف»، وقد وُسِّدَتْ إليَّ قيادتُها وتوجيهُ دفَّتها في ظُروفنا المتغيِّرة والمضطربة، وإنِّي لأَثِقُ بفضلِه سبحانَه وتوفيقِه، وبهِمَمِكم وإخلاصِكم وغَيْرتكم على دِينكم الحنيف، وتُراثكم العريق، وثقافتنا الإنسانية السَّمحة.
ثُمَّ إنِّي شاكر لحضراتكم جميعًا تفضلكم بمنحكم إيَّاي الدكتوراه الفخريَّة، والتي أعتقد أنها إعلانٌ منكم بتكريم الأُخُوَّة بين مصر الأزهر وجامعة مولانا مالك إبراهيم الإسلامية الحكومية.
شكرًا لكم جميعًا.. والسَّلام عَليْكُم ورَحمةُ الله وبَركَاته


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.