لم تكن المليونيات التي خرجت ضد المجلس العسكري بعد تنحي مبارك هي نهاية المطاف وبداية عهد الاستقرار كما ادعي البعض, فقد هدأت المليونيات والتظاهرات نسبيا منذ تولي الدكتور محمد مرسي زمام الأمور, إلا أنها عاودت الظهور مرة أخرى بعد مرور 100 يوم على تولي الرئيس الحكم وعدم تنفيذ ما وعد به خلال برنامجه الانتخابي، فكانت مليونية كشف الحساب والتي دعت لها معظم القوي المدنية في حين تخلف عنها بالطبع قوي الإسلام السياسي التي رأت فيما قام به الرئيس خلال المائة يوم الأولي من فترة حكمه لا يمكن التعويل عليه لأن الفترة لم تكن كافية. ومنذ مليونية كشف الحساب هذه والتي كانت تعد الأولى بعد تولي مرسي الأمر بدأت تعود إلى الأذهان فكرة المليونيات مرة أخرى إلى الشوارع، ولكن هذه المرة لم تكن كما كانت في أيام الثورة الأولى التي كانت تعبر عن الاتفاق بين القوى المختلفة لأن الأمر تغير وانقسم الشعب إلى فريقين مؤيد للرئيس متمثلا في التيار الإسلامي بكل أحزابه والمعارض يضم التيار المدني بمعظم أحزابه وتكتلاته. وتعددت المليونيات التي شهدتها مصر منذ ذلك الحين فبعدما كانت القوى المدنية والإسلامية تتقاسم الأيام التى تخرج فيها لميدان التحرير ومع احتدام الصراع أصبح ميدان التحرير محرما على الإسلاميين فكان البديل رابعة العدوية وميدان جامعة القاهرة. وقد كان الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس في 22 نوفمبر 2012 إيذانا بمرحلة جديدة من المليونيات التى لم تشهدها مصر من قبل فلم يعد المكان قاصرا على ميدان التحرير، فشهدت مصر مليونية في ميدان نهضة مصر أمام جامعة القاهرة وكان مقررا لها أن تكون أمام قصر عابدين بوسط القاهرة، ومليونيات أمام القصر الرئاسي "الاتحادية" بمصر الجديدة، ومليونية أمام مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر. هذا من حيث المكان أما من حيث التوقيت فقد دخل يوم الثلاثاء مع يوم الجمعة لاحتضان المليونيات, ولم يقتصر الأمر لتحديد يومي الجمعة والثلاثاء للمليونيات بل شهد، اليوم الواحد أكثر من مليونية أو مظاهرة في ميدانيين مختلفين، وفي الخامس من ديسمبر 2012 اجتمع فريقان متعارضان من المتظاهرين في ميدان واحد أمام قصر الاتحادية يوم الأربعاء. ومع خروج المليونيات في يوم غير يوم الجمعة، تغير أيضا موعد بدء فعاليات المليونية. فبينما كانت تبدأ الفاعليات بعد صلاة الجمعة مباشرة، أصبحت تبدأ في حدود الساعة الرابعة أو الخامسة في أيام الأسبوع الأخرى انتظارا لوصول مسيرات المتظاهرين من ميادين مختلفة في القاهرة مثل ميدان مصطفى محمود وميدان الجيزة وميدان المطرية ومن شبرا الخيمة. وفي ظل انقسام الشارع المصري بشكل غير مسبوق ما بين تيارات مدنية تعارض الإعلان الدستوري وما تلاه من إجراءات بالاستفتاء على الدستور، وتيار إسلامي يدعم كل قرارات وإعلانات الرئيس أوجد ظاهرة "حرب المليونيات". وقد شهد اخلاف بين التيار المدني والاسلامي من خلاف سياسي الى خلاف حول الشريعة الإسلامية مما ادي الي تعمق الخلاف وبناءا عليه تكاثرت دعوات التكفير والتخوين وساد خطاب المؤامرة والعمالة والعمل على هدم الشرعية لحسابات شخصية وخارجية. ثم أدت خطابات الرئيس للمعارضة أن عمق أزمة الثقة لدى التيار المعارض في قدرة ورغبة الرئيس في العبور بالبلاد تلك المرحلة الحرجة بالشكل الذي يجنبها الكثير من الخسائر وهنا بدأت شعارات الرحيل واسقاط النظام تعود إلى ميدان التحرير. وهنا خرجت المليونية الحاشدة يوم الثلاثاء 26 نوفمبر بالشكل الذي أعاد إلى الأذهان ذكريات ثورة 25 يناير، الأمر الذي أحدث صدمة للتيار الإسلامي الذي كان يراهن على تواضع قدرة المعارضة على الحشد، فقرر الحشد لمليونية يوم السبت 1 ديسمبر رافعا شعار الدفاع عن الشريعة والشرعية. ومع استمرار غياب الرئيس وعدم تفاعله مع الأمر تحرك التيار الإسلامي مرة أخرى بقيادة الإخوان المسلمين بل وبدعوة صريحة من قيادات الإخوان بالتوجه إلى القصر الرئاسي لفض اعتصام المتظاهرين أمامه يوم الأربعاء 5 ديسمبر بما أدى إلى انقلاب المشهد من السلمية إلى الدموية، حيث اقتتل المصريون في الشارع للمرة الأولى في تاريخهم، واستمر غياب الرئيس عن المشهد حتى مساء الخميس 6 ديسمبر ليخرج بخطاب إلى المصريين أعاد فيه تكرار كل المقولات التي روجها أعضاء وقيادات الإخوان خلال الأيام السابقة على خطابه متحدثا بشكل مرسل ومكرر عن مؤامرات البعض ضد مصر وقلب نظام الحكم محاولا تبرير إصدار الإعلان الدستوري ولم يقدم للجماهير سوى دعوته للحوار يوم 8 ديسمبر وقبوله إمكانية مناقشة المادة الأخيرة من الإعلان الدستوري. ومن هنا بدأ الخلاف بين القوي السياسية من خلال المليوينات بعدما انقطعت كل سبل الحوار وكان موقف المعارضة الاستمرار في التظاهر والدعوة لمسيرات حاشدة يوم الثلاثاء 11 ديسمبر إلى القصر الرئاسي. ومرة أخرى يؤدي غياب الرئيس إلى تقدم التيار الإسلامي بقيادة الإخوان ليعلن عن مليونيتين لدعم الشرعية أمام مسجد رابعة العدوية ومسجد آل رشدان بمدينة نصر لدعم الرئيس والاستعداد للتدخل في حال تم اقتحام القصر من قبل المعارضة على نحو ما صرح القيادي الإخواني فريد اسماعيل على الرغم من عدم خروج أي دعوة من قبل المعارضة لاقتحام القصر الرئاسي.