هو أحد رموز الفن التشكيلي المصري دخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية لرسمه جدارية سوق الجمعة التي تعد من أكبر الجداريات النوعية في العالم حيث يبلغ طولها 23 مترا، يملك ريشة متفردة ترى فيها أنين الفقراء والمهمشين يتكلم مثلهم، عندما تجلس معه تسمع نداء الباعة في سوق الجمعة ومدح المداحين في الموالد فهو فنان بثوب الثورة هو «فنان الشعب» كما أطلق عليه.. إنه الفنان التشكيلي طه القرنى الذي أكد أنه تعايش لفترة 3 سنوات مع أبطال جداريته مشيرا إلى أن الجدارية كانت صرخة في وجه نظام ما قبل 25 يناير.. وإلى نص الحوار: في البداية لو أعطيناك بطاقة تعريفية لطه القرني فماذا تكتب؟ طه القرني هو فنان تشكيلي درس في كلية الفنون الجميلة قسم الديكور بالإسكندرية على عكس ما يكتب أنني خريج قسم تصوير ودراستي للديكور والتعبيرية والاثنان يكملان بعضا وهى الميزة التي ساعدتني في جدارية سوق الجمعة؛ لأن اللقطة نفسها كانت غريبة على التصوير المصري كله بل التصوير العالمي لأنه لو أراد أحد أن يأخذ "سكشن" كاملا لا بد أن يكون دارس ديكور لأنه عبارة عن مقطع طولى في مساحة من الممكن أن تمتد إلى ما لا نهاية وهو ما تم في جدارية سوق الجمعة ومن هنا حصلت النقلة التي أدهشت الجميع، ثم أكملت دراستى وحصلت على البكالوريوس ثم الماجستير والدكتوراه وعملت بالصحافة لفترة طويلة كما أقدم برنامجا على قناة النيل الثقافية اسمه "الأتيلية" مع طه القرني. متى بدأت تفكر في تنفيذ جدارية سوق الجمعة التي أدخلتك موسوعة جينيس للأرقام القياسية ؟ كنت أرسم اللوحة ال50*70و60*80 باعتبارها المقاس المتعارف عليه وهى كانت بداية سوق الجمعة ولأني من مواليد إمبابة، وكنت ساكنا بجوار سوق الجمعة قبل نقلها وكان أول ما وقعت عينى عليها وكنت أسكن بشارع ترعة السواحل حتى إتمامى التعليم الابتدائى وكانت تربيتى بجوار السوق وهى ملتقى لكل الأطياف ويعد مصر الموازية مصر الفقيرة المحرومة، وترك في ذاكرتى الكثير لأن طبيعة نشأتى مختلفة لأن والدى كان مبتهلا بالإذاعة المصرية وكنت أتنقل معه في الاحتفالات الرسمية مثل المولد النبوي والتقيت وأنا في تلك الفترة بصلاح جاهين وسيد مكاوى لأنهما كانا صديقين لوالدى، ولذلك أرى نفسى محظوظا لدرجة كبيرة، وكان لدى مخزون في الذاكرة عن الأسواق؛ لأنه كانت تقام أيضا سوق الجمال خلف مصنع الشوربجي وكان أيضا بجوارها مقام سيدى إسماعيل وهو ما أحدث زخما شديدا لدى مع منطقة عزبة الصعايدة التي كان بها الكتاب الذي حفظت فيه القرآن والمدبح القديم وهو ما يجعل أي فرد مر بكل هذا أن يرتجل حتى لو لم يكن فنانا فإنه سوف يتأثر، وأيضا الحالة الفنية التي أوجدها والدى ولأنه فرض الثقافة علينا وهى في البداية ثقافة دينية جعلتنى أصل إلى الحكمة وأنا صغير، حتى عند اختياري لمشروع التخرج وكان عن طه حسين وكتابه الأيام اخترت أن أعمله عن الكتاب لأنه استهوانى وأنا صغير. ما مراحل تنفيذ الجدارية ؟ بعد ما كبرت في فترة الشباب أقمت العديد من المعارض مثل أي فنان، كنت أخطط لرسم سوق الجمعة رسمت اسكتشات تخطت أكثر من 20 "اسكتش" ولكنى لم أكن راضيا عنها كنت أرى أن هناك الأفضل ليس هو ما رأيت كنت أبحث عن الدراما وجلست أكثر من عامين قبل انتقال السوق من إمبابة أجلس مع البائعين وحتى بعد انتقالها إلى السيدة عائشة كنت أذهب بانتظام كل جمعة ولمدة ثلاث سنوات وأتابعهم متابعة مفرطة حتى تأقلمت معهم وأصبحنا أصدقاء، وعرفت أدق التفاصيل وعندما بدأت أرسم لم أحقق 1% مما رأيت لأنى رأيت وجدا جمعيا وتفاعلا مجتمعيا ولذلك تم تأجيل العمل أكثر من مرة وبدأت في تصوير الباعة بالفيديو من أجل أن أرجع إليهم وأنا بالمرسم ومن هنا بدأت المعايشة معهم ظللت أدخل في دراما العمل، وساعدنى كثيرا دراستى للديكور من حيث أحصل على مقطع كامل، مثلا بائع السمين وتقابله مع بائع الخبز ووقوف الجمهور حوله ومتى يبدأ العمل وحصلت على طرف المشكلة من عناصر وأسماء لأنى أعرفهم بالاسم، وكان بيننا تواصل حتى أنهم كانوا يدعوننى لحضور أفراحهم وكنت وأنا بالمرسم أسمع نفس قارئ القرآن الذي يسمعونه بالسوق في الصباح والأغانى الخاصة بشفيقة والريس متقال لدرجة أننى لم أكن استدعى الشخصية بل كانت موجودة أمامى على اللوحة، وهو ما أثار دهشة الجميع من كونى أرسم من الذاكرة وأستحضر الشخصيات والأحداث وكانت تلك الفترة قبل ثورة يناير تشهد فسادًا كبيرًا، فأردت أن أنتصر للفقراء وتكلمت بشكل سياسي عن معاناة الفقراء وجاءت فكرة دخول الجدارية الموسوعة كأكبر عمل نوعى وليس حجما لأن النوعى هو ابتكار ورؤية مرتبطة بحدث حديث لا يقدر أحد على صنعه، وكانت الصحافة والاعلام عاملًا في معرفة الجميع بالجدارية وكان البعض يجلس معى بالمرسم ويرى كيفية تنفيذ الجدارية وكيف أدخل في العمل ويكتب عن ذلك. احك لنا عن يومك في سوق الجمعة؟ كنت أبدأ يومى من الفجر لأرى كيفية فرش البائعين وكانت السوق تبدأ بالإكسسوارات وكنت أسجل جميع المشاهد من بائعي ورواد السوق وأهم الأشخاص لدرجة وضعى ل1200 شخصية بداخل الجدارية كنت أعلم الجميع بها وتعاملت معهم وكان تفكيرى في آخر فترة قبل بداية العمل هو خلفية العمل ولأجل ذلك جعلت جبل المقطم كخلفية؛ لأنه كان يصدم العين متى تحركت في أنحاء السوق لكن للأمانة لم أكن راضيا عن رسمى له وكنت كل ما أنتهى من وحدة من الجدارية يأتى إلى بعض الإعلاميين ليصوروا تلك الوحدة وهو ما أحدث زخما كبيرا عند عرض الجدارية، وكتبت الأستاذة فاطمة على في أخبار النجوم في ذلك الوقت مقالا تحدثت فيه عن الجدارية، وقالت إن فنانا مصريا يصنع عملا يقهر الأرقام القياسية وينقل إحساس شعبه ومن هنا جاءنى اتصال من الموسوعة، وقاموا برفع المقاسات في دار الأوبرا كأكبر عمل نوعى؛ لأن هناك أعمال دييجو ريفيرا في المكسيك أكبر ولأن السوق مكررة في كل الدنيا ولكنى نقلت دراما السوق المصرية في فترة كانت مصر فيها تنتفض ولأجل ذلك كتبت وقتها أن الجدارية « مذكرة تشكيلية بمثابة مذكرة قانونية في وجه نظام جائر » ولأجل ذلك استدعيت في مبنى أمن الدولة قبل الثورة وسجنت أربعة أيام وهو ما كتبت عنه جميع الصحف وتساءلت عن تهمتى هي بسبب رسم الفقراء وهذا زاد من إحساسى بالجدارية وزاد الصخب الإعلامي حولها. من أين جاء لقب فنان الشعب ؟ أحيانا لم أكن أملك رفاهية رسم الشكل كنت أرسم اللون بزمن الشخص وإحساسه بتشريحه ومن هنا جاء لقب فنان الشعب، ولأننى أيضا كنت أرسم الشعب وليس نخبة أو مشاهير مثلا في جدارية الثورة لم أرسم أي شخصية إعلامية كانت بالميدان ولا حتى المثقفين بل رسمت أشباه المثقفين وكان كل همى هو وجوه عوام الشعب لأن كل وجه فيها يحمل خلفه قصة كبيرة. تحدثت في أحد حواراتك عن الموروث الفرعوني وأن الفن التشكيلي جزء من الحضارة المصرية ؟ بالفعل هو جزء مهم في الحضارة المصرية لأن الفراعنة سجلوا أحداثا يومية وأنا أيضا سجلت لكن سجلت وجعا جمعيا مثل سوق الجمعة، وأنا جمعية مثل الثورة ووجدان جمعى مثل المولد ودائما لدينا مشكلة عند الفنان االمصرى أن تاريخه خلفه وليس مثل الفنان الغربى أمامه تاريخه يصنعه ومليء بالابتكارات، فلا بد أن يصنع الفنان المصرى إضافة في أعماله ولأننا أيضا نختلف الآن في حالة التجييش الفكرى محتاج يتلخص، وعندما تجيد الحكمة تصل إلى الاختصار ففى سوق الجمعة 1200 شخصية وهى اختصار لأكثر من مليون زائر للسوق. متى يصل المبدع المصرى إلى العالمية ؟ عندنا مشكلة كبيرة في تسويق الأعمال ونحتاج أيضا خدمة ما بعد الإنتاج فنجد أن المعارض تفتتح في زفة إعلامية كبيرة ووزير يأتى للافتتاح ولكن ثانى يوم يصح المعرض خاويا والإعلام لا يهتم، نريد ترويج الأعمال الجادة حتى يراها العالم عندنا متاحف غير موجودة في أي مكان في العالم مثل متحف الفن الحديث ويحتوى على 100 سنة فن الدول التي نراها متقدمة مثل أمريكا ودول أوربا حضارتها لا تمتد ل500 سنة فمصر تملك التاريخ ولكنها لا تملك الأدوات. كيف نطور منظومة المتاحف ؟ لا بد أن تكون الدولة مؤمنة بفكرة المحافظة على المقتنيات لأن لدينا مقتنيات ثمينة ونحتاج إعلاما للتحدث عنها كما نحتاج ذائقة فنية على مستوى الرحلات ولو على مستوى الطلاب ولو بالمجان لأن المتاحف ليس لها دخل، ولا بد منها لأنها جزء من ثقافة الدولة وكيانها وقوتها ولكنها تحتاج لمن يسوقها حتى نملك متاحف أفضل من فرنسا وإيطاليا.