«العلم في الرأس مش في الكراس»، على الرغم مما تحويه هذه الجملة من تحريض صريح على الابتعاد عن التعليم، إلا أنها واحدة من أشهر الجمل التراثية في مصر، وكأن الشعب المصرى يعشق «الفهلوة». وعلى الرغم من أن كبار العلماء في كل المجالات أبناء لهذا الوطن، ما زالت مصر تتصدر قائمة الدول الأكثر أمية على مستوى العالم، والغريب أنه على الرغم من إدارك منظمة عالمية كمنظمة اليونسكو أزمة الأمية في مصر، نتحدث نحن عن أننا نخطو خطوات كبيرة في القضاء على الأمية لكن الأمر يحتاج إلى وقت، وهو ما يقال منذ ما يزيد على ال20 عامًا. ووفقًا للتقرير الصادر عن هيئة الأممالمتحدة لعام 2015، فإن مصر تحتل المركز ال86 في نسبة الأمية على مستوى العالم، مشيرًا إلى أن مصر تعانى الأمية بمعدل 17 مليون أمي. وجاءت مصر في المركز ال30 في مجال جودة التعليم، وذلك وفقًا لما نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية في تقريرها الصادر هذا العام، وهو ما يشير إلى تدهور حال التعليم في مصر خلال السنوات الأخيرة. معهد البحوث والإحصاء المصري، أصدر تقريرا هذا العام، يؤكد من خلاله أن نسبة الأمية في مصر وصلت إلى 29%، بينهم 47% من الرجال، مشيرًا إلى أن هذه النسبة من أعلى نسب الأمية في العالم، وهى تمثل 12.5 مليون مواطن ومواطنة من شريحة القوى العاملة في مصر. وينقسم هذا العدد الهائل بين الجنسين إلى نحو 37% من الذكور و63% من الإناث، واختتم المعهد تقريره بالمقولة الشائعة « سوف تنتهى تلك النسبة بمرور الزمن لأن غالبيتهم من كبار السن الآن». وأكد التقرير الصادر عن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، هذا العام، بمناسبة اليوم العالمى للمسنين، فإنه وفقًا لبيانات مسح القوى العاملة 2014، فلقد انخفضت نسبة الأمية بين المسنين من 64.9% من إجمالى المسنين عام 2013، إلى 63.2% عام 2014 (49.3% ذكور، و77.7% إناث) نسبة المسنين الحاصلين على مؤهل جامعى فأعلى 8.4%، و(12.4% ذكور، 4.2% إناث) من إجمالى المسنين. وجاءت نسبة الأمية في مصر خلال التقرير الصادر عن الهيئة العامة لتعليم الكبار والتابعة لوزارة التربية والتعليم، لتعلن نسبة أخرى للأمية في مصر، مشيرة إلى أن نسبة الأمية وفقًا لآخر قياس تم في 1 يوليو الماضى بلغت 20.3% في كل محافظات الجمهورية. وإذا حاولنا النظر إلى الجانب المشرق في هذا الأمر؛ سنجد أن هناك أكثر من منظمة غير حكومية سعت في الفترة الأخيرة، لتوعية المواطنين ضد خطر الأمية، ونظمت فصولًا لمحو الأمية، ومن بين هذه المبادرات، مبادرة «العلم قوة» والتي أطلقتها إحدى شركات الاتصالات بالتعاون مع «صناع الحياة» عام 2011، والتي استهدفت محو أمية 120 ألف مصرى في مدن ب9 محافظات. وأسفرت عن فتح 1850 فصلا لمحو الأمية. ومن بين أشهر هذه المبادرات كذلك، مبادرة «جامعة بلا أمية»، والتي أطلقتها جامعة عين شمس، وتعمل على تدريب الطلاب وتأهيلهم للمشاركة في محو الأمية، وقامت الجامعة بتحفيز الطلاب على المشاركة في المبادرة من خلال إعفاء الطلاب المشاركين من مصروفات المدينة الجامعية، والإعفاء من المصروفات الدراسية والكتب الدراسية، بالإضافة إلى حوافز من الهيئة العام لتعليم الكبار تتمثل في 200 جنيه مكافأة لكل طالب يمحو أمية دارس، و10 آلاف جنيه لمن يمحو أمية 50 دارسا. لكن يبقى السؤال ما السبب في ارتفاع نسبة الأمية في المجتمع المصري، وهو ما أجابت عنه «إقبال عبد المنعم الأمير السمالوطي»، في رسالة الماجستير الخاصة بها والتي جاءت بعنوان: « معوقات محو الأمية في المجتمع الريفى المصري»، والتي أعدتها من خلال كلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان. أكدت الباحثة خلال دراستها، أن هناك عددا من الأسباب الرئيسية التي تعيق محاربة الأمية في مصر، وعلى رأسها عجز الفصول والمدارس عن استيعاب جميع الأطفال الذين هم في سن التعليم الابتدائي، وذلك بسبب ازدياد نمو السكان وقلة الموارد المالية المتاحة للعملية التعليمية. هذا بالإضافة لارتفاع نسبة الفاقد التعليمى وما ينتج عنه من انخفاض في مستوى الكفاية الداخلية للنظام التعليمى خاصة في المرحلة الابتدائية نتيجة لظاهرتى الرسوب والتسرب من التعليم. وأضافت لهذه الأسباب، عدم جدوى الإجراءات التي تتخذ بشأن مكافحة الأمية وتعليم الكبار، وعدم ربط التنمية الثقافية والاجتماعية بالتنمية التربوية التعليمية. فقر الأسرة الاقتصادى مما يؤدى إلى عدم قدرة الآباء على سداد المصروفات المدرسية أو استخدام الأبناء للقيام ببعض الأعمال للمساهمة في تحمل نفقات الأسرة فيلجئون إلى إجبار أبنائهم على ترك الدراسة والعمل في سن صغيرة. وأشارت إلى أن عدم الأخذ بالتشريعات التي تلزم الأميين الالتحاق بالفصول المسائية لمحو أميتهم خلال مدة محددة، أحد أسباب ارتفاع نسبة الأمية، وكذلك نقص شعور بعض المسئولين في مصر لفترة مضت بخطورة الأمية وبالتالى بذلهم جهودا بسيطة بشكل لا يتماشى مع حجم المشكلة، بالإضافة إلى عدم تكافؤ توزيع الخدمات التعليمية بين الريف والحضر، وعدم وجود خريطة تربوية تضمن عدالة توزع الخدمات التعليمية.