وضع العاهل الأردنى الملك عبد الله الثاني بن الحسين، أمام قادة العالم في خطابه اليوم الاثنين، ضمن أعمال الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، سبع خطوات أساسية للقضاء على الفكر المتطرف. ووصف الملك عبد الله في خطابه، الحرب على الفكر المتطرف، بأنها بمثابة "حرب عالمية ثالثة"، مؤكدا ضرورة "هزيمة عصابات الخارجين عن الإسلام وقيمه الإنسانية النبيلة". وتساءل خلال كلمته "هل يمكن أن نرضى بمستقبل يسوده القتل الجماعي، وقطع الرءوس، والخطف والعبودية؟" وأضاف: "إننا في الأردن فخورون بالعمل معكم لإطلاق مبادرات تبرز أهمية التسامح والحوار على مستوى العالم، وتجسيدا لذلك أطلق الأردن مبادرات "رسالة عمان"، و"كلمة سواء"، و"الأسبوع العالمي للوئام بين الأديان"، مشيرا إلى أن الجهود يجب أن تستمر، وأن يكون للأمم المتحدة دور محوري فيها". واقترح سبع خطوات أساسية لتحقيق ذلك، تمثلت في العودة إلى الجوهر والروح المشتركة بين الأديان، تغيير لهجة خطابنا، ترجمة معتقداتنا إلى أفعال، تعظيم صوت الاعتدال، كشف الزيف والخداع على حقيقته، التخلص من حالة اللامبالاة لأصحاب الفكر المعتدل، وتفعيل التواصل سواء في أعمالنا أو مجتمعاتنا أو مدارسنا وسائر جوانب حياتنا. وفيما يلى نص الكلمة: أشكركم جميعا، ويطيب لي أن أخاطبكم من على هذا المنبر الدولي ممثلا للأردن، وإنسانا يحب الله ويخشاه، ويحب البشرية وأنا هنا أيضا، كأب يسعى لأن يعيش أبناؤه وبناته، وأبناؤكم وبناتكم، والبشر جميعا، في عالم يسوده السلام والرحمة والمحبة، إلا أن مستقبل هذا العالم، كما نتطلع إليه جميعا، يتعرض لتهديد خطير من الخوارج، أولئك الخارجين عن الإسلام وقيمه الإنسانية النبيلة. إننا مجمعون اليوم على ضرورة هزيمة هذه العصابات، لكن قبل أن نتساءل حول كيفية تحقيق هذا الهدف، دعونا نسأل: ماذا لو لم تتم هزيمتهم؟ وهل يمكن أن نرضى بمستقبل يسوده القتل الجماعي، وقطع الرءوس، والخطف والعبودية؟ لقد وصفتُ من قبل ما يشهده عالمنا اليوم بأنه حرب عالمية ثالثة، ويجب أن تكون استجابتنا لها بحجم التحدي ويجب أن نكون جميعا على يقين بأن الجبهة الأكثر أهمية في هذه الحرب تدور رحاها في ميادين الفكر، ومبتغاها كسب العقول والقلوب. إننا في الأردن فخورون بالعمل معكم لإطلاق مبادرات تبرز أهمية التسامح والحوار على مستوى العالم، وتجسيدا لذلك أطلق الأردن مبادرات "رسالة عمان"، و"كلمة سواء"، و"الأسبوع العالمي للوئام بين الأديان". لا بد لهذه الجهود أن تستمر، وأن يكون للأمم المتحدة دور محوري فيها وعلينا جميعا، شعوبا وقادة، أن نسهم في بناء هذا الطريق. واسمحوا لي أن أقترح هنا سبع خطوات أساسية لتحقيق ذلك: أولا، دعونا نعود إلى الأصول، إلى الجوهر والروح المشتركة بين الأديان وبين معتقداتنا لأننا، وللأسف، نفقد أحيانا الصورة الشاملة: فالجوامع بيننا أعظم بكثير من الفوارق ويتمثل هذا الأمر في القيم المشتركة التي نؤمن بها، من محبة وسلام وعدل وتراحم، لقوله عز وجل: "ورحمتي وسعت كل شيء" (الأعراف 156) ثانيا، دعونا نغير لهجة خطابنا، فقد يعتقد معظم الناس أنه لا علاقة لهم بخطاب الكراهية الذي يحمله المتطرفون، لكن عالمنا عرضة للتهديد. ثالثا، دعونا نترجم معتقداتنا إلى أفعال، وذلك بأن نحب جارنا، ونحترم من يختلف معنا وأن نرعى أطفالنا، فكل واحد منا يمكنه القيام بشيء يعكس مبادئ إيماننا بخالقنا. رابعا، علينا أن نُعظّم صوت الاعتدال فمن أعظم المفارقات العجيبة في زماننا هذا، أن تستغل الأصوات المتطرفة وسائل الإعلام الحديثة لنشر الجهل. خامسا، علينا أن نكشف الزيف والخداع على حقيقته، فعندما ننظر إلى دوافع هؤلاء الخوارج، الخارجين عن الإسلام، بل إلى دوافع المتطرفين في جميع أنحاء العالم، نجد أن شهوة السلطة والسيطرة على الناس والأموال والأرض هي محركهم، وعلينا أن نتذكر هنا أن المجتمع الإسلامي العالمي يضم مليارا وسبعمائة مليون من الرجال والنساء الصالحين الذين يمثلون ربع البشرية. أما العصابات الخارجة عن الإسلام والتي نراها اليوم تعيث فسادا في الأرض، فهي لا تمثل سوى قطرة في محيط الصالحين منا، لكن قطرة من السم كهذه تسمم بئرا بأكملها، وعليه يتوجب علينا نحن حماية ديننا وقيمه النبيلة، فهذه حربنا كمسلمين وهذا واجبنا. سادسا، التسامح لا يقبل التطرف الذي ينمو على حالة اللامبالاة لأصحاب الفكر المعتدل، لكن الاعتدال لا يعني قبول من يسيئون للآخرين ويرفضون كل من يختلف معهم، وحربنا العالمية اليوم ليست بين الشعوب أو المجتمعات أو الأديان، بل هي حرب تجمع كل المعتدلين، من جميع الأديان والمعتقدات، ضد كل المتطرفين من جميع الأديان والمعتقدات. ولا مكان أهم وأكثر تأثيرا لتجسيد هذا الاحترام والتعايش من مدينة القدس حيث الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية واجب مقدس. وهنا نضم صوتنا إلى المسلمين والمسيحيين في كل مكان رافضين التهديدات التي تتعرض لها الأماكن المقدسة والهوية العربية لهذه المدينة. أما الخطوة السابعة فتتعلق بالتواصل، ففي عصرنا هذا، يحدد التواصل كيفية العيش والتفاعل، سواء في أعمالنا أو مجتمعاتنا أو مدارسنا وسائر جوانب حياتنا. إننا ومن خلال اجتماعنا هنا اليوم، نقر بأن فاعلية العمل الجماعي تتجاوز بكثير قوة أي مجهود فردي من واجب العالم أيضًا إيجاد الحلول وتقديم الإغاثة للملايين من اللاجئين في الشرق الأوسط واليوم، تلاحقنا صور الآلاف من اللاجئين على شواطئ وحدود أوربا، الساعين وراء الأمل بعيدا عن وطنهم. لقد واجهنا في الأردن هذا التحدي منذ بداية الأزمة السورية، حيث يشكل اللاجئون السوريون لوحدهم اليوم 20 بالمائة من سكان المملكة، وقد آن الأوان ليتحرك المجتمع الدولي بشكل جماعي لمواجهة هذه الأزمة الإنسانية غير المسبوقة، ودعم دول مثل الأردن ولبنان. هذه القيم والروابط المشتركة هي مصدر قوة الأممالمتحدة، والوعد الذي تجسده. هنا ومعا يمكننا، بل من واجبنا صناعة المستقبل الذي تريده شعوبنا: عالم أكثر أمنا وقوة يسود فيه التعايش وإشراك الجميع والازدهار والسلام. هي سبع خطوات ذكرتها يمكنها أن تقودنا إلى وجهتنا المنشودة، وبإذن الله سوف تحققها شعوبنا وبلداننا، وستحقق أكثر من ذلك.