الاستمتاع والتعلم وربما الاحتراف لاحقا، هي الأسس التي قامت عليها مدرسة الدرب الأحمر في القاهرة لتعليم الأطفال فنون السيرك، الآباء صدموا بداية من الفكرة، ولكن تقبلوها فيما بعد؛ أملا في أن يتعرف أطفالهم على مواهبهم بأنفسهم. في قلب القاهرة القديمة، يقع حي الدرب الأحمر المكتظ بالورش والأعمال الحرفية، بدأت فكرة المدرسة حينما تعاونت مؤسستا "المورد الثقافي" و"أغاخان"، في إنشاء مدرسة لتعليم الفنون للأطفال واحترافها. كان الهدف هو الاستمتاع والتعلم ثم الاحتراف، كبديل عن المهن الصعبة التي تقتل طفولتهم "في البداية كان صعبا إقناع الأهل بتعليم أولادهم لفنون مثل الإيقاع والأكروبات، لكن بعد فترة أصبحت الأمور أسهل"، هكذا تقول خولة أبو سعدة مديرة المدرسة. بدأت المدرسة في عام 2011، وقد التحق بها 15 طفلا، وتقبل الأطفال من سن 6 إلى 16 عاما، وتحتوي المدرسة على فصول دراسية هي: السيرك، الإيقاع، وآلات النفخ النحاسية، ويتعلم الأطفال الفنون بشكل عملي ومهني على أيدي مدربين متخصصين وفنانين فاعلين بالمجال. يقضي الطفل في المدرسة عامين كاملين بدوام جزئي بعد مدرسته العادية، ليتخرج بعدها متقنا لأحد الفنون، مدرسة الدرب الأحمر لا تسعى فقط لتعليم الأطفال فنون السيرك، تقول خولة أبو سعدة، في لقائها مع DW: "إلى جانب فنون السيرك والعزف والإيقاع يتعلم الأطفال اللغة الإنجليزية وعلوم الحاسب الآلي". نجاحات وأحلام ندى يحيى، 16 عاما، تطل على جمهور الحاضرين لتغني لفيروز الصغيرة وتلعب "الهولا هوب" وتقذف القبعات وتتلقفها بحضور مبهر وابتسامة مشرقة. ندى التحقت بالمدرسة وعمرها 11 عاما: "كنت ألعب حينها في الشارع وقالت لي إحدى صديقاتي عن المدرسة فذهبت"، جذب ندى شكل آلة الساكسفون في البداية، إلا أنها بعد ذلك دخلت اختبارات السيرك ونجحت فيها. كلمة مدرسة بالنسبة لندى تعني "مدرسة الدرب الأحمر للفنون"، وعن دراستها بالمدرسة الاعتيادية تقول: "بعد إنهاء دراستي الثانوية سألتحق بمعهد الفنون المسرحية، فأنا أحلم بأن أكون فنانة شاملة أغني وأرقص وأمثل وألعب الأكروبات". بعد خمس سنوات من تعلم ندى للشجاعة في مواجهة الجمهور وتعلم الفنون، أصبحت تشارك كمحترفة في عروض السيرك، تتذكر ندى أن أهلها في البداية كانوا خائفين من تفويتها للدراسة الاعتيادية؛ بسبب ارتيادها مدرسة الفنون. لكن ندى وزميلتين أخريين بمدرسة الفنون، تصادف وجودهما بنفس المدرسة الاعتيادية، كونوا فريقا داخل المدرسة وتم تكريمهم ومنحهم درجات تفوق لموهبتهم. ندى ترى في المدرسة أحلامها تتحقق، فقد سافرت لعرض في لندن وأصبحت صورها تنتشر في جنبات الحي، وعن هذا تقول: "صممت المدرسة بوسترات بصورنا، وأشعر بفرحة لما أقدمه، كنت فتاة عادية والآن أشعر أنني مميزة". "العمل في الفن هو ما أسعى إليه" الحسيني محمد، أحد طلاب المدرسة، التحق بها منذ عامه ال12، حينما اجتذبته صورة للاعبي السيرك، عرضها عليه أحد المشرفين على المدرسة. الحسيني طالب فنون مجتهد، فقد أنهى في أربع سنوات دراسة الإيقاع والسيرك، ويتابع الآن تعلم آلة الساكسفون في فصل الآت النفخ النحاسية "العمل بالشهادة الجامعية ليس مهما بالنسبة لي ولكن العمل في الفن هو ما أسعى إليه". الحسيني الذي بدأ الآن العمل كمحترف ببعض العروض خارج المدرسة، يحلم في المستقبل بتكوين فرقة تعتمد على الاستقلالية في الأفكار كما تعلم بالمدرسة، يقول الحسيني: "أتناقش مع أصدقائي لإقناعهم بأن السيرك فن وليس شيئا تافها كما يتصوره البعض"، ويكمل: "أذهب إلى المدرسة كل يوم لأصنع لنفسي مستقبلا، وأرى أنني محظوظ أنني من الدرب الأحمر". من أصغر طلاب المدرسة لكنه أيضا من أمهرهم، محمود حسين 7 سنوات، ينظر إلى الجمهور من أعلى السلم الذي يتسلقه على خشبة المسرح ببراعة مبهرة، ويقول محمود "علمتني المدرسة الثقة بالنفس، وأفرح في كل عرض كأنه العرض الأول لي". محمود الذي لا يحب السيرك الذي يعتمد على الحيوانات، يحلم أن يصبح مهندسا للطائرات، ويقول "سأبني وأصلح الطائرات صباحا، وأقدم عروض الأكروبات على المسرح مساءً، هذا هو ما أريده". مساحات للإبداع خلف الستار، كل يعرف دوره فهي ليست المرة الأولى التي يقوم فيها أطفال المدرسة بعروض على المسرح، العام الماضي قدموا مسرحية "تاهت ولقيناها" التي خرجت نتاج ورشة شارك فيها الأطفال بقصصهم ولاقت نجاحا مبهرا. هذا العام يخرج الأطفال بعرض "بلالايكا" وهو مزيج من أفكار الأطفال، التي يساعدهم في تطويرها مدربوهم، كما أن هناك بعض الفقرات هي نتاج ورشة مع فريق "تومب" البريطاني، الذي أنتج مع الأطفال فقرات مستوحاة من البيئة، منها العزف الإيقاعي على الكراسي والبراميل وزجاجات المياه الفارغة. وتقول أبو سعدة "مساحة الارتجال والتعبير عن الذات والبيئة المحيطة، هي المحرك الأساسي في أفكار العروض، فدور المدرسة توجيهي أكثر منه فرض أفكار". العرض متواصل في شهري أغسطس وسبتمبر، وهو مجموعة من اللوحات الفنية التي تختلف ما بين عزف على الآلات النحاسية وغناء وعزف على الإيقاع، وبالطبع وجبة لطيفة من الأكروبات وألعاب السيرك البهلوانية. عازف الآلات النحاسية، والمدرب محمد يوسف يقف وسط العازفين، خلف الكواليس؛ لإعطاء الملاحظات الأخيرة قبل رفع الستار. وفي لقائه مع DW يقول "المدرسة تهتم بجوانب شخصية الطفل كسلوكه وأدائه، بعض الأحيان نواجه صعوبات، لكن حب الأطفال لما يفعلونه واطمئنانهم لمدربيهم، يجعل الأمر ممتعا وأسهل بعد فترة".. بين الجمهور تعلو أصوات الأطفال منهم بالضحكات أو تعليقات الانبهار. حمزة مهران، 6 سنوات، أحد الأطفال الذين حضروا العرض يقول "أحببت فقرة القبعات وأتمنى لو أستطيع التشقلب مثل العارضين"، أما والدته التي اصطحبت ابنيها إلى عروض المدرسة لأول مرة تقول: "سعدت بموهبة الأطفال وقدرتهم على إتقان تلك الألعاب في مثل هذا العمر الصغير". هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل