الكثيرون منا يعتقدون أنّه إذا لم نستطع أن نحقق أحلامنا فى مرحلة الشباب وسنوات النضارة، فإنَّ الأمل يكون قد فات على تحقيق ما حلمنا به، وعلينا قبول الأمر الواقع الذى نحيا فيه وكأننا تروس فى آلة، ولا نملك لأنفسنا وأحلامنا شيئاً. هذا الاعتقاد حطمته الكاتبة الأميركية «إيدا لوشان»، التى نجحت فى حياتها وحققت حلمها بأن تصبح أديبة ومقدمة لبرنامج تربوى شهير؛ بعد أن تجاوزت مرحلة الشباب وسنوات النضارة، كما أنها قررت أن تجعل من أزمة منتصف العمر أجمل سنوات العمر؛ وذلك بإصدارها كتاب «أزمة منتصف العمر»، الذى تقصّ فيه تجربتها الشخصية، التى هى أقرب إلى السيرة الذاتية. استطاعت «لوشان» أن تهزم هواجس الشيخوخة، وتبدأ نجاحها وتألقها فى مرحلة عمرية متأخرة، وتؤكد فى كتابها تفاؤلاً شديداً بأنَّ مرحلة منتصف العمر ليست قصيرة، كما يعتقد البعض، وإنما هى أطول مرحلة فى الحياة؛ إذ تمتد من سن العشرين إلى سن الستين، وتقسم إلى منتصف العمر الباكر من (20 إلى 40 سنة)، ومنتصف العمر المتأخر من (40 إلى 60)، وتقول: «نحن فى الخمسين من عمرنا تواجهنا فجأة حقيقة عمرنا، ونسأل أنفسنا من نكون؟ وماذا فعلنا فى حياتنا؟! ونعى بكل الألم أننا غير خالدين. وأذكر أنَّ أول ما هالنى فى منتصف العمر أنَّنى لم أتمكن من قراءة كل الكتب التى أريد قراءتها، ولم أتمكن من رؤية كل الأماكن التى أودّ زيارتها بعد أن تسرب الوقت». تضيف الكاتبة أنَّ مرحلة منتصف العمر هى فرصة لاستكمال مسيرتنا، وأنها فرصتنا لندرك المعنى الحقيقي؛ لكى نكون ما نريد، ولكى نعرف أخيراً الحقائق الخاصة بنا، وبناءً على ذلك نملك الحرية لاكتشاف هواياتنا الحقيقية، ومهما كان عدد الأخطاء التى اقترفناها، يمكننا أن ننظر نظرة جديدة لإدراكنا الحساس بأنَّ الوقت ثمين، فإذا لم نحاول اكتشاف ذاتنا فقد لا نفعل ذلك أبداً. وتقول المؤلفة: «إنَّ من يتبع الزحام لا ينال عادة أبعد مما يناله من فى الزحام، أما من يسير وحده فمن المحتمل أن يجد نفسه فى أماكن لم يصل إليها أحد من قبل، وإنَّ الإنسان أمامه اختياران فى الحياة؛ إما أن يذوب داخل التيار الرئيس، أو أن يكون متميزاً. ولكى تكون متميزاً لا بد أن تكون مختلفاً، ولكى تكون مختلفاً يجب أن تكافح حتى تكون ما لم يكنه قبلك أحد». تضيف الكاتبة أنَّ منتصف العمر هو الوقت الذى نبدأ فيه بإرضاء أنفسنا أكثر، وكلما كنا أسعد كنا أكثر لطفاً مع الآخرين. إنها مرحلة أشبه بإعادة الولادة بكل ما يعنيه هذا القول. وإن صعوبات الحياة يمكن أن تكون هى نفسها دافعنا لبداية حياة جديدة.