« ... أنت ستنجح لا شك.. ستبقي لسنوات ست قادمةٍ إن شاء الله تبارَك! أقسمت: ستنجح لا شك.. وما أنا ممن إن ذهب لينتخب اختارَك! ...... لكأني بك يوم الفوز جلست. وأجلست بجوارك سمسارَك وتهيأت لتستقبل زوارَك ...... وابتدأت بالطبل طقوس الحفل: فهذا الشيخ عن الأزهر يلعب بالدف وبالصاجات المطران.. وبالطبلة هذا الشاعر من أبنود كم طبل قبلك ل «السادات».. وكم غنى للثورة من قبل.. وصار الآن يبيع الشعر بكيس نقود! هذا الاستفتاحُ أعلاه أجزاء من مطوّلة الشاعر المتفرّد الدكتور حسن طلب «مبروك مبارك»، التي نشرها قبيل إعادة تنصيب المخلوع في الانتخابات الوهمية التي جرت في 2005م ، ونُشرت في صحيفة «القدس» وعدة صحف عربيّة ، ولم يتجرّأ على نشرها في مصر سوى « الدستور «، ثم صدرت القصيدة في ديوان في موقف جريء من شاعر صادق شجاع ، لم تثبت إدانته بوضع رأسه في الرمل أو ممارسة رياضة مسح الجوخ أو تقبيل الأيادي والأكتاف ومسح أحذية مَن يملكون مفاتيح الحظائر والدكاكين !! اخترت المقطع أعلاه ليكون عكّازًا أتوكأ عليه في هذه الوقفة التي نتعجّب فيها من مواقف الشاعر الزجّال عبد الرحمن الأبنودي الذي يمثّلُ واحدة من أغرب علامات الاستفهام المستعصية على الإجابة ، فبالرغم من كونه مكشوفًا للجميع ، إلا أنه يجيد القفز واللعب على الحبال وغسيل المواقف والضحك على الكثيرين خصوصا أبناء الأجيال الجديدة المضحوك عليهم إعلاميّا !! كنت من المخدوعين في المذكور وشعره ، ولكنني مع الوقت اكتشفت أنه يتكئ على كثير من التراث الشفاهي للصعيد ، وعلى أعمال ذائعة لمطربين كبار وشعراء غيره ، فنششته مقالا قاسيا بمجلة « كاريكاتير « الله يرحمها في بدايات 1991 ، فهاجمني كثيرون من حُرّاسه القُزْعُمِلَّات الذين لم يقرأوا شيئا من أعماله ، وكان في هجوم هؤلاءِ ما جعلني أتابع أعمال الأبنودي ومواقفه بنوعٍ من الانتباه ، كما أعادوني لقراءة كلّ أعماله السابقة لكي لا أظلم أحدا ، لكنه عاجلني بأغنية رديئة كانت أسوأ بداية لمطربة مسكينة اسمها منال ، ظهرت بها في حفل شم النسيم 19 أبريل 1993 وكانت هذه البتاعة للأسف المرير من ألحان بليغ حمدي الذي أعتبره واحدا من أهم ملحني مصر وفلتاتها بعد أن ملأ النصف الثاني من القرن العشرين بروائع يصعب حصرها ، ولو لم يلحن سوى «ظلمنا الحب» و«كل ليلة وكل يوم» و«فات المعاد» التي غنتها أم كُلثوم لكفاه ذلك ، فساءني أن ينزل من قمم كبار الشعراء عبد الوهاب محمد ومأمون الشناوي وأحمد شفيق كامل إلى كلمات ركيكة رديئة ميّتة تأنفها الأذن ويأباها الذوق السليم ، كانت الأغنية بعنوان «لما مِلت» وكان مطلعها يقول : لما مِلت ومِلت لي من يوميها الكون حِلي لكن الأغرب والأعجب والذي كاد يجعلني أحطّم التليفزيون أن أجد بليغ يلحن التراب التالي : يا حبيبي يا ملاكي ياللي جاي تقول فداكي إنت ف وجودك وجودي إنت في هلاكك هلاكي !! لم أتمالك نفسي ، كغيور على الشعر والأصالة وسمعة بليغ حمدي ، فأعطيتهما طريحة تليق بهذا الفعل المشين في العدد 125 من « كاريكاتير « ( 28 أبريل 1993م ) ، وشاء القدر أن تكون آخر عمل يظهر لبليغ قبل رحيله ، كما أماتت المطربة المسكينة ولم تنجح معها محاولات الإحياء على أيدي ملحنين وشعراء آخرين ، فاختفت وتلاشى وجودها . في تلك الأثناء بدأ «مهرجان القراءة للجميع «، ولم نندهش لصدور أعمال الأبنودي في بداياته فهذا شيء عادي ولا يثير ريبة الخبثاء أمثالي ، ولكن فوجئنا مع مرور السنوات بتصدّر أعمال المذكور قائمة المهرجان ، وتصدّره قائمة الأعلى أجرا ، وأصبحت له ليلة خاصة في معرض الكتاب السنوي ، ثم احتل ليالي قصور الثقافة بهلاهيل السيرة الهلالية بأجور خيالية أيضا ، وتوالت مكافآته من الوزير المزمن فاروق حسني إذ سخّر الأبنودي مقالاته في « يوميات الأخبار « وفي الزوايا الأخرى التي يكتب فيها لمديح مبارك والست والفنان العالمي فاروق حسني ومعارضه ، فكيف لا تتصدّر أعماله مهرجان قراءة فاروق حسني ؟ تلك الأعمال التي أصبحت طعاما للفئران في مخازن الهيئة بعدما لم يجد ما يملأ به هذه الإصدارات ( نشر جميع ما كتب ) فراح ينتع قصصا للأطفال ، وكنت تجد اسمه على الغلاف في حالة ورم غريب وتضخّم رهيب إلى درجة أن أصبح أكبر من العنوان !! ثم جاءته المكافأة الأغرب وهي منحه الجائزة التقديرية في الشعر في إهانة غير مسبوقة فما يكتبه لا يتعدّى حائط جائزة من قصر ثقافة ، لكن الوزير الفنان أمر موظفيه بمكافأة « الشاعر الكبير « وزيادة في الكرم الحاتمي منحوه جائزة مبارك قبل أن تهدأ حرائق التقديرية ( وهو الأبنودي لا يعنيه معنى الجائزة ، ولكن تعنيه الفلوس ) ، وبعد أن وضع وزارة الثقافة ( ومنافعها ) في جيبه ، استدار على وزير الإعلام الغلبان أنس الفقي ، وقام بتلبيسه هلاهيل السيرة الهلالية ليعرضها التليفزيون المصري على جميع قنواته في أوقات متميزة في رمضان 2010م ، بكام ؟؟ أنا أعرف ، لكن اسألوه ، كم مشاهد تابعها ؟ ولا مشاهد واحد ، وكان يتصل بالفقي خمس مرات في اليوم على طريقة محمد عبد الوهاب ليطالب بالوقت المتميز ! ظلّ الأبنودي لاعبا مطيعا في ملعب الوزير المزمن ، ولاعبا غريبا في دنيا الإعلام ، فإذا سألوه في صحيفة « الميدان « عن عصر جمال عبد الناصر يرد : كان عصر ابن كلب ، وإذا سألوه السؤال نفسه في صحيفة « العربي « الناصرية قال : كان عصر العزة والكرامة ، وراح يبكي على أطلال الزعيم الخالد ويكتب فيه الزجل الرديء الذي ينمّ عن عجز وبلادة ! كما وصل به الأمر إلى أنه لم يعد يرى سواه على الساحة، بالرغم من أنه لو جلس على قرافيصه ومعه أعماله الكاملة في كفة وقصيدة واحدة لأحمد فؤاد نجم في الكفة الأخرى لرجحت كفة نجم، وأطارت المذكور في الهواء ، فنجم مقاتل صادق وشاعر حق ، وهو مع الشيخ إمام صوت المقهورين وأنين مصر العظيمة لا مصر الإعلامية التي أضاعوا ملامحها طوال ستين عاما سوداء ! ولأنه لا يرى سوى نفسه فإنه يسمّي أعداءه ومنتقديه : الصراصير ، وإذا سألوه عن رأيه في الشعراء الشباب يقول : ليه ؟ هو أنا مُتّ ؟ وعندما اعتمد اليونسكو أبحاث الشاب محمد عبد الحافظ في السيرة الهلالية ، هدد الأبنودي بإحراق ما عنده ، وما عنده هو مجهود جابر أبو حسين وشركاه ، واسألوا عطيات الأبنودي ... الشاهدة الصادقة التي لا تخشى في الحق لومة لائم !! والمواطن هذا لم يكتفِ بنفي وجود الأحياء بل لا يريد أن يكون في تاريخنا سواه أيضا فراح يقاتل من أجل أن يثبت أن ابن عروس تونسي وليس مصريّا ، ولأنه الأبنودي كان واحدا من ندّابات هزيمة يونيو فإنه لا يطيق سيرة عبد الرحيم منصور لأنه مغنّي النصر المتفرّد ولأنه بلدياته ( قناوي مثله ) ! وعندما جاء انتصار أكتوبر كان الأبنودي خارج البلاد ويحاول تلبيس الموضوع لأمن الدولة الذي أصبح الحيطة المايلة الآن لكل المدّعين !! كان شعراء الأغنية في 1967 ينامون في مبنى الإذاعة ويكتبون بلا مقابل ، إلا شاعرًا واحدا تساءل : هو إحنا حنكتب ببلاش ؟ متناسيا بحار الدماء التي تراق على أرض المعركة ، والوطن الذي يفقد أجزاء من جسده ، وأستغرِبُ للمهللين لأغنية «عدّا النهار» وهي تحمل في ثناياها «وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها» هذا الوصف الذي يوحي بالقذارة ، قذارة الانحلال والتفكك ، فمن تغسل شعرها على الترعة ليست أبدا ولن تكون محترمة في أعين الآخرين ! ظل الأبنودي يسبّح بحمد مولانا المخلوع وقرينته ووزيرها المفضّل ، ولما ذهب للعلاج على نفقة الدولة عدة مرات لم يفعلوها مع عبد الوهاب المسيري وفردة حذائه تعادل قبيلة من الرجال عاد الأبنودي في 2008 وعندما سئل في لقاء تليفزيوني عن إحساسه عندما اتصل به السيد الرئيس للسؤال عن صحّته كان جوابه : حسّيت ان ابوي ماماتش !! ، ومرت الأيام وقامت ثورة يناير وقفز الأبنودي وركب الموجة الرائجة ببتاعة زجلية اسمها « الميدان « قفز بها إلى هيئة الكتاب ونال عنها جائزة ووووو ....... وأصبح متحدّثا باسم الثورة والثوار ، وفي يقيني أنه كان يجهز بتاعة زجلية مضادة يمدح فيها مبارك وعياله ومراته وأمن دولته لو فشلت الثورة ، وكان حصاد الحالة الأبنودية العجيبة أن أصبح له حضور يومي في صحيفة «التحرير « يكتب فيها مربعاته على نسق ابن عروس الذي ينفيه ، وعلى نماذج عبد الستار سليم وعفاريت قنا ، وهي مربعات الأبنودي من أسوأ ما ابتلتنا به «التحرير» فلو عقدنا مقارنة بينها وبين التبوّل اللاإرادي لغضب منّا التبوّل اللإرادي واعتبرها إهانة ، كما يصر الأبنودي بها على استعمال اسمه الوارم من أغلفة كتبه بمهرجان «القراءة للجميع «والأحرى أن يُكتَبَ اسمه عليها ببنط 9 وتوضع صورته المقلوب ، الحسنة الوحيدة أنه بدأ يستفيد من تجارب أشبال التحرير أسامة عبد الصبور وأحمد عمار وأشرف توفيق ، وبدأ يكتب في أبحر شعرية في حياته ما لمسها ، لكنه للأسف يقتلها بكلمات مسكينة تجاري ما يحدث في الشارع العام ، وهي عملية ابتزاز ميئوس منها بعد أن نجح في أخذ كل ما يريد ، وبالرغم من كل ذلك يدّعي الفقر والحاجة في كل حواراته بصورة تهين كلّ مَن ينتمي إلى معسكر الشعر !! هو ومعه رفيقه في الكفاح الغنائي المضروب عمّار الشريعي من عجائب الثورة السبع ، سأتناولها معًا في دراسة طويلة بعنوان « تحت السّجر يا وهيبة « ، ولن أبالي بقُزْعُمِلات الإعلام المغيّبين ، ولن أخاف إلا الله ،، وكلّ ما أشك فيه إلى درجة كبيرة أن نجد المذكور « بيلعب مع الإخوان « !!