عندما تطيل النظر والتأمل لحال بلدنا، تطفو على ذاكرتك مقولة "ابن سينا" :"بُلينا بقوم يظنون أن الله لم يهدِ سواهم". عندما تُطالع الجرائد أو القنوات التليفزيونية كعادتك فى صباح كل يوم جديد، فإنك تجد شيئا قويا يشبه الغارة الجوية يسمى عبثاً "دعاة"، ولكنهم ماهم إلا بدُعاة الظلام أو دعاة على أبواب جهنم ينطلق صارخاً فى وجهك "طول دقنك يا أخى المسلم.. اتحجبى يا أختاه.. لأنه لما الأخ أو الأخت تعمل كدا بجد دول ميتخافش عليهم وف رأيى عدوا خلاص..! أى منطق هذا؟ من فعل هذا أو ذاك يضمن له النجاة من نار الآخرة..!! هلا نصبت نفسك علينا حاكماً بأمر الله مثلاً؟ أو جعلت من نفسك وكيلاً حصرياً ومحتكراً لحق توزيع صكوك الغفران للمؤمنين وأن تضن بها على غيرهم وقبل أن ننسى شيئاً هاماً فالمقصود بالحجاب هنا "النقاب"، وهذا من أجل ألا يلتبس عليك الأمر أخى المسلم ..! الشىء المؤكد فى خضم ذلك أن كل تطرف وتشدد فى مجال ما لابد له أن يقود إلى تطرف أشد ومناهض له على الجهة المقابلة له. للأسف عادت تُطل بوجهها القبيح مرة أخرى "صكوك الغفران"، فتجرنا للوراء من جديد وتُذكرنا بما كان يحدث فى أوربا فى القرون المظلمة حيث سيطرة الكنيسة على كل شىء فى الدولة.. حيث لا مكان للعقل أصلا، فالملك هو ظل الله على الأرض وقراراته غير قابلة للنقاش أصلاً.. هل بإمكانك أن تناقش الله فى أمر ما؟؟!! والأنكى من كل هذا أن الشعب يتصدى لكل من يعارض ذلك الإظلام المتعمد.! وأنت تنظر لهؤلاء الظلاميين الجدد يعتريك إحساس بأنهم يقرأون من نفس كتاب الظلام والاتجار بالدين، فتجدهم يحولون الدين لأفيون كما قال ماركس وينسون إن الدين فى مجمله ثورة وليس أفيوناً وأننا بمقدورنا أن نجعله ثورة للقضاء على كل شىء فاسد فى مجتمعنا ولكنه "هناك ثمة مترفون ومن بيدهم الأمر"، أدمنوا جعل الدين أفيونا لتخدير الشعب وإحكام القبضة عليه للأبد وجعل منه حفنة من العبيد مسلوبين الحقوق خانعين للأبد..اللهم إلا إذا ظهر لنا نبى جديد ينفض غبار ذلك الأفيون عن الدين ويعيد الثورة إليه من جديد. فى سبعينيات القرن الماضى.. استورد النظام ومن والاه أفكارا ظلامية مع العائدين من بلدان الخليج أو بالأحرى سمح بازديادها وترعرعها فى البلاد بقصد إقصاء فصيل معارض يؤرق مضجعه.. ورغم ذلك فالنظام مُدرك جيداً لطبيعة الشعب الذى يحكمه واستحالة تطبيق تلك الظلاميات وجعلها أمراً واقعاً دون أى تمهيد لها.. لذا فهو عمَد إلى تدمير حائط الصد أمامه وهو الأزهر الشريف المقاوم لتلك الظلاميات باختراقه أولاً بأفراد لديهم القدرة على إقناع من حولهم ولديهم إن صح التعبير عقول ولكنها أُظلمت بفعل ذلك التلف تستطيع تجنيد من حولها. وثانياً: جعل الأزهر تابعاً للنظام وتقزيمه فيصير متحدثاً باسمه، عندئذ تسقط هيبته فى أعين العامة بعد أن كان نبراسا يهتدون بضيائه وتنتهى ثقتهم فيه فيبحثون عن البديل، وطبعا معروف من هو البديل "الذى يريده" النظام للشعب، ودون أن يدرى الشعب يجد نفسه بين شقى الرُحى ما بين أزهر مخترق بظلاميات بعيدةٌ كل البُعد عن تعاليم السمحة بعد أن كان منارة تتوهج نوراً يضئ العالم كله وليس مجتمعه بحسب . وما بين قنوات الظلام والتشدد التى دائماً تنفث فى وجهنا سمومها ليلاً نهاراً فتراها تُغرق المجتمع فى ظلام دامس بدعوى أنها تأخذك إلى الجنة..!! الشىء المُحزن أن كفة تلك القنوات هى الكفة الراجحة دائماً، فالمواطن يريد من لا يخاف فى الحق لومة لائم ولا يتحدث باسم النظام ويعطيه علماً شرعياً- حسب اعتقاده. إننى أرى أن هؤلاء الظلاميين لهم أشد خطراً على الدين نفسه من الذين لا يؤمنون به أصلاً، فإقحام الدين وإهانته بهذا الشكل كما أُقُحم من قبل فى العصور المظلمة ورجوع فكرة الحاكم بأمر الله والوكلاء الحصريون عن الله ومحاكم التفتيش مرة أخرى، كل ذلك كفيل وحده بجعل بيئة الرياء خصبة بين الناس وتبغيض دين الله لخلقه ..كما قال "شيخنا الجليل محمد الغزالى" حينما تحدث عن الملحدين قائلاً: نصف أوزار الملحدين فى هذا العالم يحملها متدينون كرهوا خلق الله فى دين الله، إن كل تدين يُجافى العلم ويخاصم الفكر ويرفض عقد صلح شريف مع الحياة ..هو تدين فقد كل صلاحيته للبقاء". المضحك والمُبكى فى آن واحد عندما تبسط الكوميديا السوداء جناحيها على الوضع برمته، حينما تجد أحد دعاة الظلام يخرج عليك شاهراً نذيره ووعيده فى وجهك مستخدماً "حنجرته الرقيقة" وبكل وقاحه يقول: "من لم يُعجبه العيش فى كنف دولتنا المسلمة فعليه بالرحيل إلى كندا أو أمريكا فنحن نريد تطبيق شرع الله فى هدوء". ولكن إن أردت الحقيقة عزيزى القارئ فتلك الخفافيش والظلاميات التى يدعونها سفهاً فكرا دينيا وأفكاراً إسلامية هى الأولى بالرحيل.