أخيرا جاء مرسي رئيسا للجمهورية، وإن أردت الدقة قلت رئيسا للمعضلة ، وكل معضلة تفتح الباب أمام ألف معضلة، حيث تواصل الاعتصام في ميدان التحرير جنبا إلى جنب مع الاحتفالات بفوز مرسي، حيث أعلنت المنصة الرئيسية بميدان التحرير عن استمرار الاعتصام ليومه السادس على التوالى، اعتراضاً على حل البرلمان ، وقرار الضبطية القضائية، والإعلان الدستورى المكمل، بالإضافة إلى المطالبة بالإبقاء على اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور. على مرسي أن يواجه المعضلة.. فعليه كي يصبح رئيسا للجمهورية أن يؤدي القسم (وفقا للإعلان الدستوري المكمل) أمام الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا، وعندها تصبح كل هذه المطالب في خبر كان ، ويصبح المسكين في مواجهة مطالب هذه الجماهير، ويصبح مسئولا عن فض الاعتصام، وليرفع شعار "دعونا نتفاوض مع المجلس العسكري في هدوء وصمت" هذا لو لم يكن قد تم الاتفاق فعلا خلال الفترة التي امتدت بين انتهاء التصويت وإعلان النتيجة على تسوية هذه الملفات العالقة وربما غيرها!!. أما إذا رفض أداء القسم أمام المحكمة، وقرر مواصلة القيام بدور الثوري ، فالباب يفوت ومن دون أدنى شك ألف مرسي!!. لا نستبعد أن تهدئة الشارع الهائج ، وتحديدا الإخوان والسلفيين كانت هي البند الأهم في المفاوضات التي امتدت في تلك الفترة، والتي تشير الدلائل إلى أنها كانت مفاوضات كونية متعددة الأطراف، انتهت بإعلان مرسي رئيسا ،مقابل التهدئة، ومقابل تعيين شخص معين كرئيس للوزراء ويبقى مرسي رئيسا شرفيا. بعد أن يقسم مرسي القسم.. عليه أن يتعامل مع وضعه الرئاسي الفريد، فهو أولا رئيس بلا دستور، وهو تابع لسلطة تشريعية تتمثل في العسكر الذين احتفظوا لأنفسهم بسلطتهم كاملة على الجيش، وأجهزة الأمن وقاسموه السيطرة ومعهم رئيس مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للهيئات القضائية على تأسيسية الدستور ، كما يمكن لخمس أعضاء الجمعية التأسيسية أن يعترض على مشروع الدستور، إذا تضمن نصا أو أكثر يتعارض مع أهداف الثورة، ومبادئها الأساسية التى تتحقق بها المصالح العليا للبلاد، أو مع ما تواتر من مبادئ فى الدساتير المصرية السابقة، حيث يمكن لأى منهم أن يطلب من الجمعية التأسيسية إعادة النظر فى هذه النصوص خلال مدة أقصاها 15 يوما، فإذا أصرت الجمعية على رأيها كان لأى منهم عرض الأمر عليها، ويكون القرار الصادر من المحكمة الدستورية العليا ملزما للكافة.... كل هذا وفقا للمكمل الدستوري!!. لاحظ أيضا أن المكمل الدستوري قد أعطى (رئيس الوزراء) دورا سياسيا ومنحه حق الاعتراض على مواد الدستور للمرة الأولى في تاريخ مصر!!. هنيئا لمرسي تلك الوجبة السامة ومع ذلك فهو في غاية السرور والحبور بفوزه بالمنصب الرئاسي. لا زال القوم يتصرفون بمنطق الجماعة لا بمنطق الدولة، ولا شك أن فوز مرسي بالرئاسة يمنح الجماعة الحاكمة زخما، ويمكنها من السيطرة على بعض الوزارات، وحل بعض المشكلات ، ويعطيها الحق في إقامة الاحتفالات في الهواء الطلق، إلا أن هذه الأجواء الكرنفالية لا تعني أن مصر قد وضعت قدميها على طريق الخروج من الفوضى والاضطراب. إنه اتفاق لتقاسم السلطة لا أكثر ولا أقل.